رحم الله شيخنا وإمامنا حبر الأمة وإمام الأئمة أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه، تناول الكثير من الحكم شعراً رصيناً فقال: دع الأيام تفعل ما تشاء وطب نفساً إذا حكم القضاء وكن رجلاً على الأهوال جلداً وشيمتك السماحة والوفاء وقال رأيت خراب العمر مني فزرتني ومأواك من كل الديار خرابها أأنعم عِشاً بعد ما حل عارضي طلائع شيب ليس يغني خضابها وعزة عمر المرء قبل مشيبة وقد فنيت نفس تولى شبابها بهذه الأبيات المعبرات حكماً وشعراً.. خطر ببالي أن أتناول صحبة الشباب في حقبة مايو، التي قلنا ونحن شباب بملء أفواهنا «أنت يا مايو الخلاص يا جدار من رصاص».. في منتصف السبعينيات من القرن الماضي، جمعتنا تلك الحقبة في اتحاد شباب السودان مع أخوة طريق في دروب السودان الوعرة بعد مؤتمر عام قصد منه توحيد شباب السودان بكل شعبه السياسية والإجتماعية والثقافية والرياضية بما أطلق عليه وحدة شباب السودان أشهد الله أنني تعرفت على أخوة كالأقمار حباً وإخلاصاً وشفافية وطهارة في هذا البلد الأمين، وسوف أتناول بعضهم متفرداً وآخرين جماعة. ٭ أولاً الأُستاذ المكاوي عوض المكاوي المحامي فهو القمر العصامي، الذي كان شيخنا في رئاسة إتحاد شباب السودان، فهو من أبناء الأبيض الذي درس القانون في جامعة الخرطوم، وخاض معارك إتحادها، فهو من أبناء السودان الصادقين الطاهرين العفيفين يداً ولساناً، مقاتلاً ومجاهداً لا يخش في الحق لومة لائم، صبور يتق الله حيثما كان، أدار إتحاد شباب السودان في فترة مليئة بالأحداث والصراعات والمواجهات، وأهم ما كان يميزه مستمع جيد ومقنع، لا يمكن تدخل عليه وتطلع منه زعلان، وقد عمل في تلك الفترة محامي في مكتب أصدقائه «المرحوم عبد العزيز شدو ورفيق دربه عبد الباسط سبدرات أطال عمره، ومعهم أخونا المحامي اسماعيل ابو سقر شفاه الله وعافاه، وبالرغم من أنه كان عضواً في المكتب السياسي للاتحاد الإشتركي إلا أنه عندما ضيق عليه الخناق، هاجر إلى دولة الإمارات العربية وعمل مستشاراً للشيخ حميدان بن راشد حاكم إمارة عجمان، وقد أسسوا هذه الإمارة مع صديقه الباشمهندس مختار مكي محمد من الألف الى الياء، وحولوها من صحراء جرداء الى مدينة وإمارة تنافس الإمارات الأخرى، وبعد أن وقفوها على حيلها وشمخت عماراتها ومؤسساتها، تجددت المؤامرات من نوع آخر، فيه صراع الجاليات، والرجل بعصاميته القوية لا يعمل في مثل هذه الأجواء العكرة، وترك الجمل بما حمل، واختار أن يفتح مكتب محاماة في دبي في عمارة «القزاز» فعشت حراً كريماً أبا العوض، والتقدير لحرمكم المصون الإستاذة المحامية فايزة خليفة خوجلي وقد دفعت غربة ثمناً للحق الأبلج. ٭ ثانياً الصديق الباشمهندس مختار مكي محمد خليفة الطريقة الإسماعيلية مختار مكي محمد من أصلاء أبناء الخرطوم ثلاثة، نال تعليمه الجامعي في جمهورية المانيا، وعمل مهندساً بولاية الخرطوم، كان والده السيد محمد الحنفي السيد المكي قد أسس الطريقة الإسماعيلية في الخرطوم ثلاثة. بدأ بالزاوية وخلوة القشاشة، التي تعج بالطلاب من كل انحاء السودان لحفظ القرآن وترديد الأذكار.. هاجر الباشمهندس مختار الى دولة الإمارات وعمل مديراً لبلدية عجمان التي حولها واخوته السودانيين من صحراء الى إمارة عربية متميزة. وربطتني صداقة حميمة مع الباشمهندس منذ أيام إتحاد شباب السودان وسافرنا مرتين مع بعضنا في زيارة وفد الشباب الى المانيا الإتحادية في إطار البروتكول الشبابي والسفرة الأخرى الى مهرجان الشباب بكوريا الشمالية، حيث شهدنا لأول مرة الوراثة الشيوعية والتعظيم للزعماء، فلا يبدأ أي متحدث كلامه إلا بتحية الزعيم الراحل كيم سونج وابنه المفدي كيم جن ويل الذي ورث الحكم بعده. وتعمت صلاتي بوالديه رحمهما الله .. فكان والده رحمه الله يرعى اولاد الخلوة أكثر من أولاده وأحفاده.. وكانت والدته أم الفقراء التي لا تكل ولا تمل من خدمة حيران الله وأشهد له بأنه كان باراً بوالديه. وعندما ضيق عليه في الإمارات من خلال صراع الجاليات ترك لهم الإمارة بأكملها، وقد شاهدت تلك الأيام الناحسة بنفسي وعدنا الى السودان وافترقنا وتولى هو مسؤولية إكمال رسالة والده وطور الزاوية الى مسجد من بعد وفاة والديه رحمهما الله وهو الآن يقوم بأمر الخلافة، التحية لك «أبا مودة» وأعانك الله وورحم الله حكيم الأمة الإمام الشافعي الذي قال عنهما: مافي المقام الذي عقل وذي أدب من راحة فدع الأوطان واغترب سافر تجد عوضاً عمن تفارقه وانصب فإن لذيد العتبى في النصب إني رأيت وقوف الماء يفسده إن ساح طاب وان لم يجر لم يطب وقال: أحب من الأخوان كل مواتي وكل غضيض الطرف عن عثراتي يوافقني في كل أمر أريده ويحفظني حياً وبعد مماتي فمن لي بهذا ليث اني اصبته لقاسمته ما لي من الحسنات تصفحت اخواني فكان اقلهم على كثرة الأخوان اهل ثقاني وقال: فما كل من تهواه يهواك قلبه ولا كل من صافيته لك قد صفا ولا خير في خل يخون خليله ويلقاه من بعد المودة بالجفاء وينكر عِشاً قد تقادم عهده ويظهر سراً كان بالأمس قد خفا سلام على الدنيا اذا لم يكن بها صديق صدوق صادق الوعد منصفا وقال: صن النفس واحملها على ما يزينها تعش سالماً والقول فيك جميل ولا خير في ود امرىء متلون اذا الريح مالت حيث تميل وما أكثر الأخوان حيث تعدهم ولكنهم في النائبات قليل نواصل