هل هدّد أنشيلوتي البرازيل رفضاً لتسريبات "محرجة" لريال مدريد؟    "من الجنسيتين البنجلاديشية والسودانية" .. القبض على (5) مقيمين في خميس مشيط لارتكابهم عمليات نصب واحتيال – صورة    دبابيس ودالشريف    "نسبة التدمير والخراب 80%".. لجنة معاينة مباني وزارة الخارجية تكمل أعمالها وترفع تقريرها    التراخي والتماهي مع الخونة والعملاء شجّع عدداً منهم للعبور الآمن حتي عمق غرب ولاية كردفان وشاركوا في استباحة مدينة النهود    وزير التربية ب(النيل الأبيض) يقدم التهنئة لأسرة مدرسة الجديدة بنات وإحراز الطالبة فاطمة نور الدائم 96% ضمن أوائل الشهادة السودانية    النهود…شنب نمر    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (ألف ليلة و....)    "المركز الثالث".. دي بروين ينجو بمانشستر سيتي من كمين وولفرهامبتون    منتخب الضعين شمال يودع بطولة الصداقة للمحليات    ندوة الشيوعي    الإعيسر: قادة المليشيا المتمردة ومنتسبوها والدول التي دعمتها سينالون أشد العقاب    د. عبد اللطيف البوني يكتب: لا هذا ولا ذاك    الرئاسة السورية: القصف الإسرائيلي قرب القصر الرئاسي تصعيد خطير    عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    المرة الثالثة.. نصف النهائي الآسيوي يعاند النصر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجزيرة ما أشبه الليلة بالبارحة (5)
بابكر سانتو عازف الكفر والوتر..وهذا الرجل المدهش كان يجمع الزكاة ويحمل «الكراس» في المقابر
نشر في الوطن يوم 02 - 09 - 2013

نقدم في هذه الحلقة علمين من أعلام السودان، خلف الرشيد عالم القانون المعروف، تقلد مناصباً بدءاً من النائب العام إلى قاضي، إلى رئاسة القضاء عرف عنه يحفظ كتاب الله الكريم ويجيد العربية والإنجليزية بطريقة مدهشة قبل في جامعة لندن بشهادة حنتوب الثانوية كما أنه انضم للإخوان المسلمين في بداية الخمسينات ولكن سرعان ما انفصل عنهم وعشق مهنة القانون متأثراً بأحمد خير وأبو رنات.
أما الشخصية الثانية فهو بابكر سانتو أيقونة الكرة السودانية نستعرض فيه حقائق لا يعرف الإنسان العادي كعازف عود ماهر ومغني لحسن عطية ورمضان حسن، لم يحدث أن شيعت مدني في تاريخها شخصاً كتشييعهم لبابكر سانتو سألت السد العالي سليمان فارس بمنزل الأهلاوي القح «فتاح» الدحيش أن يذكر لي أحد عشرة لاعبين في السودان، فقال رقم واحد بابكر 2 سانتو 3/ سانتو 4/ سانتو 5/ سانتو6 سانتو إلى عشرة سانتو.
٭ عبد العال حميدة
تعودنا ونحن صغاراً أن نذهب إلى مقابر مدني لمواراة الثرى لأحد أهل الحي، وكان يلفت نظري أن شخص مديد القامة، عالي الرأس في يده كراس وقلم يسجل ويجمع الفلوس للمرة الأولى.. لم أعر الأمر إهتماماً ولما تكررت الظاهرة أكثر من مرة سألت عن هوية هذا الرجل وماذا يكتب وما سر هذه الفلوس التي يجمعها قالوا إنه يجمع فلوس لأهل الميت وقت (الحارة) نفسها حتى يقابل بها أهل الفقيد متطلبات العزاء التي كانت تستمر ثلاثة أياماً للرجال وأربعين يوماً للنساء قالوا اسمه «عم عبد العال» وهو تاجر جلود بسوق مدني وخزنت المعلومة في اللا وعي كما يقول أهل علم الإجتماع.
