حملت القاهرة في زيارة وزير خارجيتها أحمد أبو الغيط ومدير مخابراتها عمر سليمان إلى واشنطن، ملفات عديدة تتعلق بالمنطقة، إلا أن أهمها على ما بدا كان ملف مستقبل السودان. وطرحت القاهرة، كما هو معلوم، في ذلك الصدد على الإدارة الأميركية مقترحها الخاص بإقامة نظام كونفدرالي بالبلاد. ولأن الطرح المصري جاء مفارقاً لمجريات الأمور، ولا يتناسب مع المرحلة التي وصلت إليها العلاقة بين الشريكين فقد وجد منهما الرفض، منذ إعلانه أول مرة، وكان من المتوقع، بداهة، أن ترفضه الإدارة الأميركية لأنه لا يتوافق مع أجندتها المعلومة للجميع. إلا أن إقدام القاهرة على محاولة ترويجه لدى أميركا، أثار جملة من التساؤلات، لدى المراقبين..؟! طرح فارق فالقاهرة تعلم أن موضوع الفدرالية، قد تم تجاوزه وسقط عن حسابات الشريكين، ودول المنطقة الراعية للاتفاقية، منذ وقت طويل." القاهرة تعلم أن موضوع الفدرالية، قد تم تجاوزه وسقط عن حسابات الشريكين، ودول المنطقة الراعية للاتفاقية، منذ وقت طويل " كما تعلم أن الإدارة الأميركية غير راغبة على الإطلاق، في إعاقة وتأخير عملية الاستفتاء عن موعدها المضروب، إن لم نقل استعجال قطار الانفصال بأعجل ما تيسر. وما يتيسر للإدارة الأميركية من أدوات غير خافٍ على العيان!. وتقف الجهود المبذولة من أميركا، في إعداد وتجهيز مقومات الدولة في الجنوب، شاخصة على ذلك. كما يكفي أن الجهود التي بذلها المبعوثون الأميركيون إلى السودان، على اختلافهم، انصبت كما هو واضح للعيان، في اتجاه مواصلة تنفيذ اتفاقية السلام، والعبور بها قفزاً فوق كل القضايا والمطبات المفصلية، التي يرتبط تنفيذها بإزالة العوائق أمام الوحدة، وجعلها الخيار الجاذب لجميع أهل السودان. وغير ذلك فإن القاهرة تعلم حجم الضغوط التي تواجهها الحكومة السودانية، من الإدارة الأميركية، وبصورة سافرة للعيان.. من أجل ضمان إقامة الاستفتاء في موعده، مع التلويح والتهديد بالعقوبات التي يمكن أن تفرضها على الشمال. ويقف شاهداً هنا، على هذا أيضاً، خطاب أوباما في المؤتمر الذي عقدته الأممالمتحدة حول السودان، والذي إنصب أغلبه تجاه تأنيب وتهديد الحكومة السودانية، وتحميلها مسؤولية أي تفجرات تحدث بالبلاد في حال تأخير الاستفتاء عن موعده. لقد قال أوباما، في حضور وزير الخارجية المصري، في المؤتمر الدولي رفيع المستوى حول السودان، الذي عقدته الأممالمتحدة، قال إن الاستفتاء على حق تقرير المصير يجب أن يحصل في موعده وبشكل سلمي. وقال: ''نعلم الثمن الرهيب الذي دفعه الشعب السوداني في المرة الأخيرة للحرب بين الشمال والجنوب، لقد قتل نحو مليوني شخص، والملايين شردوا، والملايين نزحوا إلى مخيمات اللاجئين، مما هدد بزعزعة المنطقة بأسرها. هذا هو الإرث الرهيب للصراع في ماضي السودان والذي يجب ألا يصير مستقبله". وأكد أن ''أحداً لا يمكنه فرض التقدم والسلام على دولة أخرى. وحدهم الزعماء السودانيون يمكنهم ضمان أن يجرى الاستفتاء وأن يدعوا السودان يجد سلامه". ودعا هؤلاء إلى احترام نتائج الاستفتاء وتجنب أي انتهاكات لحقوق الإنسان. وناشد المجتمع الدولي العمل من أجل مساعدة السودان في مجال التنمية ومساعدة شريكي الحكم على تنفيذ اتفاق السلام الشامل كاملاً. تماهي في الرؤية الوزير المصري استعرض، خلال هذا الاجتماع، الرؤية المصرية للتعامل مع الاستحقاقات المهمة التي سيشهدها السودان في غضون الأشهر القليلة المقبلة، والتي تتماهى كما سنرى مع الأجندة الأميركية لنفس الاستحقاقات في الفترة