سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
عبير الأمكنة معاوية أبو قرون
عامان على إنفصال جنوب السودان
حكيم من الجنوب السودانى إسمه.. أبيل ألير
من المسؤول عن الإنفصال؟؟
جوبا لؤلؤة الاستوائية صخبها لاسقف له وهدوء إنسانها لانظير له
سحرت كل السودانيين والمحصلة كانت لغة هجين اسمها « عربى جوبا»
أجرؤ على القول لأقول لعنة الله تعالى على السياسة التى أدخلت الى قاموس الحياة العامة كلمة اسمها «الانفصال» فى شمال السودان وكلمة اسمها « الاستقلال» فى جنوب السودان، فلولا هذه الكلمة وتلك كان يكون بمقدورى ان اشد الرحال الى مدينة « جوبا» والتى اسميها « لؤلؤة الاستوائية» فى اى لحظة كنت أتى لمطار الخرطوم باكراً فى ثمانينات وتسعينات القرن الماضى او فى الخمس سنوات الأولى من العشرية الأولى من الألفية الثالثة وباجراءات بسيطة وغر معقدة لتطير بنا الطائرة الى مدينة « جوبا» ذات المناخ الاستوائى الممطر الآن احتاج لتاشيرة خروج من الخرطوم وتاشيرة دخول لجوبا وهذه قصة أخرى. تبادلنا جوبا الجغرافيا والانسان الود بالود والحب بالمحبة والالفة بالعشرة فالناس فيها كلهم طيبون... لا أدرى الآن ماذا فعلت بهم أفاعيل «الانفصال» أو « الاستقلال» لايفرق فالأمر أصبح سيان... زرتها مرات عديدة جداً فى كل مرة اكتشف فيها اشياء جديدة... غفر الله تعالى للانفصاليين فى الجنوب والشمال فهم لتحقيق مآرب سياسية ضيقة وضعوا السودان على حافة التفتيت وشطروه شطرين كل شطر منه ينازع الآخر تتعكر الاجواء ثم تصفى ثم تعكر ثم يأتى الرئيس الجنوب افريقى الأسبق « ثامبو أمبيكى» ليضع النقاط على حروف خارطة الطريق... **** يقول التاريخ ان جوبا عاصمة الجنوب الاقليم حين كان جزءً من السودان ويقول الحاضر ان جوبا عاصمة الجنوب الدولة حين إنفصلت من السودان ان موقعها الممتاز أهلها لتكون مدينة حاضرة عاصمة إذ ترجع تسميتها الى عاصمة للمديرية الاستوائية للعام 1930م حيث تيقن الانجليز ان كل مقومات جدوى ان تصبح عاصمة متجسدة فيها... فهى تقع على الضفة الغربية لبحر الجبل... وهى تمثل نهاية للملاحة النهرية وهى ملتقى طرق برية تربطها بعاصمتى مديرتى بحر الغزال « واو» واعالى النيل « ملكال»...وهى نقطة التقاء الطرق البرية فيما بينها ونقطة التقاء الطرق النهرية فيما بينها ونقطة التقاء للطرق البرية والنهرية... **** جوبا مدينة صاخبة أهلها من الاستوائيين ومن شاركوه السكن والمعاش وكشأن كل الافارقة يحبون الموسيقى والنقارة فى كل ركن منها يصنع الناس البهجة والمسرة بطريقتهم الخاصة فهم يزرعون فى انفسهم وفى نفوس غيرهم مساحات كبيرة من الفرح... الاستوائيون بطبعهم يميلون للهدوء حتى قال بعضهم ان هدوء إنسانها لانظير له. **** جوبا فى مخيلة السودانيين مدينة ساحرة جاذبة... جاءها البعض من آنحاء السودان المتفرقة فاستطاب لهم فيها المقام فأقاموا فى احيائها « الجلابة – نمرة 3- اطلع بره- ملكال- الملكية- كتور- الكويت» وغيرها... وزارها البعض وتمنوا زيارتها ثانية فهى مدينة إنسانها وجغرافيتها تجذب الجميع اليها... جوبا دخلت قاموس الاغنية السودانية فغنى لها الفنانون الكبار « مسافر جوبا» غناها الفنان الرائع النور الجيلانى بزيه الافريقى المزركش وموسيقاه التى سمعت اصداء ايقاعاتها فى « جبل الرجاف» و « نهر الجبل» ... وغنى