ومرت الأيام والسنون، وعند ذهابي إلى السوق الكبير بمدني لوالدي وكنت معظم الأوقات أجد عم عبد العال مع والدي بمتجره، ويقال لي إن شيخ العرب مع عبد العال بمتجره، وكنت أكره أن أذهب إلى هناك، لأن رائحة الجلود كانت لا تطاق، والغريب أن تجار الجلود كانوا هناك يأكلون ويشربون ويقهقهون كان هناك الأمين الكتيابي صديق إبراهيم، الرشيد مسعود، محمد أحمد العطايا، علي عباس، عبدالرحمن الشيخ، وأعتذر إن لم أذكر بعض الأسماء فقد هرمنا، وأن أسجل من الذاكرة.. لفت نظري رغم قذارة المكان ونتانة الرائحة التي تنبعث من الجلود إلا أن هؤلاء التجار كانوا طويلي القامة وذوي أوجه صبوحة أو قل وسيمة تشعر بالنعمة في مظهرهم ومأكلهم ومقابلتهم لضيوفهم، كيف لا يكونوا كذلك، فإن هذه التجارة المجهولة أو المهملة تصدر منها في الخارج 05 أو 06% من الناتج القومي ويا ليت هذه التجارة تم تطويرها وتحديثها بالطرق العلمية الحديثة فرجال ذلك الزمان كانوا يعملون بها بالخبرة والشطارة وحققوا إنتاجات عالية وأدخلوا للسودان عملات صعبة أحدثت طفرة إنمائية بمديرية النيل الأزرق وقتذاك ودارت الأيام أيضاً وعرفت أبناء عبدالعال عن قُرب، فزوجته الصالحة الحاجة «التومة» وأنجب من الذُرية صديق عبد المنعم عمر ولم يرزقه الله بنتاً وكانت هذه أُمنيته وأُمنية أولاده الثلاث، ولكن أراد الله ذلك ولا إعتراض على الخالق الباري، كان عبد العال حميدة الذي ولد في ثلاثينيات القرن الماضي بحي المدينة وأنتقل في أربعينيات القرن الماضي الى حي الدباغة العريق وهو حي ظلمه أهله دون أن يدروا.. هذا الحي مسكون بالجمال والإبداع، هناك كان في موردة الخطب علي دنقلا وكرار النور والد بابكر ابراهيم مصطفى محمد أحمد، ومن الفنانين أبو عركي البخيت وثنائي الدباغة الخير رمضان ومحجوب عثمان وبه أكبر ناديين في ذلك الزمان نادي الشقلة ونادي الموردة.. والشيخ الجيلي ود صلاح الذي بنى مجموعة مدارس «فريين»، وفيه ود كنان الجد الروحي لأهل الكريبة الشيخ عبد العال حميدة الاسم مشتق بأن عبد للعالي وهو الله وبالتالي جاء الاسم مشتق بالبركة والإيمان والإحسان فساهم مع كثيرين في وضع اللبنتين الأولى لنادي الشقلة والمدينة وساهم في الرقي بهذه الأندية، فتخرج فيها الهداف المرعب الباقر عبد الرازق، واللاعب الحريف أحمد حامد، واللاعب الاسطورة عوض السيد، وشقرور، وأولاد نصر علي نصر واللاعب الصنديد الفاتح رنجو، والحي يضم الشيوعيين والأنصار والإتحاديين.. ألم أقل لكم بأن أهل الدباغة قد ظلموا هذا الحي الذي يوازي في إبداعاته حي ود الأزرق العريق.. أعيدوا لهذا الحي سيرته الأولى وأنفضوا عنه الغبار لينجب أهل الفن والرياضة والدين والسماحة.
ولعل من نافلة القول أن تقول إن عبد العال حميدة كان جواداً وكريماً وسمحاً وخلال عقد، كان له وزنه الإجتماعي في مدينة مدني ولا أبالغ أن قلت إنه كان شيخ تجار الجلود، كما حدثني رفض أن نذكر اسمه بأن زكاة الفطر كان يجمعها للفقراء والمساكين وعابري السبيل..
ياحاجة التومة متعك الله بالعافية والصحة ويكفيك فخراً نخلات ثلاث يملأون الأرض ورعاً ونبتاً يا حاج عبد العال حميدة ود الحرم أحمد العجب اتوسد الباردة.
