طرح الدكتور الفاتح عز الدين المنصور رئيس المجلس الوطني في العشرية الأولى من شهر يناير الجاري مبادرة أطلق عليها «تصحيح المسار» في عمل الهيئة التشريعية القومية وذلك بإعطاء المجلس الوطني ومجلس الولايات صلاحيات أوسع في ملاحقة وإستدعاء الوزراء وأي مسئول بالدولة ولتفعيل العملية الرقابية للجهاز التنفيذي بدلاً عن الطريقة القديمة التي وصفها برلمانيون وفقاً لصحيفة السوداني الغراء الصادرة بتاريخ 9 يناير 2014م بالنمطية والمملة والاعتباطية والعبثية والمقعدة لعمل البرلمان. وبالطبع فإن هذه المبادرة تتسق مع الحراك الاصلاحي والتغييري الذي قادته قيادة الدولة وحزب المؤتمر الوطني علي صعيد الجهاز التشريعي والجهاز التنفيذي والجهاز السياسي. والسؤال الذي يطرح نفسه هو : ما هي الألية التي سيتم بها إنفاذ مبادرة تصحيح المسار؟ وقبل الإجابة علي هذا السؤال لابد من التقرير بأن دستور السودان الإنتقالي لسنة 2005م في الباب الرابع منه قد وضع المحددات العامة للسلطة التشريعية في البلاد وقد أشار الي علاقتها مع السلطة التنفيذية حيث جاءت تلك الإشارة مترافقة مع المبادئ الدستورية الراسخة في العالم وذلك من خلال التأكيد علي مبدأ الفصل بين السلطات. وفي تقديري أن للسلطة التشريعية مجموعة وظائف لو قامت بها علي الوجه الاكمل لما إحتاجت لتصحيح مسارها، فمن الثابت في تطبيقات الفقه الدستوري أن للسلطة التشريعية وظائف تتمثل في إصدار التشريعات والقوانين وتفويض الجهات الأخرى لمباشرة حق التشريع لاسيما لمستويات الحكم الأخرى علي الصعيد الولائي والمحلي عبر مجالسها التشريعية «كما في حالة السودان» والرقابة السياسية علي السلطة التنفيذية وذلك عن طريق الإستجوابات والإستدعاءات التي توجه للوزراء حول آداء وزارتهم. وهذه الوظيفة الاخيرة تمثل مربط فرس «مبادرة تصحيح المسار» التي يبدو أن الدكتور الفاتح عز الدين رئيس المجلس الوطني قد هدف منها الي تصويب الاداء الرقابي للسلطة التشريعية. وغنى عن القول أن مقياس قوة أي جهاز تشريعي في أي دولة سواء كانت تنتهج النظام الرئاسي أو النظام البرلماني أو النظام المختلط الذي يطلق عليه «البرلماسي» يعتمد بشكل أساسي علي الرقابة السياسية التي يباشرها البرلمان علي السلطة التنفيذية. ويبدو أن رئيس المجلس الوطني قد إستصحب تجربة المجلس الوطني الحالي والذي تولى رئاسته منذ قرابة الاكثر من شهر، إذ أن تجربته في مجملها تحتاج الي التصويب مع الإقرار بأنها ناجحة تمام النجاح في جزئية وظيفتها التشريعية حيث قدمت مبادرات تشريعية مهمة. أما علي صعيد جزئية الرقابة علي الجهاز التنفيذي فإن أداءها هو محل إنتقاد من الرأي العام وأجهزة الصحافة والاعلام وهذا ما دعا رئيس المجلس الوطني لابتدار مبادرته الاصلاحية التي اسماها بتصحيح المسار.. وللإجابة علي السؤال الذي طرحته آنفاً لابد من التقرير بأن أي إتجاه لتصحيح المسار لن يؤتي أكله وأهدافه المرجوة إلا إذا تم الاقرار بان تركيبة المجلس الوطني الحالي الذي يتمتع باغلبيته البرلمانية المريحة حزب المؤتمر الوطني تمثل العقبة الأولى والأهم لتصحيح المسار، ذلك لأن بعض أعضاء المجلس الوطني ولا أقول كلهم قد جاءت بهم المحصصات القبلية الجهوية والشللية إلي المجلس الوطني قبل أن يتم التحقق من المعايير المطلوبة في عضوية مثل هذه المجالس والتي تعارفت عليها كل برلمانات الدنيا. وبحسب علمي أن بعضاً من هؤلاء النواب لا يقومون بالواجبات المناط بهم القيام بها بدءً من الانتظام في الحضور والمداولات في المجلس أو لجانه وإنما يقتصر دورهم فقط علي كلمة «نعم» التي يتفوهون بها حين يطلب منهم التصويت علي مشروع قرار إن كانوا حاضرين. وفي نظري أن تصحيح مسار السلطة التشريعية يحتاج لمعالجات آنية تلحق بالزمن المتبقي للمجلس الوطني حتى يتهيأ الناخبون مجدداً للإنفعال مع الانتخابات العامة المقبلة في العام القادم 2015م، ولعل أهم هذه المعالجات تكمن في ان يمارس المجلس الوطني وظيفته الرقابية تجاه الجهاز التنفيذي بغرض إصلاح الاوضاع المتردية علي أصعدة الخدمات والإقتصاد والتي تؤثر بشكل أساسي علي حياة الناس كما يطلب منه أن يقوم بادوار أكثر فاعلية في محاربة الفساد الذي استشرى بكل صنوفه واصبح امر السكوت عليه محالاً. أما المعالجات اللاحقة فإن الضرورة تقتضي بالاحزاب السياسية وعلي رأسها المؤتمر الوطني أن تعيد النظر في معايير إختيار مرشحيهم ولعل الطريقة التي دفع بها المؤتمر الوطني لمرشحيه للمجلس الوطني في الإنتخابات الماضية عبر ما عرف بالكليات الشورية للدوائر الجغرافية القومية والولائية ينبغي إعادة النظر فيها لما شابها من اشكاليات أدت في نهاية الامر لضعف الوظيفة الرقابية للمجلس الوطني والمجالس التشريعية الولائية مما استدعى رئيس المجلس الوطني للجهر بمبادرة (تصحيح مسار) السلطة التشريعية بغرفتيها (المجلس الوطني – مجلس الولايات) والمجالس الولائية في ولايات السودان المختلفة. إن أي نجاح منتظر للإنتخابات العامة في العام المقبل في جزئية السلطة التشريعية في مستوييها الاتحادي والولائي يرتبط إرتباطاً اساسياً بمبادرة تصحيح المسار والتي نطلب من رئيس المجلس الوطني طرحها علي الرأي العام حتى يتم الاستهداء باراء النخب السياسية والفكرية والمجتمعية في تقديم المبادرة بكل ملامحها لاهل المصلحة (السودانيين).