يبدو أن المؤتمر الوطني بعد التغييرات الجديدة التي أدخلها على الحزب والحكومة قد غير إستراتيجيته بشأن الحوار مع القوى السياسية حول القضايا الوطنية، وبرز ذلك جلياً في دعوة بروفسور إبراهيم غندور مساعد رئيس الجمهورية نائب رئيس المؤتمر الوطني لشؤون الحزب للقوى السياسية للحوار في الهواء الطلق خارج الغرفة المغلقة. والجديد في الدعوة أن غندور أتبعها بقوله "إن الإمام الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي رجل يتسم بالعقلانية، وأن وطنيته لا تحتاج لتقييم من أحد، وذكاؤه وقدرته غير مشكوك فيهما، وعد مواقفه متوازنة جداً، لجهة أنه حينما ينتقد الحكومة فإنه يري أن هناك خطأ ولا يمانع من أن يشيد بها، كمال قال غندور إن الدكتور حسن الترابي الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي رجل له إسهامات فكرية، وأن مكانته السياسية والوطنية والإقليمية معلومة، ورأي أن المؤتمر الشعبي له مواقف ثابتة من قضية الشريعة الإسلامية، ومن دعاة التغيير بالسلاح، وبعض القضايا الوطنية ويضم كوادر صاحبة قدرات وفكر، ولم يتحدث غندور عن الحزب الشيوعي أحد أضلاع مثلث المعارضة مع الأمة القومي والمؤتمر الشعبي، وصمت عن أي وصف للحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل الذي يقوده محمد عثمان الميرغني الزعيم التاريخي لطائفة الختمية، ويري من حديث غندور كأن المرحلة الجديدة تستهدف بالحوار حزب الأمة والمؤتمر الشعبي، فغندور جاء خلفاً في الموقع الحزبي والحكومي للدكتور نافع علي نافع الذي يتحدث بلغة لا تخلو من الخشونة مع خصومه السياسيين، وعرف غندور بالمرونة السياسية، فهو يتمتع بقبول نسبي وسط القوى السياسية دون غيره من المفاوضين من المؤتمر الوطني، وهو ما أهله لأن يمسك بملف الحوار مع قطاع الشمال حول قضايا جنوب كردفان والنيل الأزرق، فدعوة غندور للحوار لم ترفضها قوى سياسية تحدثت ل(التغيير)، لكنها دفعت بمجملة شروط تقيد الحوار، أبرزها تهيئة المناخ السياسي وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وفتح باب الحريات العامة. بيد أن البروفسور حسن علي الساعوري، أستاذ العلوم السياسية بجامعة النيلين، قال إن الدعوة لحوار الحكومة للقوى السياسية، ليست جديدة لجهة أن الرئيس البشير سبق وأن طرحها، كما طرحها النائب الأول لرئيس الجمهورية السابق علي عثمان محمد طه، ونائب الرئيس السابق الحاج آدم، وذهب الساعوري إلى أن الجديد في الدعوة كلمة (الهواء الطلق)، ورأي أن الدعوة لم تقيد بأجندة أو شروط مسبقة، وقال ربما يكون غندور قد قصد منها أن يتم حوار بدون أي حساسيات وبدون الرجوع للماضي، وربما قصد من بأن لا يكون حواراً فيه سرية، أي يكون الحديث من خلال الندوات والسمنارات، أو يقصد حواراً بلا ثوابت، لكنه عاد وقال "المهم مضمون الدعوة،. ورأي الساعوري أن حديث غندور في دعوته للحوار التي صاحبها تمجيد للإمام الصادق المهدي، والدكتور حسن الترابي أسلوب جديد من الحكومة للتعامل مع المعارضة بخلاف أسلوب الدكتور نافع علي نافع الذي كان يقول إن المعارضة هزيلة، غير أن اللواء فضل الله برمة ناصر نائب رئيس حزب الأمة القومي رحب في حديث ل"التغيير" بدعوة غندور للحوار، من حيث المبدأ، لكنه اشترط أن يكون حواراً مؤسساً على رؤية واضحة ليؤدي لنتائج إيجابية تحقق المصالحة الوطنية، والمشاركة القومية في الحكم والدستور والسلام، وقال إن الساحة السياسية لا تحتاج لرؤية معينة يكيف الجميع عليها بل تحتاج لتوافق وطني شامل، وشدد على ضرورة أن يكون هناك حوار جاد على القضايا الوطنية يشارك فيه الجميع، وتابع لا فائدة من حوار يعزل البعض، مشدداً على إتاحة الحريات العامة، ورأي أن أي حوار حول الدستور دون إتاحة الحريات، وإيقاف الحرب يعد حوار طرشان، وقال إن حزبه بصدد دعوة القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني وشخصيات وطنية للتوافق على ماهية الحكومة القومية التي يمكن أن ينادي بها حزبه وكيف لها أن تدير شؤون البلاد، وأضاف لا مجال للمزايدة السياسية في قضايا الوطن ووافقه الرأي المهندس صديق يوسف القيادي بالحزب الشيوعي الذي قال إن دعوة غندور ليست الأولي من قبل الحكومة للحوار، وقطع بأنهم لا يقبلون حوار طرشان، منبهاً لضرورة خلق أجواء نقية ينتج عنها حوار يحل الأزمات من جذورها، مجدداً موقف تحالف المعارضة المنادي بحوار لكل القوى السياسية، بيمن فيهم المسلحون، تحت مظلة حكومة قومية انتقالية، وقال إن المعارضة لا تريد حوار طرشان، بل النزول للشعب لتبلغه بماذا تريد، لافتاً إلى وجود قوانين مقيدة للحريات، وقال هناك معتقلون سياسيون، وبالتالي لا يستجيب حزبه لدعوة غندور، أما كمال عمر المسؤول السياسي بحزب المؤتمر الشعبي، فقال إن أية دعوة لحوار من قبل المؤتمر الوطني إذا لم تتوفر لها مستحقاته، والتي من بينها مناخ سياسي معافى، فإن حزبه لن يجيب الدعوة، ودعا في مؤتمر صحافي بدار حزبه أمس المؤتمر الوطني لأن يكون صادقاً في دعوته، ويطلق الحريات الآن، ويوقف الحزب، لكنه عاد وقال لن نستجيب لأي حوار في حالة السياسات الخانقة ما لم يستوعب كافة قضايا البلاد. صحيح إن دعوة غندور للقوى السياسية للحوار لم تكن جديدة، ولكن الجديد انها جاءت من رجل ممسك بملف الحوار مع قطاع الشمال، ويعتلي منصب نائب رئيس المؤتمر الوطني لشؤون الحزب، في وقت أجرى فيه المؤتمر الوطني تغييرات على مستوي الدولة والحزب ينتظر أن تتبعها تغييرات في رؤى الحوار مع القوى السياسية لكتابة المستقبل في البلد، فغندور ربما يريد من الدعوة أن يلطف الأجواء بينه والقوى السياسية لا سيما إنه مقبل على حوار مع المعارضة المسلحة قطاع الشمال بالحركة الشعبية، فيبدو أن غندور يريد أن يؤمن ظهره في الخرطوم من لسان المعارضة أثناء الحوار مع المتمردين، لكن مهما اختلف السياسيون أو اتفقوا حول الدعوة للحوار، فان غندور رمي بحجر في بركة ساكنة، ربما تعجل بتلاقي الفرقاء في القريب العاجل في مائدة واحدة تنهي الجفوة وتردم الهوة وتعالج جراحات الوطن. نقلاً عن صحيفة التغيير 15/12/2013م