الحوار الوطني دعوة اطلقها رئيس الجمهورية رئيس المؤتمر الوطني في خطاب الوثبة الشهير، ثم جاءت الخطوات العملية باطلاق الحريات السياسية للأحزاب كاستحقاق طبيعي للدعوة وإبداء الجدية فيها ورغم أن الخطوة تمت الدعوة لها من قبل حزب المؤتمر الوطني الحاكم بعد التنوير والتمهيد لها في مؤسسات الحزب المختلفة إلا أن ذلك لم يكن كافياً لتبديد مخاوف البعض من منسوبي الحزب من تفكيك الإنقاذ الدولة والمشروع الذي يعتبر كثير منهم أن الإسلاميين اجتهدوا في بنائه بالدم والدموع وبذلوا أرواحهم رخيصة بالآلاف من شباب وشيوخ الحركة الإسلامية في كل ثغرات الحرب التي كانت دائرة في اطراف البلاد والجنوب على وجه الخصوص، ولذلك يرون أنه ليس من السهل التضحية بكل هذا الجهد والإرث وبدأت هذه المخاوف تتسرب وتلوح في الأفق لدى العديد من الإسلاميين بمظنة أن الحوار يقود الى تفكيك الانقاذ وإضعاف سلطة الإسلاميين النهاية غير السعيدة لأحلام الدولة الإسلامية. تطمينات قيادات المؤتمر الوطني ظلت تبعث من مرة لأخرى رسائل تطمينات الى قواعدها، مفادها أن الحوار والوفاق الوطني لايعني بأي حال نهاية الانقاذ، وقال رئيس الحزب رئيس الجمهورية في مخاطبته مهرجان السياحة ببورتسودان لن نسمح بتفكيك الانقاذ ما اعتبره البعض من قيادات الأحزاب تراجع عن سقف الحوار بلا شروط وإصرار من المؤتمر الوطني على الانفراد بالحكم وعاد بعده الدكتور نافع علي نافع القيادي بالحزب ليقول في حوار بالزميلة (الرأي العام) إن الانقاذ أذكى من أن تسمح بتفكيكها في الحوار الوطني قبل أن يمضي البروفيسور ابراهيم غندور نائب رئيس الحزب في ذات الاتجاه، حيث قال إن الحوار الذي يمضي الى غاياته ليس حواراً من أجل تفكيك هذه الدولة أو لإعطائها لآخرين إلا من يستحقونها بحقها وموافقة الشعب عبر صناديق الاقتراع، واستطرد الحزب يمضي في الحوار كجزء منه لأنه يمثل إرادة دولة ونحن من بين الأحزاب نأتي ببضاعتنا لنقدمها للأحزاب ولا نقول إن ما نقدمه هو الصواب وعلى استعداد لقبول الأفضل لنتوافق على برنامج عملي لا يقوم على حكومة تشاكس يمضي بعضها يميناً والآخر يساراً بل حكومة بها برنامج تتفق عليه كلها ويقدمها أهل السودان وقواهم السياسية، ومضى غندور قائلاً لم تأتِ دعوة البشير من مكمن ضعف أو استجابة لضغوط أو بسبب انشقاقات داخلية، وإنما من مصدر قوة ونتاج لعمل طويل استمر عبر أجهزة الحزب من شهر يوليو من العام الماضي، والحوار هو الطريق الوحيد للحل وهو ليس حكراً لأحد بل حوار سوداني لكل أهل السودان حديث الرئيس ونافع وغندور إشارات واضحة يفهم منها تطمين لقواعد الإسلاميين . ضغوط هناك هواجس وتفسيرات أخرى وسط بعض قواعد الإسلاميين تنبني على فرضية تعرض الحزب لضغوط خارجية قادته الى الدخول في الحوار الوطني ومحاولة إدخال الأحزاب في عمق السلطة وتسليمها لها في حال قادت نتائج الحوار الى حكومة انتقالية خاصة وأن هذا التفسير ينسجم مع حديث بعض أحزاب المعارضة وعلى رأسها الشيوعي، حيث قالت إن المؤتمر الوطني دخل الى الحوار ليس قناعة به وإنما بتوجيهات وخارطة طريق أمريكية أملت عليه بدء الحوار وإطلاق سراح الحريات، واستدلوا بالورقة التي اعدها المبعوث الأمريكي السابق لشؤون السودان بريستون ليمان، والتي أعدها عن مستقبل الوضع في السودان وقدمها أمام معهد أبحاث السلام التابع للكونغرس الأمريكي ووردت فيها إشارات عديدة حول جعل الحوار الوطني مخرجاً للأزمة السودانية، والوطني نفى على لسان عدد من قادته وجود أية علاقة للدعوة للحوار وأي ضغوط خارجية أمريكية كانت أو غيرها، وفي وقت سابق قال البروف عبد الرحيم علي القيادي بالحزب في حديث ل(الوطن) أن الحديث عن الإصلاح في الحزب والدولة والحوار مع الأحزاب تم التمهيد له ومناقشته في أروقة الحزب منذ أكثر من عام وأعدت فيه أوراق متخصصة ناقشها مجلس الشورى وأجازها، وكذلك المكتب القيادي وإجابات البروف عبد الرحيم وقيادة المؤتمر الوطني تجعل من الروايات الأخرى حول الضغوط الخارجية ضعيفة الى حد كبير، وقد ذكر الدكتور مصطفى عثمان إسماعيل الأمين السياسي للمؤتمر الوطني قال في حديث سابق إن الدعوة للحوار هي رغبة صادقة من السيد الرئيس وأن الحزب ماضٍ فيها الى نهاياتها من أجل تعزيز الوفاق الوطني. رؤية مختلفة رغم أن المخاوف من تفكيك الإنقاذ يراها البعض في طي الحوار الذي يجري ويتم الإعداد له إلا أن البروفيسور حسن الساعوري المحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية يرى غير ذلك حيث قال ل(الوطن) إن الحوار لو نجح لن يكون على حساب الإنقاذ ولا على حساب الإسلاميين كقوى سياسية وإنما على حساب إحتكارهم السلطة، واستطرد أيضاً لن يكون على حساب مشروع الإسلاميين وإنما المكسب الحقيقي لهم هو نجاح الحوار لأنه سيدعم تثبيت المشروع واستمراريته بشكل دائم باعتبار أن المؤتمر الوطني سيكون جزءاً مهماً من القوى التي تحكم، وفي حال فشل الحوار واستمر حمل السلاح والحرب وتمكنت المعارضة المسلحة والسلمية من إزاحة المؤتمر الوطني من الحكم عند ذلك تكون نهاية مشروع الإسلاميين، ويضيف الساعوري من الممكن أن تستمر الإنقاذ في ظل الحرب وإصرار الأطراف المسلحة على القوى وحمل السلاح لأن الإنقاذ نفسها تملك أدوات القوى.. ولكن ستكون البلاد في حال إضطراب مستمر، ويزيد ذلك من الأزمات السياسية والإقتصادية، الساعوري وضع إطار آخر للصورة ربما ينجح في إزاحة الجزء القاتم من الشكل الذي رسمه بعض الإسلاميين لمستقبل العملية السياسية على وقع الحوار المفترض أن يرمم تصدعات جدار الأزمة السودانية.