كان هذا السودان منذ العهد الإستعماري وحتى أوائل الحقبة المايوية في ستينيات القرن الماضي يحكم إدارياً بنظام الحكم المركزي الذي وضعه الإنجليزي «مارشال»، حيث مورس العمل به في بريطانيا وعمل به أيضاً في هذا السودان كمستعمرة انجليزية، ومورس تطبيقه به على الحكم المركزي الذي تتكون إداراته من مديري المديريات ثم المراكز، فالبلديات والإدارة الأهلية الممثلة في العمد والمشايخ ومجالس المدن والريف والقرى، استمر هذا النظام الى أن جاء قانون الحكم اللا مركزي الذي وضعه المرحوم جعفر محمد علي بخيت ومن معه خلال حقبة مايو 9691م واستمرت الى ابريل 5891م على نظام المعتمدين والضباط الإداريين الحالي، لقد كان نظام الحكم المركزي الذي يمثله المديريون والمعتمدون ومفتشو المراكز وضباط البلديات هو النظام الإداري الذي يسير كل أمور البلاد وفي مقدمة ذلك كانت تقع المسؤولية الكبرى على عاتق أولئك الضباط الذين كانوا يمثلون في هذه الخرطوم ثلاثة بلديات يديرها ثلاثة ضباط هم السادة مامون الأمين لبلدية الخرطوم وفتح الرحمن البشير لأم درمان ونصر الدين السيد لبحري، إضافة الى مجلس ريفي قائماً بالخرطوم بحري للإشراف على شؤون الريف، وكان أولئك الضباط الثلاثة ومساعديهم يشرفون على كل ما يهم الناس بعامة دوائرهم من خدمات واجبة لهم في جميع المجالات الحياتية الإجتماعية من إعاشية وصحية وتعليمية وغيرها من مستحقات لهم وهكذا كانت الأمور تسير من حسن الى أحسن في كل تلك المجالات إضافة الى الإنتاجية الماثلة من زراعية وصناعية وتجارية كما لا ننسى الجوانب التنظيمية العمرانية والبيئية من نظافة ومراقبة للأسواق وكل المرافق الصحية، وبرغم ذلك كانت الصحف تنتقدهم في أقل قليل من الهفوات والتقصير غير المقصود إذا ما حدث منهم ومن بين هذا وذاك كنت أنا الطالب المدرس والصحافي أيضاً أكتب في بعض الأحيان ناقداً بعض مسارات أو هفوات تلك البلديات بالرغم من أنني لازلت متدرباً صحفياً حيث أنني بدأت أول كتاباتي في عام 8591م، ولهذا كان قد إلتقاني السيد مامون الأمين ضابط بلدية الخرطوم مصادفة في بنك الأسكندرية بالقاهرة في اوائل ستينيات القرن الماضي حيث كنت ذهبت الى مصر في رحلة أو بعثة طلابية نظمتها لنا وقتها البعثة التعليمية المصرية بالسودان وقتها النقابي مامون في ذلك الموقع وعاجلني بأول سؤال «هل شفت القاهرة قلت نعم في قلبها » ثم أردف تاني ستواجهونا بقولكم إن الخرطوم متسخة.. قلت إن لم يكن الحال من بعضه فإننا عائدون.. هذا ولنعود الى ما نحن بصدده من مقارنات بين انظمة الحكم المركزي والمحلي اللا مركزي وأكيد أننا وبالرغم مما في المركزي من ضوابط إدارية نافذة سوف نحبذ هذا اللا مركزي لما فيه من فوائد واردة في قصر الظل الإداري الذي سيمكن من الإشراف المباشر عن قرب لكل ولاية ومدينة وريف وقرى لمثول الخدمات للناس إلا أن ذلك لا يمنع في ذات الوقت من الإعتراف لإداريي ذلك الحكم من هيبة مفعلة في إدارته المتمثلة في مديريه ومعتمديه ومفتشيه وضباط بلدياته القائمة بالإشراف على الخدمات الجماهيرية المستحقة لهم في جميع المجالات الحياتية كما أسلفت إضافة للمهام الكبيرة والعديدة التي كانت تقوم بإدارتها الإدارات الأهلية ومجالس المدن والأرياف والقرى أيضاً كما ذكرت وأيضاً عودة للبلدية وضباطها فإن ضابط البلدية كان يمثل قلب السلطات الإدارية لما بعد مدير المديرية أو المعتمد مباشرة، فهو الدينمو المحرك لكل ما يتعلق بمسارات الحكم الإداري وشؤون الناس لكل ما يتعلق بمسارات الحكم الإداري وشؤون الناس الإجتماعية والأمنية، وبمناسبة الأمنية هذه فإن هناك المأمور والقومندان، وضباط الشرطة هم أيضاً يمثلون الإدارة الأساسية لتفعيل الأمن والسلامة للمواطنين وممتلكاتهم في مديريتهم أو معتمديتهم أو مركزهم بكل ظلال الهيبة والمقدرة الفائقة وبالطبع أننا لا نعني تقليلاً من الإدارات الحالية فقط أن هذه مجرد ذكريات قد يستفيد منها الجيل الحالي والمستقبلي وأيضاً من الذكريات الجميلة لابد لي من ذكر بعض ما عرفت من إداريين ولتعريف غيري وهم المديرين السادة رحمة الله عليهم داؤود عبد اللطيف وعبدالرحمن بتيك ومن المعتمدين السيد مهدي مصطفى الهادي، وذلك إضافة للضباط الثلاثة.