المقبلة. حيث أكد أبو الغيط أن التحرك الدولي ينبغي أن يتأسس على دعم شريكي اتفاق السلام، لإدارة الفترة المتبقية حتى موعد الاستفتاء. وكذا التوصل إلى تفاهمات تتعلق بقضايا وترتيبات مرحلة ما بعد الاستفتاء. وأكد ضرورة تضافر الجهود الدولية لدعم أية اتفاقات يتم التوصل إليها بين الشريكين، بما يضمن حفظ الأمن والسلم في مختلف أرجاء السودان وعدم العودة إلى الحرب. وتعزيز جهود شريكي السلام الرامية إلى تحديد معطيات ما بعد الاستفتاء، ويبقي على العلاقات الجيدة والتجانس بين حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبية أياً كانت نتائج الاستفتاء. شكوى مستمرة والغريب أن القاهرة، نفسها، كثيراً ما شكت من تحجيم الإدارة الأميركية، لدورها في السودان. واتهمت أميركا، من طرف خفي، بالسعي لفصل الجنوب عن الشمال، وإقامة دولة أفريقية جديدة ترعى مصالحها، وتصبح مدخلاً لتهديد الأمن القومي المصري قرب منابع النيل. " الخبراء الاستراتيجيون المصريون يحذرون باستمرار، مما أسموه، اختراق الموساد لقيادات الحركة الشعبية لتحرير السودان "ويدرج الخبراء الاستراتيجيون المصريون التحذير باستمرار، مما أسموه، اختراق الموساد لقيادات الحركة الشعبية لتحرير السودان، ويؤكدون أن نجاح قيادات الحركة في إقامة دولة في الجنوب، سيمثل تهديداً للأمن القومي المصري. وكان من الواضح، خلال السنوات الماضية، وجود حالة من انعدام الثقة بين مصر والإدارة الأميركية، خصوصاً فيما يتعلق بالقضية السودانية بكل أبعادها. يلخص د. هاني رسلان، الخبير في مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية ورئيس وحدة السودان ودول حوض النيل بالمركز، في حوار أجرته معه صحيفة المسلم في العام 2006، يلخص الرؤية المصرية للتحرك الأميركي في السودان في تلك الفترة: ما يحدث الآن في السودان منذ العام 2001 وحتى الآن، هو عملية إعادة صياغة للهياكل السياسية والاقتصادية والثقافية. وهذا سيترتب عليه أيضاً إعادة صياغة للهوية السودانية، واللاعب الرئيس في هذه المسألة هو الولاياتالمتحدة الأميركية، التي تحدد المجرى الرئيس لكل العمليات السياسية تقريباً التي تحدث في السودان الآن. والتدخل الأميركي، في السودان، منذ تعيين أول مبعوث رئاسي وهو جون دانفورث في سبتمبر 2001، قبل أحداث 11 سبتمبر بأسبوع واحد فقط، كان هدفه المعلن المساعدة على إنهاء الحرب الأهلية. لكن السياسة الحقيقية كانت منطلقة من أن استخراج النفط وتصديره، سوف يمنح نظام الإنقاذ مزايا استراتيجية هائلة ستؤدي إلى انتصاره في الحرب الأهلية ضد الحركة الشعبية لتحرير السودان. ومن ثم سوف يطبق أجندته على كل السودان وبالتالي يجب التدخل في هذه اللحظة قبل أن يختل التوازن الاستراتيجي في ميدان المعركة. بالقطع على هذه المسألة من هنا جاءت مهمة دانفورث وبدأت عملية التسوية السياسية، التي استجاب لها نظام الإنقاذ وهذا أدى إلى عكس المسار الذي من المفترض أن يسير فيه السودان، نحو التكامل بين مكوناته المختلفة، إلى تكريس التجزئة بين هذه المكونات، ووضع حدود وفواصل بينها. وهو الأمر الذي يرى الخبير المصري أنه سوف ينتج عنه تجزئة السودان من الداخل، إلى عدة كيانات يسهل إدارتها والسيطرة عليها. مع الحفاظ على الوحدة الشكلية للسودان لتسهيل استغلال هذه الموارد، وفي نهاية المطاف يتم ربط السودان ككل بمنطقة القرن الأفريقي وشرق أفريقيا، تحت المظلة الاستراتيجية الأميركية. وعزل مصر من الجنوب وأفرقة السودان من الناحية الثقافية، وجعله