إن ما أحدثته العولمة من تقدم تقني وتقارب وتداخل ثقافي بفضل ثورة الاتصالات والمعلومات مما جعل العالم كله متصلاً وكأنه قرية صغيرة وأحدث ذلك صراعاً ونزاعاً للحضارات كل هذا يدعو البشرية بمختلف ثقافاتها وتباين اتجاهاتها للعمل سوياً لإيجاد أسلوب للتعايش والتفاهم حتى يستطيعوا أن يدرءوا خطر النزاعات ويحققوا الأمن والاستقرار وينعموا بالسلام، ويتبادلون المنافع بينهم في جو من السلم والاحترام، ولا يكون ذلك إلا بالحوار. والحوار يمعنى معرفة الآخر والإطلاع على أحواله وسلبياته وإيجابياته على كل أحواله الخاصة والعامة. والحوار يعني البحث عن القواسم المشتركة للتحرك من خلالها، والحوار يعني السعي لإيجاد صيغة للتعايش السلمي مع ما للشعوب من صور التباين والاختلاف. والحوار يعني التحاكم لقواعد منطقية تحكم اختلافاتنا أياً كانت ثقافية أو نزاعات مصلحيه نسعى من خلال الحوار لدراستها وتحليلها للوصول لنقاط التقاء حتى نستطيع درء أي نزاع محتمل. جاءت هذه التعاريف فى ورقة (دور الحوار في درء النزاع من منظور إسلامي) للدكتور عبد الوهاب عثمان محمد جامعة أم درمان الإسلامية التي قدمها فى مؤتمر النزاعات من المنظور الاسلامى الذي نظمته جامعة امدرمان الإسلامية بالتعاون مع وزارة التوجية والتنمية الاجتماعية بولاية الخرطوم وجامعة الجزيرة بقاعة الصداقة بالخرطوم فى نهاية يونيو الماضي تحت شعار (فأن تنازعتم فى شئ فردوه إلى الله والرسول ). وأشار الدكتور في ورقته التى قدمها إلى أن العالم الإسلامي - في ظل ثورة العولمة - في أشد الحاجة للحوار كأسلوب واحد للتواصل مع دول العالم كافة تحقيقاً للتعايش وتبادل المنافع والاحترام المتبادل مع ضرورة المحافظة على خصوصية ثقافته التي لايحميها إلا الحوار البناء المؤسس على المرجعيات القوية. فإن الخصوصية الثقافية إذا لم تؤسس وتبنى على أسس متينة فإن اندفاع الثقافات الغربية سوف يجرفها ويجعلها عرضة للاندثار. وأبانت الورقة أن ثقافة الحوار وحدها هي القادرة على درء آفة النزاعات التي بدأت تستشرى بواسطة آليات عولمة الاتصالات حتى بين الأسر. وهذه الآفة أي النزاعات تسعى لتدمير الدول وإشعال الحروب وتدمير الحضارات. وطالبت ورقة عبدالوهاب بالسعي لجعل ثقافة الحوار أساس لعلاقاتنا كافة في البيت والأسرة والمدرسة والجامعة، والمسجد والنادي، والسوق، والقبيلة، والجماعات المختلفة والترويج لها في كل وسائل إعلامنا وفي العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وفي كل مؤسساتنا الرسمية والشعبية. وقالت الورقة إذا استطعنا إقامة علاقاتنا ومعاملاتنا كافة على أساس الحوار الهادف البناء سوف نحصر إن شاء الله كافة مظاهر النزاعات والصراعات فيما بيننا. واختلاف وجهات النظر يفتح المجال للحوار لا النزاع. وذكرت الورقة أن ثقافة الحوار وحدها تؤهلنا للتواصل البناء مع كل العالم وهي التي تبسط السلام والأمن والأمان في مجتمعاتنا وتدرء النزاعات وحضارتنا الإسلامية تدعونا لذلك. والإسلام دعا إلى التناصح بين الناس حتى ينصلح أمر المجتمع فلا يتفشى فيه السلوك الخاطي من كبيراً أو صغير ( وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون)َ {آل عمران/104} والدعوة للخير تحمل معنى الحوار. ونبهت الورقة إلى أن القرآن الكريم قد أرسى ثقافة الحوار بين المسلمين فعرض عقائد الإسلام بطريقة حوارية وجادل خصومه بأسلوب الحوار، وأمر المسلمين استخدام الحوار في أمرهم كله سياسياً كان أو اقتصادياً أو اجتماعياً، بل في القرآن الكريم سورة سميت باسم الشورى وهي تعبير صادق عن الحوار. ويدعوا