٭ خلف الله الرشيد
تربى وترعرع في ود مدني ودرس الإبتدائية في مدرسة النيل وغير اسمها الى المدرسة الأولية عندما تم بناء الأخيرة ودرس المرحلة المتوسطة بالأهلية ثم انتقل الى مدرسة حنتوب الجميلة ودرس القانون في جامعة الخرطوم وهو أول سوداني يقتحم جامعة كامبردج في بريطانيا في كلية القانون وللدهشة فقد تم قبوله بكامبردج بشهادة حنتوب التي تعادل الشهادة السودانية الآن وتخرج فيها بإمتياز وكان يحلو للخواجات في كامبردج أن يستمعون اليه وهو يتحدث اللغة الإنجليزية بطلاقة وطراوة وحلاوة محببات الى النفس ، يتمتع بها الخواجات وتصرعهم الدهشة لهذا السوداني الذي تفوق في لغتهم هذه والتي بعبقريته الفذة التي اقنعت أساتذة جامعة كامبردج كان هو السبب في أن يتم إرسال أساتذة كلية القانون بجامعة الخرطوم إلى هذه الجامعة حينما كان عميدها البروفيسور محمد ابراهيم خليل..
أما عالمياً فقد شارك في العديد من المنظمات التي تهتم بالقانون وكانت له «كاريزما » عالية وذرب اللسان، ومع هذا فقد كان متواضع تواضعاً جماً ومعلوم أنه يحفظ كتاب الله وكان يتلوه في الجمعيات الأدبية والداخليات بصوت عذب جميل، ومن الطرائف فإنه قد حكى برفقة مولانا القانوني الضليع محمد أبو زيد أحمد الذي هيأ لي اللقاء بهذا العالم القانوني النحرير وذلك قبل شهر من وفاته، وأجرينا معه حواراً دام أكثر من ساعتين، كان ينتمي إلى حزب الأخوان المسلمين وهو في جامعة الخرطوم وتم لقاء قيادات الأخوان المسلمين في منزل علي الطيب بأم درمان حيث إستضافهم الأستاذ أحمد عبد الحميد الموظف السابق بمشروع الجزيرة وكان قيادياً في تنظيم الأخوان المسلمين، اللقاء كان يضم الأخوان المسلمين على رأسهم المرحوم الرشيد الطاهر بابكر كرار ميرغني النصري محمد يوسف محمد وتم في هذا اللقاء العاصف مفاصلة بينهم أدت الى إنقسام الإسلاميين الأول بقيادة بابكر كرار والثاني بقيادة الصادق عبدالله عبد الماجد وهذا هو الإنقسام الأول في تاريخ الحركة الإسلامية، وذلك في منتصف الخمسينيات، وذهب مولانا العلامة خلف الله الرشيد الى القول بأنه قد إنسلخ من التنظيميين وأصبح محايداً.. ومولانا خلف الله يرحمه الله بالإضافة الى ذكائه الفطري فإن هذا الذكاء قد تم صقله عن طريقة صهره الأُستاذ أحمد خير المحامي وبإحتكاكه بأبي القوانين في السودان مولانا محمد أحمد أبو رنات أول رئيس قضاء سوداني، كما تلقى الكثير من ضروب العلم والمعرفة عن طريق علماء أجلاء متخصصين في مجالات متفرغة من علوم المعرفة.. ولا يفوتني أن أذكر أخيراً أن مولانا خلف الله بدأ حياته العملية قاضياً في الأبيض ثم محامياً في ود مدني ثم قاضياً مرة أُخرى بعد أن أقنعه الأُستاذ أحمد خير المحامي وقاضي المحكمة العليا بمديرية النيل الأزرق آنذاك مولانا عبدالرحمن النور بأن السودان يحتاج في ظروف فترة ما قبل إستقلال السودان «4591 6591م» الى كوادر مؤهلة لإدارة مرفق القضاء فأستجاب الى هذه الدعوة مستغنياً عن ما كانت تدر له المحاماة من مال كثير مقارنة بالعمل الحكومي وبعدها انتقل الى وزارة العدل ديوان الحاكم العام في منصب المحامي العام الذي انتقل منه الى القضائية رئيساً للقضاء سنة 2791م، وقد انتقل إلى جوار ربه في مايو «يونيو» في 2102م في مصر ووري جثمانه الطاهر بالخرطوم جعل الله الجنة مثواه ومنقلبه مع النبيين والصديقين والصالحين والشهداء وحسن أولئك رفيقاً.
