قرار إلغاء انتخاب ولاة الولايات خطوة وجدت قبولا واسعاً وترحيباً من المواطنين بمختلف الولايات فيما تبيانت الآراء وسط بعض القيادات السياسية التي رأت أن هناك متغيرات طرأت على الساحة السياسية وضعت حزب المؤتمر الوطني على المحك الأمر الذي جعله أن يعيد النظر في بعض سياساته التي أثبتت التجارب فشلها، وذهب البعض بتحليلاته لأبعد من ذلك عندما وصف خطوة تعيين الولاة بأنها وسيلة اتخذها المؤتمر الوطني لتمديد نفوذه وفرض سلطاته على ولاة الولايات ووضع يده على ثروات الولايات من معادن وزراعة وخلافه من الثروات التي كانت ولا تزال تشكل حجر عثرة أمام الإستثمارات الأجنبية إلى جانب أن التجارب أثبتت لجوء بعض الولاة بمن انتخبوهم والتمسك بالبرنامج الانتخابي. وإن دعا الأمر إلى الحديث بالصوت العالي عن تنصل المركز من التزاماته تجاه الولايات مقدمين بعض الشواهد وأبرزها الصراع الذي نشب في وقت سابق بين والي القضارف الأسبق كرم الله عباس وحكومة المركز، فيما استشهد بعض الذين يرون تعنت الولاة في الإستثمارات الأجنبية بحادثة أبوحجار التي كاد أن يحدث ما لا يحمد عقباه، وبين تعيين الولاة وانتخابهم يصبح الباب موارباً للتحليل والإستنتاج بيد أن حكومة المركز قد أقرت بأن تجربة الحكم الفيدرالي أفرزت العديد من السلبيات التي تحتاج إلى إعادة نظر خاصة فيما يتعلق بالجهوية والقبلية التي تمددت بسبب انتخاب الولاة والتي تستند في المقام الأول على عمد ومشايخ بعض القبائل الذين درجوا على استقطاب الأهالي عبر بوابة القبلية ، حيث كشفت تجربة انتخابات الولاة أن هناك العشرات من زعماء القبائل والعشائر درجوا على ترجيح كفة مرشح على آخر بفضل عمليات الحشد القبلي ومساندته لذاك المرشح ، وفي المقابل تلك التكتلات قد وضعت المرشحين بقبول الأمر الواقع، الواقع الذي يحتم على المرشح أن يرتضي بالقبلية والجهوية سنداً له للوصول إلى السلطة ظل البعض يتحدث عن صرف مبالغ مالية طائلة لبعض العمد وزعماء القبائل حتى يضمن الوقوف بجانبه لجهة أن بعض العمد قد أطلق البعض عليهم في بعض الولايات لقب (الكباتن ) وذلك لمهارتهم الفائقة في ترجيح كفة فريق على الآخر حتى وإن كان هذا الآخر أكثر كفاءة وخبرة على جميع منافسيه ، وهذا الواقع يرى البعض انه أدى إلى تفشي ظاهرة (الحاشية) التي قدمت (السبت) لتنتظر (الاحد) من الولاة، وبالتالي تمدد حالات الفساد بالصرف من غير سند قانوني، مما زاد من حالات التعدي على المال العام. رأى الأستاذ علي السيد القيادي البارز بالحزب الاتحادي الأصل أن فكرة تعيين الولاة لم يقصد بها الحزب الحاكم محاربة القبلية والجهوية بقدر ما انها نبعت لتمدد الصراع بين المركز والولايات ومن أجل أن تكون السلطة في يد الرئيس وتمديد نفوذه ، وقال السيد إن الوطني هو من أشعل نار القبلية بمحاربته للاحزاب التي كانت تنتمي إليها المناطق، مؤكداً أن الإنتماء كان للاحزاب ثم للفرق الرياضية، وأشار إلى أن بعض الذين يؤمنون بفكر وأهداف الحزب كانوا قد وضعوا متاريس للحد من القبلية ولكن بعد المفاصلة فتح المؤتمر الوطني أبوابه للقبلية التي صارت معبراً للسلطة واعتبر علي السيد أن «الوطني» يعيش حالة من الصراعات الداخلية وأن بعض الولاة أصبحوا لا يلتزمون بخط الحزب ويتجاوزون الصلاحيات كما حدث في بعض الولايات في فترات سابقة، إلى جانب أن هناك صراعات ومصالح بين بعض الولاة والمستثمرين الأجانب، لافتاً الإنتباه إلى أن الإستثمارات غالباً ما تصطدم برغبات الأهالي الذين هم كانوا سبباً في انتخاب الوالي وجلوسه على رئاسة الولاية. الدكتور ربيع عبدالعاطي ذهب بالقول إلى أن تجربة حزب المؤتمر الوطني لم تكن سليمة مائة بالمائة مقراً بأن انتخاب الولاة أسفر عن تمدد القبلية والجهوية وأن إعادة النظر في انتخاب الولاة أمر من شأنه أن يعالج سلبيات الحكم الفيدرالي، مشيراً إلى أن لكل مرحلة ظروف تستدعى التوقف للنظر في السلبيات قبل مواصلة المسير مقراً بأن الحكم الفيدرالي من سلبياته تمدد القبلية وانتشار السلاح في أيدي الفصائل المتمردة غير انه استدرك بالقول : كل ذلك مقدور عليه من خلال المراجعات ، ورأى الأستاذ عبدالجليل الباشا القيادي بحزب الأمة أن فشل النظام الفيدرالي يرجع إلى أن الدولة لم تستند على أسس سليمة، مما أسفر عن تمدد القبلية والجهوية، وقال هذا جعل الولاة إلى امتطاء القبيلة للوصول إلى السلطة يساعدهم في ذلك العمد والمشايخ الذين كانو ادارات للادارة الأهلية، واستبعد عبدالجليل أن تعود الادارة الاهلية إلى سابق عهدها بعض أن تم تسيسها الأمر الذي أفقدها ثقة المواطن. وإلى أن يصبح تعيين الولاة أمراً واقعاً، يصبح الحديث عن فشل تجربة انتخاب الولاة أمر لا جدال عليه لجهة أن من شأنه أن يضع حداً للفساد ويقطع الطريق أمام بعض العمد والمشايخ الذين درجوا على إعلاء صوت القبلية على حساب الوطن لتحقيق مصالح ذاتية وخيمة العواقب.. .!