لم يجد الجيش المصري الأمر سهلاً لتحقيق وعده بالانحياز للشعب في أحداث الأمس 30 يونيو 2013م، فرغم انطلاق المظاهرات المطالبة برحيل الرئيس الدكتور محمد مرسي في القاهرة وكل المحافظات الأخري، ورغم أن الحشود التي تجمعت في ميدان التحرير و(الإتحادية) ظلت في ازدياد متواصل، بما يفوق مناصري الحكومة من الأخوان المسلمين وحلفائهم الذي يعتصمون في ميدان (رابعة العدوية) بمدينة نصر، ورغم أن حركة (تمرد) التي تقود الثورة ضد الرئيس مصري وحكومته تقول أنها قد جمعت 22مليون توقيع لمصريين ينادون برحيل الدكتور مرسي وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، إلا أن منطق الحكومة ورئيسها الدكتور محمد مرسي، وحزبه الحرية والعدالة، وجماعة الأخوان المسلمين، أيضاً يستحق الإحترام، ويجعل مهمة قيادة الجيش في اختيار الموقف الصحيح عصياً، فهؤلاء يتمسكون بالشرعية، فالرئيس الدكتور محمد مرسي جاء إلي الحكم عبر انتخابات حرة نزيهة صوت له فيها 13مليون مواطن من أصل 25مليوناً شاركوا في العملية الانتخابية. إلا أن المعارضين لحكم مرسي، يرفضون هذا المنطق، ويقولون أن كثيراً من الثائرين اليوم كانوا قد صوتوا للرئيس مرسي، لا سيما في مرحلة الإعادة بينه وبين الفريق الدكتور أحمد شفيق الذي كانوا يرون فيه وجه نظام الرئيس حسني مبارك المباد، آخرون يقولون أنهم صوتوا عن قناعة في جماعة الأخوان المسلمين التي كانوا يرونها الأقدر علي حكم مصر، لما تتمتع به من تنظيم دقيق، ولدورها في إنجاح الثورة، إلا أن تجربة عام في الحكم أثبتت غير ذلك تماماً، إذ لازم هذه التجربة في سنتها الأولي فشل كبير في جوانب شتي، بينما يري مناصرو مرسي أن الفشل الذي ظهر خلال العام الماضي والمتمثل في بعض الضوائق الحياتية، سببه الثورة المضادة التي ظل يقودها بقايا النظام السابق، فضلاً عن سيل المطالب المتلاحق الذي ظل يحاصر به المعارضون الحكومة فصرفها عن أداء مهامها الرئيسة. القوات المسلحة والشرطة نشرت قواتها وعززت تواجدها في كل المناطق الحيوية، وفي المداخل والمخارج، تحسباً لأية طوارئ تظهر، وأكد بيان للجيش أنه أقرب من كل توقع، وإن لم يكن هذا التواجد ظاهراً بصورة كافية.لم يقف حصار المعارضة لحكومة مرسي عند الحشود التي ملأت الشوارع تطالب بالرحيل، ولكن تنوعت وتعددت أشكال الحصار السياسي والإعلامي للحكومة، فوقفت القنوات الفضائية المصرية كلها تقريباً إلي جانب الثائرين، ويروجون لدعوتهم بالرحيل، ولعل ذلك ما دعا وزير الاستثمار المصري يوجه إنذاراً شديد اللهجة لهذه القنوات، بحجة أنها خالفت التصاديق الممنوحة لها، مما اعتبره المعارضون تعدياً للحريات والحقوق، وعلي المستوي السياسي فلقد قدم نواب أحزاب المعارضة استقالات جماعية من مجلس الشوري تضامناً مع الدعوة لرحيل الرئيس مرسي وإجراء انتخابات مبكرة، واستقال معهم لذات السبب رئيس إتحاد عمال مصر، وفي ذات الوقت واصلت مجموعة مقدرة من الفنانين والأدباء اعتصامهم في محيط وزارة الثقافة رفضاً لحكومة الدكتور محمد مرسي وسياساتها. القوات المسلحة أبدت أسفها بانتهاء مهلة الأسبوع التي منحتها للحكومة والمعارضة للتقدم بمبادرة لحل الأزمة، دون أن يحدث شئ، ودون أن تلوح في الأفق بوادر لنزع فتيل الأزمة، واعتبر المراقبون هذا الحديث من القوات المسلحة بمثابة الإنذار الأخير، قبل التدخل الذي يتوقع في أية لحظة، إذا ما استمرت حالة الاستقطاب بين المعارضين لحكومة الدكتور مرسي والمؤيدين لها، وفي الوقت الذي أكد فيه المتحدث باسم الرئاسة السفير إيهاب فهمي استعداد مؤسسة الرئاسة للدخول في حوار غير مشروط مع كافة القوي المعارضة، فإن الرئيس محمد مرسي وضع سقفاً للحوار لا يصل إلي المطلب الرئيس للمتظاهرين بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة. وفي الوقت الذي يتحدث فيه الجميع عن مظاهرات سلمية، ضبطت أجهزة الأمن في الأسكندرية 17 مواطناً يحملون أسلحة متنوعة يتوجهون بها صوب القاهرة، وأكدت التحريات في وقت لاحق انتماءهم جميعاً لجماعات إسلامية مناصرة للرئيس مرسي، وضبطت معهم استمارات (تجرد) المؤيدة للحكم، وكما تم رصد مجموعة من مؤيدي الرئيس محمد مرسي يجرون تدريبات قتالية في محيط ميدان رابعة العدوية، ويهتفون بشعارات جهادية، ورصد المراقبون انضمام مجموعة من ضباط الشرطة للمتظاهرين في ميدان التحرير وبعض المحافظات، منها محافظة كفر الشيخ. وشهد ميدان التحرير نزول مجموعة من القيادات المعارضة منهم الدكتور محمد البرادعي، وعمرو موسي، وحمدين صباحي وكثيرون غيرهم، يزيدون المتظاهرين حماسة واشتعالاً، وقاد ضياء رشوان نقيب الصحفيين المصريين تظاهرة تضم مجموعة من الصحافيين انطلقت من دار النقابة وانضمت إلي المتظاهرين في ميدان التحرير. ومن جهة أخري دعا شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب المواطنين لضبط النفس، وبدأت السفارة الأمريكية في إجلاء رعاياها من مصر، ولقد توجه بعضهم إلي ألمانيا، وتزامن ذلك مع تبدل في الموقف الأمريكي الذي يبدو أنه تخلي عن دعم الموقف الحكومي، فبينما كانت تميل الإدارة الأمريكية للحديث عن دعم الشرعية، صارت تتحدث عن التفاوض بين الحكومة والمعارضة، وتسعي لتوحيد الموقف المعارض، الأمر الذي دعا المتحدث باسم الرئاسة لأن يقلل من دور المبادرة الخارجية. المراقبون يرون أن المسألة قد انتهت، وانتهي معها حكم (الأخوان) ومرسي، والمسألة فقط مسألة وقت وإخراج، فالجموع التي خرجت إلي الشوارع والميادين في الذكري الأولي لحكم الدكتور محمد مرسي لن تعود خالية الوفاض دون تحقيق حلم (الرحيل) وتبقي المسألة في يد (الأخوان) والجيش، فإذا اختار الأخوان الخروج السلس انتهت المسألة بأمان، وإذا ما أصروا علي الدفاع عن شرعية الحكم، يبقي تدخل الجيش هو الحاسم الوحيد للأحداث في مصر، وهذا ما ينتظره الجميع، ويتوقعونه في أية لحظة.