كنت قد كتبت مقالاً قبل فترة ليست بالقصيرة، تساءلت فيه عن الشقق المفروشة في الخرطوم هل تنتصر للفضيلة؟ أم أنها ستئن تحت وطأة الظواهر غير الحميدة؟. التساؤل كان على خلفية ضوابط جديدة قال اتحاد أصحاب الشقق المفروشة إنه سيلجأ إلى فرضها حتى لا تكون الشقق المفروشة ملاذاً آمناً لأصحاب الحرام. العجز عن الانتصار منذ الإعلان عن الاتجاه لسن الضوابط الجديدة وحتى تاريخه فإن الشقق المفروشة لم تستطع أن تنتصر لقيم الفضيلة، بل أصبحت تستقبل بكرم حاتمي عريض حوالي ثمانين بالمئة من التجاوزات الأخلاقية، وهذه النسبة ذكرها رئيس اتحاد الشقق المفروشة بنفسه. ليس مهماً أن تكون النسبة هي ذاتها بالضبط، أو أنها تنقص عن ذلك أو تزيد، فجدل الأرقام دائماً غير مجدٍ إذا كان المتحدث يريد أن يشير إلى حجم ما يتحدث عنه دون أن يكون همه الرقم تحديداً. ؛؛؛ الشقق المفروشة وافد جديد على القطاع السياحي أو الفندقي في السودان، ولم تشتهر بصورة واسعة إلا مؤخراً، ولكنها مع ذلك أصبحت منافساً قوياً للفنادق بدرجاتها المختلفة ؛؛؛ فقد نهى الله سبحانه وتعالى عن المراء في عدد أصحاب الكهف، رغم أنه أشار بلطف إلى عددهم الحقيقي، ولكنه سبحانه سرد قصتهم من باب العظة والعبرة، دون أن يكون هم المتعظ عددهم أو اسم كلبهم. إذن فإن ما يهم من موضوع الشقق المفروشة هو صلتها بقضية الممارسات غير الأخلاقية من الأشخاص الخطأ الذين يستأجرون الشقق المفروشة. أسئلة أسئلة عريضة تظلل سماء هذه القضية منها: ما الذي جعل هذا القطاع يستقبل هذه النسبة الهائلة من تجاوزاتنا التي تبدأ من جلسات الشراب وتنتهي بالقتل، ولن يفوت على هذه التجاوزات بالطبع أن تمر على رذائل أخرى لا داعي لتفصيلها؟. هل ضاقت الفضاءات الأخرى بضوابطها على أصحاب الحرام؟، فاضطروا إلى البحث عن فضاء جديد يتغاضى عن الخطأ - حتى لا نقول يشجع عليه - فكانت الشقق المفروشة أكثر تساهلاً في منحهم جواز مرور للوقوع في المحظور؟. أم أن أصحاب الشقق المفروشة هم أنفسهم ضحايا لمحتالين يتسللون إلى مخادع الشقق عبر الأوراق المزورة، وعبر علاقات ووسطاء وسماسرة يسهلون لهم الاستئجار ويكون صاحب الشقة آخر من يعلم بما يحدث؟. الجديد الشقق المفروشة وافد جديد على القطاع السياحي أو الفندقي في السودان، ولم تشتهر بصورة واسعة إلا مؤخراً، ولكنها مع ذلك أصبحت منافساً قوياً للفنادق بدرجاتها المختلفة. تضافرت عوامل عديدة لنمو الشقق المفروشة وزيادة أعدادها بصورة ملحوظة داخل العاصمة الخرطوم، وحتى في الولايات ذات الوضع الاقتصادي الجيد نسبياً مثل ولاية الجزيرة (مدني) وولاية البحر الأحمر (بورتسودان). ؛؛؛ ليس من الإنصاف تحميل الشقق المفروشة كل خطايا المجتمع ورذائله، فالخطيئة ليست بنت الشقة المفروشة، فقد تكون بنت الأسرة المتفككة، ووليدة (الشلة) المنحرفة، والصديق السوء ؛؛؛ من هذه العوامل ما يمكن تسميته بالطفرة الاقتصادية التي أسهمت في التوسع في مجال الإنشاءات العقارية، ووجود تمويل مصرفي معقول، إلى جانب الاتجاه إلى التوسع الرأسي في البناء. كما أن الشقق المفروشة أثبتت جدواها كمشروع استثماري ذي عائد مجزي وسريع لأصحاب العقارات، ويتضح هذا من واقع الزيادة الكبيرة والمطردة في عدد الشقق المفروشة بولاية الخرطوم. مزايا وفي الناحية الأخرى استطاعت الشقق المفروشة أن تقدم مزية سعرية تنافس الفنادق فيما يتعلق ب(شهر العسل) بالنسبة للعرسان، فالأسعار في الشقق المفروشة مناسبة، فضلاً على ذلك فإنها تراعي خصوصية نازليها بدرجة كبيرة قد لا تتوفر في الفندق. الشقق المفروشة تطرح خدمة لا تستطيعها الفنادق، هذه الخدمة تتمثل في أنها المكان الأنسب لأصحاب الحاجات الطارئة والملحة، مثل المرضى الذين يفدون إلى الخرطوم لإجراء الفحوصات ومقابلة الأطباء، وحالات أخرى مشابهة يمكث أصحابها بضعة أيام. الخطورة إذن ليس من الإنصاف تحميل الشقق المفروشة كل خطايا المجتمع ورذائله، فالخطيئة ليست بنت الشقة المفروشة، فقد تكون بنت الأسرة المتفككة، ووليدة (الشلة) المنحرفة، والصديق السوء. لكن خطورة الشقق المفروشة هو أنها باستطاعتها أن تتوج المجهود الذي تقوم به كل هذه الأوساط السيئة بتهيئة لحظة حاسمة وفارقة، ينعزل فيها المجرم والضحية عن عيون الشهود، وعن نظرات المجتمع الرقابية. العزلة التي تفرضها الشقق المفروشة على المجرم والضحية، شجعت أوساط أخرى لتقديم (خدمات إسناد) تتمثل في تسهيل عملية الاستئجار دون أن تكون هذه الأوساط مخولة قانوناً. ؛؛؛ حتى لا نيأس من الإصلاح، ولا يصيبنا الإحباط من الأرقام والنسب التي تحدد حجم الظاهرة فإن المعركة بين الفضيلة والرذيلة داخل الشقق المفروشة لم تحسم بصورة نهائية ؛؛؛ من الأفضل أيضاً اللجوء في هذا الموضوع الحساس إلى جهة على إطلاع بالتفاصيل، ومخول لها الحديث، وليس هذه الجهة غير رئيس اتحاد الشقق المفروشة الذي كشف في تصريحات صحفية عن وجود مائتين وثمانين مكتباً للاستئجار يعمل عشوائياً. لا يأس حتى لا نيأس من الإصلاح، ولا يصيبنا الإحباط من الأرقام والنسب التي تحدد حجم الظاهرة فإن المعركة بين الفضيلة والرذيلة داخل الشقق المفروشة لم تحسم بصورة نهائية. بل إنها لن تحسم جذرياً مهما كانت نسبة طهارة المجتمع، ومهما كان السياج التشريعي واللائحي قوياً، ولكن من الممكن جداً- علاوة على أنه من المطلوب- أن تكون الشقق المفروشة مكاناً فاضلاً إلى حد كبير. بمزيد من التشخيص للتجربة الحالية، وبضرورة الإفادة من التجارب الأخرى في ضوابط الاستئجار يمكن أن تكسب الشقق المفروشة معركة الفضيلة.