يا لك يا مدني يا مدينة العلم والأدب والجمال والفن والمحبة من مدينة.
وشكراً لأُستاذنا وأستاذ الأجيال القانوني الفذ بين اقرانه مولانا محمد أبو زيد أحمد الذي زودني ورواني بمعظم ما سطره قلمي هذا من معلومات ثرة معبرة.. ولك المحبة والتقدير والإمتنان يا مولانا محمد أبو زيد أحمد.
٭ أمين أحمد حسين:
نشأ بالقسم الأول بمدني وكان جاراً لأُسرة خانجي المعروفة بمدني تلقى مراحل تعليمه بمدني ثم حنتوب الجميلة والتحق بكلية البوليس وتم إختياره كأول مدير سوداني لمديرية النيل الأزرق لقوة شخصيته وكفاءته وتلك الكاريزما التي يمتاز بها كان مخلصاً ومنضبطاً في عمله وكان يضرب به الأمثال في الإنضباط، فهو أول الحاضرين وآخر المغادرين كل هذا جعل الجنود وصف الضباط أن يكنوا له كل الحب والوفاء والتقدير والإخلاص لم تقف مجهوداته في مجال عمله بل كان ذو فكر متقدم فقام بإنشاء سكن للجنود والضباط ويرجع له الفضل في تأسيس حي الإشلاق جنوب مدينة مدني كسكن للجنود وقد تخرج من هذا الحي العريق المرحوم السر و الد السياسي المشهور «حاتم السر» والقانوني الكبير «عمر سكبجو» واللواء عبد الرحمن حسن «حطبة» وفوق هذا وذاك ساهم في إنشاء فرقة بوليس النيل الأزرق بقيادة المايسترو «كودي» التي كانت تجوب أحياء مدينة مدني وتسمى «زفة» المولد بمارشات عسكرية منضبطة وموسيقى ساحرة حيث يقف أهل الأحياء في جانبي الطرق يصفقون للعرض الباهي الذي يقدمه بوليس النيل الأزرق، ونحن صغار نقول فرقة عم كودي.. إن كان السكن فقد خفف من أعباء المعيشة للجنود وصف الضباط ومن إنجازاته الكبيرة إنشاء الجمعيات التعاونية التي توفر السكر والشاي والأُرز والشعيرية والسُكسُكانية ومواد أُخرى كثيرة وعندما غادر مدني بكى الجنود و الضُباط على فراق الضابط العظيم ولكن قال لهم إن بديلي «لويس سدرة» فهو ضابط عظيم سوف يكون أداؤه أحسن مني.. ولكن الجنود لم يصدقوا ما قاله ضابطهم العظيم وجاء «لويس سدرة» وتقلد المنصب الكبير في محل رجل كبير فحقق نجاحات باهرة فقد امتاز «سدرة» بحدة الذكاء والقيادة الملهمة فقد صادف أن قام لصوص بقيادة عباس بنك بكسر بنك باركليز بمدني وسط دهشة السودانيين وكان هذا أول إمتحان «لسدرة» فأطلق عيونه في المدينة وأرسل له صديقه مدير عام الشرطة «أمين أحمد حسين» بعض المساعدين وكانت خُطة العصابة جهنمية فقاموا بإفتعال مشاجرة بأحد بارات مدني «وحطموه» فأدخلوا في الأساس «الحراسة» وبينما الشرطة والمباحث تبحث عنهم كانوا هم داخل السجن فتمت محاكمتهم بالغرامة ولكن واحد من أقرباء العصابة في «مارنجان» حيث كانت الأموال معهم أوشى بهم وتم قبضهم وكانت قضية العصر في ذلك الزمان وهل تتصور أن السرقة التي قامت الدنيا ولم تقعدها كان مبلغ «33» ألف جنيه سوداني أيام كان الجنيه السوداني له عزته وكرامته. نعود الى السيد أمين أحمد حسين فقد وضع قواعد «RULES» ما زالت يقتدى بها في المجال البوليسي فالرجل قد ترك آثاراً واضحة المعالم في تاريخ الشرطة السودانية وليت وزير الداخلية يقوم بتكريم هذا الضابط العظيم له المغفرة والرحمة.
