الحديث في الحلقة الاولى كان تعريفاً للنهضة، من زاوية حافظ صالح اصطلاحاً ولغة، الحديث في هذه الحلقة عن نهضة هارون من زاويتي اصطلاحاً ولغة، بطل هذه السلسة صاحب روايات الف كتمة وكتمة، التي نشرت في اكثر من عشرين حلقة، حيث تناولتها الصحف تتلقف هذه المادة وهي لا تعرف محتواها، فقط لان صاحب الرواية تحول من مسؤول كبير الى كلمنجي وكتبنجي يغوص في امهات الكتب ويخرج ويألف قصص بطولاته الزائفة. وحسب ويكيبيديا، الموسوعة الحرة، حيث تلقى هارون تعليمه الابتدائي والمتوسط بمدرسة الأبيض الأهلية ثم الثانوي بمدرسة خور طقت الثانوية حيث برز أثناء الدراسة الثانوية كواحد من القيادات الطالبية، الأمر الذي أهَّله لتولي رئاسة الداخلية، وفي أثناء دراسته الثانوية التحق بتنظيم الاتجاه الإسلامي، واستمر في العمل التنظيمي عند التحاقه بالدراسة بمصر حيث ، درس أحمد هارون القانون بجامعة القاهرة في مصر وتخرج العام 1987م، وعاد إلى السودان ليعمل في السلك القضائي قاضياً لفترة قبل أن يتم اختياره ليعمل وزيراً للشؤون الاجتماعية في ولاية جنوب كردفان عمل مسؤولاً عن ادارة السلام واعادة التوطين والتي كانت تدير الحرب باسم السلام، حيث جاء جنوب كردفان على خلفية الخلاف الذي نشب بينه وبين الحسيني عبد الكريم عندما كان يرأس إحدى المؤسسات الشعبية بكردفان الكبرى ، تمت ترقيته وزيراً للشؤون الاجتماعية بولاية جنوب كردفان، وترأس مجلس امناء الزكاة في تلك الحقبة التي عدل مصارفها من سبعة الي ثماني مصارف، واجتهد في تركيب اوسع اذاعة في كردفان. برز أحمد هارون في مهمته كوزير موالٍ للسلطة ومطيع واستفاد من فترة تواصله بمكتب الشهيد الزبير محمد صالح النائب الاول لرئيس الجمهورية بعد ربطه الدكتور حبيب مختوم بالرجل الاول وجرت جسور التواصل مع النائب الاول علي عثمان طه الذي خلف الشهيد وعلى هذا الاساس تمت ترقيته إلى وظيفة أعلى، إذ تم تعيينه منسقاً عاماً للشرطة الشعبية، وهي قوة عسكرية تتبع لوزارة الداخلية وتستعين بها في بسط الأمن. قرر الرئيس عمر البشير تعيين أحمد هارون وزير دولة بوزارة الداخلية في العام 2003 بعد اشتداد أوار التمرد في إقليم دارفور على خلفية طلب وزيرها الاول السابق عبدالرحيم محمد حسين بعد أن أشرف على تكوين الشرطة الشعبية وأعاد صياغتها التنسيقية. الرحلة لم تكلل بالنجاح رغم النصر الذي تحقق، فكان نصراً بطعم آخر، دُوِلت قضية دارفور بسبب هذا الملف الذي اداره الرجل فوضع الدولة ورأسها امام مواجهة المجتمع الدولي، فلم تجد الدولة بدٌ الا وأن تغيره وتبدله، أُعفي هارون من منصبه بوزارة الداخلية وتحوّل إلى منصب وزير الدولة بوزارة الشؤون الإنسانية في سبتمبر 2005 م في حكومة الوحدة الوطنية التي شُكلت بموجب اتفاق السلام الشامل عام 2005. لاحقاً أصبح الرجل هو القاسم المشترك في كل محادثات حكومة البشير والمجتمع الدولي، خاصة الولاياتالمتحدة والدول الغربية عامة التي تبنت عداءً سافراً لنظام الخرطوم، واتهمته بتنفيذ هجمات دامية ضد مدنيين عُزل في دارفور ترقى إلى مستوى حرب الإبادة ، وفي 27 أبريل 2007 قدم الأرجنتيني لويس مورينو أوكامبو المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية طلباً لقضاة محكمة لاهاي لاستصدار أمراً بالقبض عليه بتهمة جرائم حرب، وقد أصدرت المحكمة الجنائية الدولية أمراً بالقبض عليه في 2 مايو 2007، مع علي كوشيب، باتهامات بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. اصبحت الامور تسير عكس عقارب الساعة، حيث كان يتطلع الى موقع ارفع، والرجل مشروع لطموح يفوق التصور، لا يرضى بما قُسِم له، فإنه يسعى بسرعة البرق أن يصل مبتغاه دون عوائق، وعن طريق نظرية الفهلوة فإنه يعتقد بمقدوره اقناع اكبر رأس فكري في الدولة. كما أسلفنا فإن القاسم المشترك في كل مفاوضات الحكومة والغرب كان هو شرط إبعاد الرجل من واجهة الحكم ، لكن الرئيس البشير كان يرفض ربما بمنطق أنه الذي يتحمل مسؤولية ما حدث، سيما وأن هارون كان دائماً ما يردد أنه كان يقوم بتنفيذ سياسة الدولة في بسط الأمن وتحقيق الاستقرار وقمع المتمردين. أوكامبو شبهه عندما تولى مسؤولية وزير الدولة بوزارة الشؤون الإنسانية (بالثعلب الذي عهد له برعاية الدجاج)، غير أن هارون ذكر في مقابلة مع الشرق الأوسط اللندنية في 23 مارس 2009م (أن السودانيين ينظرون إليه باعتباره بطلاً قومياً على الرغم من محاولات المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية لويس مورينو أوكامبو إثبات أن يديه ملطخة بدماء ضحايا إقليم دارفور). وفي ذات المقابلة وصف هارون نفسه بأنه (الشهيد الحي) في السودان، لافتاً إلى أن لديه تجارب عديدة سابقة مع الموت أدت إلى نشوء إلفة بينهما. كيف لانسان عادي أن تنشأ له إلفة مع الموت؟