نفس الاغنية الفنان الراحل محمود عبدالعزيز فبادله اهل جوبا وكل الجنوب الحب بالحب... حدثنى صديق من جوبا ان المدينة توشحت بالسواد والحزن عندما سمع اهلها بوفاة الفنان محمود عبدالعزيز رحمة الله تعالى عليه... وغنى لها فنانون آخرون الاغنية الشعبية ذائعة الصيت « جوبا مالك علىّ» كل السودانيين الذين أقاموا بجوبا او زاروها لمرة او مرات سحرتهم طبيعتها حيث أشجار المانجو والباباى والاناناس والموز وكل منظومة الفواكه الاستوائية فالمناخ هنا رطب وماطر الامطار تهطل بغزارة قرابة العشرة أشهر فى العام... السودانيون الذين أقاموا فيها أطلقوا عليهم اسم « الجلابة» اى التجار القادمون من الشمال ويطلق عليهم « المندوكورو» اى العرب... اللافت ان هؤلاء الجلابة لعبوا أدواراً اجتماعية وثقافية مهمة ما زال أهل الجنوب المنصفين وقياداتهم واداراتهم الاهلية تحفظها لهم حيث مثلت جوبا معبراً لهم لكل المدن الجنوبية الاخرى فى الاستوائية مثل ياى وطمبرة ومريدى ويامبيو وغيرها وفى بحر الغزال واو، راجا، واراب،رمبيك وفى اعالى النيل ميوم وملكال والناصر وبانتيو بل كانت معبراً لهم لدول الجوار الافريقى مثل كينيا ويوغندا واثيوبيا وافريقيا الوسطى والكنغو حيث امتدت تعاملات التجار الجلابة الى تلك الدول احترفوا فيها تجارة الحدود حيث يبيعون سلعاً سودانية مقابل سلعاً تشتهر بها هذه الدول مثل الشاى والبن والمنتجات الجلدية بالاضافة لسلع ذات اغراض سياحية. * *** خلاصة الأمر فى علاقة الشماليين بجوبا والتى جاءوها من مناطق كلى والمغاوير والجبلاب وكبوشية وطيبة الخواض والمحمية وجبل ام على والدامر وعطبرة وبربر والعبيدية وشندى وام دوم وام ضوابان وودراوة والهلالية والعيدج والدويم وشبشه والقطينة وجبل اولياء وام درمان والخرطوم ونيالا والفاشر والضعين والفولة والنهود والمجلد وبابنوسة ورهيدى البردى وغبيش والابيض والدلنج والدبيبات وابوزبد والسنوط وام بادر وبارا والاضية زكريا وزالنجى والجنينة وغيرها من المدن السودانية، خلاصة الامر ان تشكلت لغة هجين بين اللغة العربية الفصحى التى يتحدث بها اهل الشمال واللهجات المحلية فى تلك المناطق واللغات واللهجات المحلية فى الجنوب وفى جوبا تحديداً فكانت المحصلة اللغة المعروفة الان بلغة « عربى جوبا «. **** سنوات الحرب الطويلة بين الشمال والجنوب أغسطس 1955- مارس 1972 ومايو 1983- يناير 2005م خلقت جداراً سميكاً من المرارات لكنها بمرور الزمن وبشئ من العقلانية والحكمة يمكن ان تزول لكن المفرح ان بجوبا اشراقات كثيرة للتعايش بين كل الناس والديانات، فجوبا وفى ليلة المولد النبوى الشريف من كل عام كانت تخرج عصر ذلك اليوم فى زفة تجوب شوارع المدينة تتخللها موسيقى الجيش والشرطة والسجون حيث يردد الجميع « لا اله الا الله محمد رسول الله» لتنتهى بميدان المولد النبوى الشريف بوسط المدينة ليؤدى المسلمون صلاة المغرب ثم يتبارى الخطباء من المسلمين والمسيحيين واعيان المدينة والمسئولين فى احياء الحدث المهم ثم بعد ذلك تقدم الشؤون الدينية لكل الحضور اكواب الشاى باللبن والزلابية... ثم تتفرق الجموع بسلام... فجوبا تحتفل بالمناسبات الدينية الاسلامية بطريقتها غير المسبوقة لانها مدينة هجين يتعايش فيها كل الناس والاجناس لانهم جميعاً يؤمنون برب الناس الواحد الأحد.