تعيش مصر أوضاعاً إستثنائية في أعقاب الأنقلاب الذي قام به الجيش بالتواطوء مع القوى السياسية الليبرالية على الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي والذي لم يمضي على أدائه اليمين الدستورية أكثر من عام واحد اي ربع المدة الزمنية المحددة بالدستور للرئيس المنتخب ,ليحرك اليساريون والليبراليون الشارع والمظاهرات من أجل إسقاط مرسي مستعينين ببعض الشباب الغاضب من الوضع الإقتصادي والعطالة وغياب التوظيف ولعل فئة الشباب هذه قد بنت تطلعاتها وسقف أحلامها بأكبر من الواقع حيث كانوا يتصورون أن الحاكم الذي يأتي بعد الإطاحة بمبارك سيحل كافة مشاكلهم وهو حديث يخاطب العاطفة وليس العقل ولايملك مرسي ولاغيره عصا موسى لتغيير الواقع المصري المتخم بالمشكلات الإقتصادية والسياسية والإجتماعية بين ليلة وضحاها ولذلك أصيبوا بالإحباط لأنهم بنوا سقف الطموحات على المثال ولم ينظروا الى الأمرنظرة واقعية ,وقد أفلحت المعارضة الرافضة لوجود الأخوان المسلمين في سدة الحكم في إستغلال هذه الغضبة الشبابية وتحريكها لصالح الإنقضاض على الحكم الاخواني ,ساعدهم في ذلك الوجود المؤثر للعلمانيين في الجيش المصري وضيق المؤسسة العسكرية بالديمقراطية وهي قد تعودت على الرضاعة من ثدي الأنظمة الشمولية منذ عهد عبد الناصر مروراً بالسادات والمخلوع حسني مبارك ليصعب عليهم الفطام بعد هذه السنوات المتطاولة ووجدوها فرصة للقضاء على الحكم الشرعي القائم حيث بادر الجيش بتعطيل الدستور وعزل الرئيس مرسي وتنصيب المستشار عدلي مصور رئيس المحكمة الدستورية رئيساً مؤقتاً للبلاد الى حين إجراء إنتخابات رئاسية بزريعة أن الجيش انحاز الى الشعب في تظاهراته التي خرجت الى الشارع مطالبة بإسقاط الرئيس مرسي في حين أن مظاهرات التأييد للرئيس المعزول كانت تسد الأفق وهي تنادي بحماية الشرعية ولم تجد أذناً صاغية من الجيش ولعل خطورة ماقام به الجيش تتمثل في أن إسقاط الشرعية لمجرد خروج مظاهرات وإحتجاجات يفتح باب لن يغلق قريباً وبمثلما خرجت التيارات الليبرالية يستطيع الاخوان اخراج الشارع بصورة أوسع وعلوم هم الأكثر تنظيماً من بين كل التنظيمات السياسية في مصر وكذلك الجماعات الإسلامية الأخرى والتيارات المطلبية غير المؤدلجة فهل ينحاز الجيش الى كل تظاهرة ويسقط النظام ؟! واذا كانت الإجابة نعم يبقى أن هذه فوضى ستعيش مصر في دوامتها ولن تستقر واذا كانت الإجابة لايصح الإفتراض القائل بعلمانية الجيش وشمولية توجهاته,على كل مصر تعني الكثير للسودان والعكس الصحيح فالروابط الأزلية والوجدانية والمصالح المشتركة بين الشعبين كبيرة ولم تتأثر بالمد والجزر المرتبط بمواقف الأنظمة السياسية هنا وهناك ولذلك عندما يتناول السودانيون الشأن المصري اذا كان بالنقد أو الثناء يكون دافعه الإشفاق والحرص على الإستقرار في الشقيقة مصر ولذلك فقد أبدت القوى السياسية السودانية مواقفاً مختلفة حيال المشهد المصري ,وقد طالب حزب الأمة القومي في بيان أصدره في هذا الخصوص بضرورة التوصل لصيغة تراضي وطني والإعتراف بشرعية الرئيس مرسي على أن يتم حل الحكومة وإشارك القوى السياسية الأخرى في السلطة والنأي عن العنف في حين أعتبر الحزب الشيوعي السوداني على لسان السكرتير العام الخطيب أن ماجرى في مصر يعتبرتطبيق للديمقراطية المباشرة خروج الشعب وإنحياز الجيش له مثلما حدث في السودان في أكتوبر العام(1964) وأبريل (1985)وأستدرك يجب أن لايكون هذا مدعاة لتكريس السلطة في يد الجيش بل يجب العودة للعملية الديمقراطية في حين وصف تنظيم الأخوان برئاسة الشيخ جاويش الخطوة بأنها أنقلاب عسكري كامل الأركان وتقويض للديمقراطية في حين أكد الحزب الإتحادي الديمقراطي أنه مع خيار الشعب المصري وهو مبدأ راسخ للحزب وقياداته وقال الناطق الرسمي بإسم الحزب ابراهيم الميرغني أن من يختاره الشعب المصري هو محل ترحيب الحزب,الحكومة الرسمية أصدرت بيان عبر وزارة الخارجية قالت فيه أن مايحدث في مصر شأن داخلي يخص مصر وأحزابها السياسية وقواها الحية وقياداتها مافسره البعض بأنه موقف دبلوماسي من الحكومة دون أن تعلن فيه الإنحياز لأي طرف من أطراف الصراع على السلطة بمصر,تأثيرات المشهد السياسي في مصر لاشك أنها تنعكس بصورة مباشرة على السودان سلباً وإيجاباً وقد ظلت العلاقات البلدين في عهد مبارك في أضابير المخابرات خصوصاً بعد الإتهام للنظام السوداني بمحاولة إغتيال مبارك وكذلك إرتباط مبارك المباشر بالإستراتيجية الأمريكية والغربية بالمنطقة التي تستهدف بعض الدول والسودان جزء من إستراتيجية الإستهداف هذه وتعطلت علاقات البلدين في خانة الشكوك والملفات الأمنية ولم يستفيدا من عوامل التكامل المتاحة في كليهما بسبب السياسة العدائية التي انتهجها الرئيس مبارك مع السودان لتدفع مصر قبل السودان الثمن حيث كان إنفصال الجنوب تهديد كبير للأم القومي المصري لدخول اسرائيل في ملف مياه النيل عبر دولة الجنوب التي رعتها ودعمتها بمباركة من حكم مبارك وقتها ولم يأخذ مرسي وقتاً كافياً ليغير من إستراتيجية مصر السياسية تجاه السودان رغم شروعه في وضع بدايات جديدة لشكل مختلف للعلاقات وتشكيل لجنة وزارية رفيعة لهذا الغرض يرأسها الرئيسان وعمل على الإهتمام بالإستثمار المصري في السودان خاصة في الزراعة والثروة الحيوانية والدواجن وغيرها لتأتي هذه التغييرات الأخيرة وهي غير واضحة التوجهات نحو السودان هل تستمر في نهج مرسي الذي يخدم مصلحة البلدين أم تعود لحقبة مبارك وحتى تتضح معالم مصر الجديدة يبقى هناك الكثير من القلق على مستقبل العلاقات بين البلدين.