الإسلام أن تقوم العلاقة بين أفراد الأمة على أساس الحوار. كما يثمن الإسلام الدعوة إلى السلام ويدعوا المسلمين إلى أن يجنحوا إليه في حالة النزاع ويشير إلى أن الحرب والقتال من خطوات الشيطان حيث يقول القرآن الكريم ( وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) {الأنفال/61} ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ) {البقرة/208} . ويدعو الإسلام إلى عدم التخاصم لانه بداية النزاع فالحديث النبوي الشريف (لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة ليال يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام) والحديث يشير إشارة واضحة لأهمية الحوار بين الأطراف حتى لا يتطور الخصام إلى نزاع. وقالت الورقة إن المنظمة الدولية (الأممالمتحدة) الآن تتبنى في سياستها الدبلوماسية الوقائية حيث تسعى من خلالها لصنع وحفظ وبناء السلام. فالدبلوماسية الوقائية مفادها العمل الرامي إلى منع نشوب نزاعات بين الأطراف ووقف تصاعد النزاعات القائمة وهذا كله يأتى من خلال الحوار فالدبلوماسية الوقائية كلها مبنية على أدب الحوار. واحتواء النزاع قبل وقوعه. فعملية فض النزاع من خلال الحوار يحتاج إلى شخصية قوية واضحة الرؤية والهدف تتبع اسلوباً حكيماً في توضيح موقفها الذي يستند على الصراحة والاحترام للطرف الآخر وعدم مجاراته في الإساءة والاستفزاز يقول الله تعالى: ( وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) {فصلت/34} . وأوضح دكتور عبدالوهاب خلال الورقة أن أهم وسيلة للحوار في فض النزاعات أن يكون عن طريق التفاوض، والتفاوض له أصول ومهارات يمكن حصرها في الآتي: 1/ أن يكون الحوار بالحكمة واللين وتجنب الاستفزاز والإساءة. والقرآن الكريم يقول: ( ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) {النحل/125} وخاطب القرآن سيدنا موسى وهارون (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى) * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى {طه43/44} وأوصت الورقة بأن الأسلوب الأمثل للوقاية من النزاعات خاصة بعد التداخل الثقافي بين الحضارات بفضل العولمة وثورة الاتصالات هو إحياء ثقافة الحوار وعلى المسلمين وهم أهل هذا الأدب الرفيع الذي أطره القرآن الكريم أن يسعوا لنشر هذا الأدب والثقافة حتى يعم الأمن والسلام. 2/ وطالبت بضرورة الاهتمام بأدب وثقافة الحوار ودراسته ومعرفة فنونه وتنمية مقدرات القيادات الإدارية الإسلامية في هذا المجال. لأن ثقافة الحوار وحدها هي التي تؤهلنا للتواصل البناء مع كل العالم وحماية الثقافة الإسلامية من الغزو. 3/ونادت القائمين على الأمر بالدول الإسلامية أن يعرفوا أن النزاعات لا تحدث من فراغ وهي نتيجة خلافات متنوعة تبدأ بالأزمة وعليه لابد ان تكون هناك حوارات بين كافة فصائل المجتمع مع المعرفة العلمية الدقيقة لأسباب الأزمة وكيف تتطور إلى نزاع مسلح يقضي على وحدة المجتمع وأمنه وسلامته. 4/ وأوصت الورقة بضرورة دراسة الخلافات بين فصائل المجتمع لمعرفة أسبابها وتصنيفها حسب تصنيف مناهج النزاعات أو التصنيف الخاص بإبعاد النزاعات الداخلية و الخارجية العمل على حلها حتى لا تتطور إلى نزاع . 5/ ودعت الحكومات إلى التنبه والسعي لطرح الحلول التي وردت في القرآن وما جاء في السنة النبوية لان مجتمعات الدول النامية تعاني من التخلف وقلة التنمية واتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء. 6/ وطالبت الورقة بضرورة طرح الشورى بين أفراد المجتمع كافة درءاً للخلافات والأزمات التي قد تتطور إلى نزاعات.