بينما الشمس تجرجر أذيالها معلنة الرحيل، وبدأت أشعتها الحمراء تنخفض رويداً رويداً، وتأهب الظلام ليفرد جناحيه على الكون، كان يقف (صيوان) كبير في قلب ميدان الرابطة بشمبات معلناً عن بداية الجلسة الاولى لامتحان مكتسبات الحوار الوطني وقرارات رئيس الجمهورية القاضية بإطلاق حرية العمل الحزبي الجماهيري في الميادين العامة. «يا بلدي يا حبوب.. أبو جلابية وتوب»، وبصوت الفنان محمد وردي بدأ الحضور يتمايلون طرباً حماسياً، وأمامهم مباشرة علقت لافتة كبيرة كتب عليها»حركة الإصلاح الآن»، بينما تراصت اللافتات الصغيرة التي تحمل شعارات بعضاً منها مستوحاه من شعارات قديمة كان يرفعها اليسار السوداني في حقب من حقباته، مما يشير إلى حجم التحولات التي تعيشها مجموعة الاصلاحيين الاسلاميين، فالعبارات التي تتحدث عن التنوع العرقي والثقافي، وضرورة التميكن للمرأة، وعبارة وطن يسع الجميع، كانت حاضرة بشكل مكثف وتجلت تماماً في المقطوعات الشعرية الحماسية التي أنشدت قبيل بداية الندوة بشكل رسمي، واللافت للنظر هو الهتاف الذي ظلت تردده عضوية حركة الإصلاح الآن ممن كانت حضوراً، وهو شعار ابتكرته المعارضة السودانية ممثلة في قوى الإجماع الوطني أبان مسيرتها الرافضة لبعض القوانين في العام 2009م، واجتهدت حركة الإصلاح الآن في إخراج الهتاف بشكل يتناسب مع خطها السياسي وشعاراتها وتغير بعضاً منه، حيث تحول من (حرية .. سلام .. وعدالة والثورة خيار الشعب)، إلى (حرية سلام وعدالة والإصلاح خيار الشعب). طالب رئيس حركة الإصلاح الآن بمحلية بحري جعفر الصادق في معرض حديثه بضرورة فتح ملف ضحايا احداث سبتمبر لأنه سيكون مدخلا جيداً للحوار ، وأعقبه أمين شباب الحزب بولاية الخرطوم علي الشيخ مشدداً على دور الشباب في إصلاح شأن البلاد، وقال مخاطباً جموع الشباب المحتشدين:» انتم من تقودون هذة السفينة وعليكم أمل هذه الأمة، ومن جانبه طالب رئيس الحركة بولاية الخرطوم خالد نوري بتعديل قانون الأمن الوطني، وشدد على ضرورة وقف إطلاق النار من جانب القوات المسلحة والحركات المتمردة لوضع الحوار بإعتباره الوسيلة الأولى لحل مشاكل السودان، قائلا:» ولنصل لاتفاق كيف يحكم السودان وليس من يحكمه» معتبراً أي حوار جاد لابد من أن يناقش جذور المشكلة. وحمل رئيس لجنة الحوار والسياسات الدكتور فضل الله أحمد عبد الله في حديثه السودانيين مسؤولية الأخطاء التاريخية التي غفل عنها الجميع واصفاً الأزمة بالمتلازمة للسودان منذ فجر الاستقلال -على حد تعبيره-، مردفاً بأنه لا يمكن التوبة من الخطايا التاريخية إلا بالحوار الذي يفضي بإخراج جميع السودانيين من هذه الأزمة الشائكة، معتبراً بأن أزمة الهوية هي التي خلقت بئراً من المشاكل كالحروب في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق ومازال هناك الكثير من المناطق الأخرى في الطريق -على حد تعبيره-، مطالباً بحوار جاد قائلا:» نتعرف فيه ملامح هذا الوطن من حالة التضليل الذي نعيشه في الفكر والثقافة والإعلام التعليم والآحادية في كل شيء. وعن دور المرأة في المستقبل السياسي للبلاد أكدت ممثلة المرأة بحركة الاصلاح الآن أمل عبد الفتاح أن لها دور فاعل في الإصلاح مما قدمته من تضحيات على مر تاريخ السودان ، نسبة لتطلعاتها لبناء أمة صالحة، وهي أكثر من يدفع في فاتورة الوطن، ومن جانبه قال القيادي بالحركة الفريق أول محمد بشير سليمان: إن أهم قضية الآن هي قضية الحرب دعونا نتنازل عن كل شيء من أجل السودان اما لم نجد كرسي لنحكم ليكون السلام أمر جوهري يفضي إلى استقرار السودان ويجلب الخير والأمن والأمان وازدهار الاقتصاد، وأردف:» عليكم أن تتنازلوا مهما كان الثمن، ومضى في حديثه قائلا:» أخرجونا من ثنائية الحوار إلى حوار يجمع الصف الوطني ويكفي البلاد شر المحن»، وقال الدكتور حسن عثمان رزق خرجنا للحرية ونريدها لنا ولسوانا نحن لا نطالب بالحرية لنا فقط، بل نأمل أن يتنفس للجميع الهواء الطلق بدلا من تنفسه في الغرف المغلقة، وأردف قائلا:» سواء أن نجح الحوار أو فشل لا تستطيع جهة ما حكومة ولا معارضة أن تعفي دماء الشهداء التي سالت في هذا الميدان إلا ذويهم، ولن يستطيع أحد أن يفلت من العقاب»، وأضاف:» جاءنا الحوار وقبلناه لأنه سنة، ونحن أول من دعا له مسبقاً، وأردف: يجب أن يشمل الحوار كل الناس لا يستثنى أحد، ولا يعني الحوار الخضوع ولا الركوع للمؤتمر الوطني، بل سندخل معه أنداداً، و نريد أن نقلل من الإنفاق الحكومي 70% من الإيرادات الحكومية. وقال رئيس حركة الإصلاح الآن د. غازي صلاح الدين إن هذه الندوة تعد الاختبار الاول للحكومة، وفيه حق سماوي مع الخلق، ولكننا إجتزنا الاختبار لم يعد الإصلاح نداءً بل أصبح نغمة لكل الناس حكومة وشعب ومعارضة، ونحن من ابتدر ذلك ليصلح الجميع، نحن لا نحتكر شيئاً لأنفسنا وبهذا الاختبار نرصد ماذا سيحدث بعد. وأضاف غازي : حددنا أربعة محاور للحوار، وهي الحرب، والعلاقات الخارجية، الاقتصاد، والهوية، ونريد حواراً يشكل السياسة السودانية من خلال تسوية الأرض وتهيئة أجواء الجلوس في طاولة ، وشاركنا فيه بقناعة، ثم علمنا أن الحركات المسلحة رفضت الحوار، وبات ينبغي علينا أن نتصل بهم حتى نصل معهم لاتفاق، وأكد غازي أن الحوار من وسائل الإعلام لا يجدي، بل على الجميع أن يجلسوا على طاولة مستديرة، بحيث لا توجد رسالة مسبقة ولا أجندة مسبقة تكون متفق عليها -على حد تعبيره-.