بابكر سانتو:
اسمه بالكامل (بابكر عثمان عبدالفضيل) ولد بمدني بحي العشير 6491م، أبوه عامل بسيط وأمه (عشة) عرفت بالكرم والشجاعة، أخوه الأكبر عبدالله والأصغر الفاضل، سميت العائلة بالسانتو أخوان، والاسم مأخوذ من موظف بمشروع الجزيرة اسمه (سانتو بونية) وهو شامي الجنسية على ما أظن، وأظنه شامي أو أرمني والله أعلم.. كان لاعباً مهاجماً في النادي الأهلي مدني (سيد الاتيام) حينما كان شعاره الفانلة الحمراء والبيضاء قبل أن يتحول الشعار الى البيضاء والسوداء التي هي الشعار الحالي لسيد الاتيام، وكان (سانتو بونية) قوي الجسم متماسك يتحرك من رئاسة مشروع الجزيرة حين ما كانت تحمل اسم (الشركة الزراعية) الى ما قبل عام 0591، وكان يأتي الى دار الرياضة حين كان موقعها شمال سجن واد مدني القديمة، وحل محلها سوق الاكشاك الحالي، وكان يأتي جارياً (جكة) الى الميدان حتى واد مدني. ودرس في مدرسة أبوزيد الأولية المقابلة للسكة حديد وكان يتنبأ له معلمه الأهلاوي الأصيل، مربي الأجيال الأستاذ محمد الجاك السناري بأنه سيكون درة الدرر وعملاق العمالقة في كرة القدم، ليس على مستوى مدني والسودان وحسب بل على المستوى العالمي، وبمناسبة ذكر المربي الجليل (محمد الجاك السناري) فإنه لحبه الشديد لسيد الأتيام قد توفي في دار الرياضة بمدني حينما كان الأهلي يخوض مباراة مثيرة ضد أحد الفرق المعروفة فأغمي عليه وحمل الى مستشفى مدني سريعاً ففتح عينيه وسأل عن نتيجة المباراة، فقال له أحد مرافقيه بالمستشفى لقد فاز الأهلي (2) صفر فابتسم السناري واسلم روحه لبارئها راضية مرضية.
دعنا نعود الى بابكر سانتو فقد عشنا طفولتنا في حي ودالازرق نلعب ونلهو نبني فتهدمها الرياح ولا نضج ولا نثور -كنا صبية أنا، والطيب، وصلاح الهادي، وعبدالرحمن أحمد الفكي (سوسو) محمد سيف عامر، أولاد تمام (عبدالماجد - عبدالوهاب) قاسم بلة الدابي الملقب بسنطة، صباحنا ومساؤنا نلعب كرة القدم في حي ودالازرق نبيع الزجاج الى التاجر المعروف آنذاك (عزت أبوالعلا) وعصراً الى نادي الجزيرة، حيث نلتقط كرات التنس مقابل دريهمات بقصد أصلابنا، وكبرنا وكبرت أحلامنا معنا.. بابكر سانتو أختطفه النادي الأهلي عن طريق صديقه شيخ الصياغ محمد الحاج (ودالحاج) وترك تسجيله بالنادي الأهلي مرارة عند أخيه الأكبر (عبده سانتو) وبالتالي سارع بتسجيل أخيه الأصغر الفاضل سانتو وهو لم يتجاوز ال( 81) عاماً، وتعتبر ظاهرة فريدة، إذ لعب الفاضل سانتو من ود أزرق الى نادي الاتحاد العظيم، والظاهرة الأخرى لاعب نيل مدني اذا قام بتسجيله الاستاذ الكبير (الزبير تميم الدار) في مدرسة مدني الأهلية الأوسطى ثم تسجيله بنادي النيل، وعندما شاور صالح عبدالله والده الرجل التقي عبدالله عبدالرازق، قال له أذهب وألعب في النيل، لأن رئيس النادي بلة شدو.. والد القانوني الفذ عبدالعزيز شدو، قام بإدخال المياه الى مقابر مدني 3591م.
