صمت مريب.. يخيم على المنزل الفخيم بضاحية المنشية، رغماً من مرور مياه كثيرة تحت جسور الأحداث السياسية والفكرية في البلاد، فمنذ الكلمات التي ألقاها في لقاء قاعة الصداقة الشهير لم ينبس الدكتور حسن الترابي الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي ببنت شفة مرة أخرى، ولم يعلق على أحداث كثيرة كانت تستهويه فيما مضى. الحوار: مرت قضية الحوار الوطني بمنعرجات ومنعطفات كثيرة خلال الفترة الماضية، وبدأ أن تحالف قوى الإجماع الوطني يسير بخطى حثيثة نحو الإنشقاق بعد تباين الآراء والمواقف داخله حول المشاركة في الحوار الوطني، وفي المقابل.. رفضت قوى سياسية أخرى الدخول في أي حوار قبل توافر شروط محددة قدمتها للحكومة، وشككت في نوايا الحكومة في إحداث تغيير حقيقي، كل تلك المعطيات الماثلة حالياً في الساحة السياسية والدكتور الترابي يلتزم الصمت ولم يعلق عليها لا سلباً ولا ايجاباً. سجن المهدي: توترت الأجواء بين حزب الأمة القومي والمؤتمر الوطني، ووصلت لمرحلة الشقاق، وبدأ الجليد في التراكم على سقف علاقة وصفها المراقبون بالحميمة والجيدة بين رئيس حزب الأمة الصادق المهدي وقادة الدولة، حتى انه كان شديد الحرص على مسألة إنجاح الحوار الوطني، ويبذل جهود كبيرة لاستيعاب القوى السياسية الرافضة للمشاركة داخل آلية الحوار، ولكن فجأة انهارت العلاقة الجيدة بين الطرفين واختصما حول تصريحات منسوبة للامام الصادق تتعلق بقوات الدعم السريع، مما دفع جهاز الأمن على فتح بلاغ ضد الصادق في نيابة أمن الدولة ومثل الأخير الخميس أمام النيابة بعد استدعاءه واستمعت لأقواله وأطلق سراحه، وتطورت الأمور إلى أن وصلت سياجات السجون، مما دفع بحزب الأمة لإصدار بيان يعلق فيه مشاركة حزبه في الحوار الوطني إلى حين الإفراج على رئيس الحزب، وقالت الأمين العام للحزب سارة نقد الله في تصريحات للصحافيين إن «الحكومة بهذا الإجراء قد تراجعت عن كل بنود الحوار، ورجعت إلى المربع الأول»، مطالبة بالإفراج عن المهدي فوراً، موضحة أن «الحزب يعلن تعبئة قواعده في كل الولايات، ويوجه أجهزته الولائية لتعبر عن رفضها لهذه الإجراءات المتعسفة، تعبيراً شعبياً سلمياً قوياً، رغماً من صلة القرابة التي تربط الصادق المهدي بالترابي، وبإعتباره شريكاً رئيسياً في عملية الحوار الوطني التي يمسك الأخير بشئ من تلابيبها إلا انه لم يعلق على ما حدث، ولم يصرح حتى حول سجن المهدي وتأثير ذلك على سير عملية الحوار. قضية الردة: شغلت قضية الطبيبة المتهمة بالردة أبرار الهادي أو مريم يحيى الرأي العام مؤخراً، وقال فيها جل السياسيين والخبراء، والفقهاء الإسلاميين ما لم يقله مالك في الخمر، ووجدت القضية المثيرة للجدل متابعة كثيفة من منظمات حقوق الإنسان والاتحاد الأوروبي ومجمع الفقه، وبين مؤيد ومنتقد أصدرت محكمة جنايات الحاج يوسف برئاسة القاضي عباس محمد الخليفة حكماً بالإعدام شنقاً حتى الموت حداً في مواجهة المتهمة بالردة أبرار الهادي إبراهيم أو مريم يحيى، وبحسب ما نقلته الصحف حول حكم الإعدام فإنه جاء لإصرار المتهمة على عدم الرجوع للإسلام بعد أن أمهلتها المحكمة (3) أيام للاستتابة وفقاً للقانون، وأوقعت المحكمة عقوبة الجلد (100) جلدة لإدانتها بارتكاب جريمة الزنا بعد إبطال المحكمة لزواجها من «مترجم» مسيحي أجنبي وإنجابها طفلاً منه، بالرغم من حظو مثل هذه القضايا التي تعتمد على الجدل الفقهي على اجتهادات كثيرة من الترابي وله أحاديث شتى حولها، إضافة إلى الإهتمام الدولي والمحلي بقضية كبيرة ومهمة مثل قضية الردة إلا أن الترابي لزم الصمت ولم يبدِ رأيه كمفكر وسياسي فيها. الصمت الغريب الذي يعيشه الدكتور الترابي دفع المراقبون للحيرة، فالبعض يعتقد انه الهدوء الذي يسبق العاصفة، والبعض يرى أن صمته نتج من ضغوط حزبية وأسرية وجهات لا ترغب في أن يدلي الترابي بتصريحات ربما تغير مجرى الأحداث تماماً، اتهامات شتى طالت نجله المقرب منه عصام الترابي بأنه من يقف وراء صمت والده الغريب، ويحجبه عن الاعلام، ولم ينج الحزب وقياداته من تلكم الإتهامات، حيث ذكر أن قيادات حزبه تفضل أن يلتزم زعيمهم الصمت لاعتبارات تنظيمية أقرها الحزب. حزب المؤتمر الشعبي نفى ما طاله من اتهامات حول الضغط على أمينه العام ودفعه نحو الصمت، وقال الأمين السياسي للحزب كمال عمر في مؤتمر صحفي عقد بدار الحزب أمس الأول:» الترابي طليق ومتاح». الأستاذ عصام نجل دكتور الترابي نفى أية صلة له بصمته، وقال في إفادته ل(الوطن): «أنا ما قاعد يدوني أية كلمة على الشيخ»، موضحاً بأنه يعمل في مستوى تنظيمي لا يجمعه مع الأمين العام.