، هل هذا تحدٍ للموت، أم تحدٍ لأقدار الله التي يصرفها بمشيئته؟. الموت هادم اللذات ليس بينه وبين البشر إلفة، تعرض الانسان للاحداث المختلفة هو ابتلاء وامتحان يحمد الله على ذلك ولا يتحدى امر الله حتي يدخل في باب الذندقة. ويروي هارون أنه يمارس حياته بشكل اعتيادي ويتجول في الأسواق ويخالط السودانيين العاديين. ولم يتوقف هارون عن المباهاة بنفسه وقدراته واستهانته بالخطر عند ذاك الحد، بل تعداه إلى التأكيد ألا قيود على سفره إلى الخارج. يقولها مع تمام علمه أن الإنتربول (البوليس الدولي) عمم نشرته الحمراء الجنائية على كل المطارات والمؤانيء الدولية لتوقيف هارون فوراً ودون تعطيل. لكن داخل السودان لم يكن طريقاً ممهداً تماماً كما يصور هارون للذين بالخارج، والدليل تصريح منسوب المدعي العام المسؤول عن الجرائم في دارفور المستشار بوزارة العدل نمر إبراهيم ، بإن التحريات ما زالت مستمرة مع الوزير هارون، لكن لم توجه إليه اتهامات حتى الآن، وجنَّ جنون هارون وكعادته، بدلاً من توجيه نيران مدفعيته الثقيلة إلى خصمه مباشرة ، صوَّب المدافع بطريقة لم تخلُ من عنف غريب تلك الأيام نحو وزير العدل السابق عبد الباسط سبدرات ، واصفاً الاثنين في أثناء غضبته الحادة ب(الوزير ومدعيه) سخريةً تشير بوضوح أن المدعي لا يمثل أحداً إلاَ سبدرات، مع أنه سبق للجنة دفع الله أن قابلت أحمد هارون وزير الدولة بالداخلية في جلسة استماع في 22 يوليو 2004م، وورد اسمه في تقرير اللجنة في جدول المقابلات الميدانية وهارون رفض أن يمضي متدثراً بالصمت . فالعقلية الأمنية تتلبس الرجل ولم يتخلَ عنها، والمبنى الفخيم الكائن بشارع الجمهورية الذي تحول إلى تحفة معمارية إبان توليه المقعد تحول إلى قلعة أمنية، بدافع أن المنظمات الإنسانية أضحت ملفاً أمنياً من الدرجة الأولى بعد تطور أزمة دارفور بطريقة مذهلة. واصبحت منظمات المجتمع المدني مطالبة بالسفر عبر طائرات (يونميس) بتصريح يحمل خاتماً لشعبة الأمن والاستخبارات، شريطة أن تحصل على تصريح من إدارة مراقبة المنظمات بالشؤون الإنسانية. ويرى بعض المهتمين، أن اللافت في مسيرة أحمد هارون الترقي السريع في مدارج تنظيم الحركة الإسلامية ، رغم حداثة سنه ورغم أنه درس الجامعة خارج السودان، وفي تنظيم الإسلاميين من يدرسون المرحلة الجامعية الأساسية خارج البلاد لا يكونون أهلاً للثقة، لأنهم يكونون في تلك السن المبكرة عرضة للاستقطاب من الجهات الدولية. ولعل هذا الإحساس المبكر لدى هارون بأنه سيكون من ضمن قائمة اتهام المدعي العام للمحكمة الجنائية، هو ما دفعه للعودة للخرطوم قادماً من الأردن التي كان يتلقى بها علاجاً بعد ساعات معدودات من إعلان اسمه بواسطة أوكامبو، وبعد وصوله بدقائق كانت صحف الخرطوم تنتظره داخل منزله، حيث أدلى بأحاديث تكاد تكون متطابقة لبعض الصحف اجتهد خلالها وأنه يبدو متماسكاً غير خائف مما يمكن أن يترتب عليه قرار المحكمة الدولية بتوجيه أصابع الاتهام له، مؤكداً على أنه لم يقم بما قام به في دارفور من تلقاء نفسه، وأنما كان يؤدي واجبه كمسؤول بالدولة عليه الحفاظ على أمنها الذي هدده المتمردون، معلناً في الوقت نفسه أنه جزء من الحكومة وملتزم بما تقرره بشأنه حتى إذا كان تسليمه للمحكمة الدولية. لكن الرجل هو مصدر قلق للدولة بأكملها، دعك عن الجنائية وشأنها. والرجل كعادته لا يعجبه إنجاز ما عجز عن تحقيقه إبان توليه الحكم في جنوب كردفان وهذا ملف سوف نفتحه في الحلقات القادمة. انتظرونا إن شاء الله إن في العمر بقية...