ونعود مرة أخرى الى أيقونة الكرة السودانية، بابكر سانتو وما حققه سيد الأتيام، لم يحققه غير اللاعب المعجزة (عمر محمد أحمد) الملقب بلقبين (أبوعلوية) وبنك مصر، وقال عنه الخبير الكروي المعروف د. كمال شداد بأن الكرة السودانية في تاريخها لم تنجب مثل بادي وسرعان ما بزغ بابكر سانتو وطبق الآفاق ذهب الى الهلال العاصمي، ولكن سرعان ما عاد عندما تذكر الأهل والأحباب والأصدقاء، ومن منجزاته هو ورفقائه نذكر منهم (التاج محمد الحسن - الرشيد حسين - الباقر - أحمد حامد) وصلوا الى الادوار النهائية أكثر من مرة.
كان عندما يعود الينا يتحدث بلغة المثقفين يحدثنا عن هزيمة 7691م والعقاد والمساح وحسن عطية - والكاشف - وهذا ما اكتسبه لجلوسه مع كبار المثقفين والأساتذة بالنادي الأهلي.. كما أن هناك ميزة فيه لا يعرفها إلاّ القليلون من أصدقائه أنه كان عازفاً على آلة العود وكان يغني (لحسن عطية) ورمضان حسن - وكان ذو صوت رخيم يغني للخاصة - كما لفت نظري الى الفنان الكبير عثمان الشفيع: وقال إن الصيت الذي كسبه عثمان الشفيع أن رصيده كله (8) أغنيات وبعدها لفت نظري الى الشفيع بعدها هاجر الى المملكة العربية السعودية، ودرب فريف الطائي بالمنطقة الشمالية بالسعودية مساعدين له محي الدين ديم الصغير نجم الهلال العاصمي، وسلامة الديب، واكتشف موهبة لاعب الهلال السابق (الدعيع) وصالح (الصقري) لاعب اتحاد جدة المشهور، إضافة الى أنه قام بتدريب نادي البنك الأهلي بمساعدة اللاعب الذي لم تنجبه ملاعب السودان (سيد مصطفى) وعاد الى السودان واقترن بالضابطة الادارية نجوى بلال والدها نقابي من الدرجة الأولى استمعت اليه في جدة وتناقشنا عن الحركة النقابية وروادها الشفيع أحمد الشيخ - ومحمد السيد سلام ومحجوب الزبير - التاج عبدالرحمن - قاسم أمين، وبدأ يدير أعماله بمدني ويحضر أحياناً الى أصدقائه بالخرطوم.. وذات صباح حزين وهو متجه الى مزرعته مرّ على صديق عمره ود الحاج وتناول معه وجبة الافطار وهناك بالمزرعة جاءته نوبة قلبية مفاجأة وحُمل الى مستشفى مدني، فتجمعت القبيلة الرياضية هناك، ولكن الموت كان الغالب وتمّ تشييعه الى مقابر مدني في موكب حزين لم تشهده مدني من قبل إلاّ في وفاة أحمد شيخ العرب، وكانت هناك ظاهرة ملفتة للنظر قبل موارة جثمانة الثرى، فكان أهل مدني يعزون بعضهم البعض يتباكون وصراخ وعويل كادت أن تغطي الدموع ثرى مقابر مدني.. مشهد إنساني لم يتكرر في تاريخ مدني ولا أعتقد أنه سوف يتكرر ليس لأن لبابكر أهل أو عشيرة، بل لأن الجميع يعتبرون الفقد فقدهم، وأن بابكر ابن مدني وليس ابن عثمان عبدالفضل .. يارب يا كريم باسمك الاعظم أدخل بابكر عثمان عبد الفضيل الجنان العلى مع الصديقين والشهداء وأنزل على قبره شآبيب رحمتك.
يا بابكر يا ود عشة أتوسد الباردة..
(إنا لله وإنا اليه راجعون)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.