يميل إلى الهوية الأفريقية على حساب الهوية العربية، من خلال تغذية نظرية المركز والهامش. نوبة صحيان.. ورفض أميركي! ورغم ذلك أعلن وزير الخارجية المصري في واشنطن، أنه طرح عدداً من الملفات الإقليمية، في مقدمتها الأوضاع بالسودان، وتقدم بمقترحات محددة بهذا الشأن، إلا أنه رفض الإفصاح عن فحواها للصحفيين. " الرفض الأميركي على المقترحات المصرية، فيما يخص القضية السودانية، جاء واضحاً لا لبس فيه، وربما قصدت الإدارة الأميركية، أن تعلن موقفها منه في حضور أبو الغيط وعمر سليمان "إلا أن الرفض الأميركي على المقترحات المصرية، فيما يخص القضية السودانية، جاء واضحاً لا لبس فيه، وربما قصدت الإدارة الأميركية، أن تعلن موقفها منه في حضور أبو الغيط وعمر سليمان. إذ قال فيليب كراولي، المتحدث باسم خارجيتها، إن واشنطن ترفض الاقتراح المصري بتأسيس نظام كونفدرالي بين شمال السودان وجنوبه، مشيراً إلى أن اتفاقية السلام بين الشمال والجنوب تنص على حق شعب الجنوب في تقرير مصيره. وأضاف كراولي: إن التاسع من يناير هو اليوم الذي سيقرر فيه الجنوبيون مصيرهم. رد فعل القاهرة على هذا الموقف الأميركي القاطع، جاء دبلوماسياً بالمرة، وعلى لسان الناطق باسم خارجيتها حسام ذكي الذي قال إنه لا يوجد خلاف رئيسي بين القاهرةوواشنطن، مشيراً إلى أن الطرفين يريدان سلاماً واستقراراً في السودان، شمالاً وجنوباً، وعقد الاستفتاء بشكل سلس يتسم بالشفافية، ويؤدي إلى نتائج تكون مقبولة من الجميع. فما الذي جعل القاهرة تستيقظ فجأة، وتشعر بخطورة انفصال الجنوب، وتدفع بهذا المقترح، الذي يجتاز الجدار الأميركي الذي يحكم تحركاتها في البلاد، وكأنها كانت لا تعلم ما يخطط لجنوب السودان في الأجندة الأميركية والدولية؟. تصريحات أبو الغيط، للجنة الشؤون العربية والخارجية والأمن القومي بمجلس الشورى المصري، تعبر كما حللتها وسائل الإعلام المصرية عن قلق مصري مما أسمته، أبعاد المؤامرة الأميركية الإسرائيلية لتقسيم السودان إلى دويلات. واعتبرتها خطوة ذكية قد تجهض هذه المؤامرة، إذا وافق عليها الشمال والجنوب. وأبرزت وسائل الإعلام المصرية محاسن الكونفدرالية، وقالت إنها تضمن أن يتم حسم قضايا ما بعد تقرير مصير الجنوب في أجواء سلمية وفي إطار دولتين ضمن السودان الموحد وليس دولتين منفصلتين تماماً، حيث سيكون هناك سياسة خارجية ودفاعية موحدة مع استقلال في الشؤون الداخلية وهو أمر سيحمي السودانيين سواء في الشمال أو الجنوب من عواصف كثيرة. واعتبرت أن المقترح المصري يشكل دعماً صريحاً للسودان، في مواجهة الضغوط والابتزازات الأميركية، والتي كان آخرها قيام أوباما في مطلع نوفمبر بتجديد العقوبات المفروضة على الخرطوم. واهتمت أغلب الصحف الصادرة بالقاهرة، الأسبوع الماضي، بتناول التقارير الصادرة عن مواقع إخبارية غربية تكشف عن تعاون بدأ ينشط مؤخراً، بين أجهزة المخابرات الأميركية والإسرائيلية والفرنسية، لتنفيذ مخطط يهدف إلى تقسيم السودان إلى ثلاث دويلات، ورسم خريطة جديدة لتلك الدولة العربية. ويبرر الخبير المصري هاني رسلان تأخر التحركات المصرية تجاه السودان وترددها بقوله: السياسة المصرية لا تمارس دورها بطريقة قوية ولكن عبر مناورات سياسية، لأن لها مصالح مع الولاياتالمتحدة الأميركية، ولا تريد أن تصطدم بها من أجل الملف السوداني. خاصة أن مصر في المرحلة الحالية لديها قناعة أن الملف السوداني معقد ويحتاج التدخل فيه إلى تخصيص موارد هائلة، والقيادة السياسية في مصر ربما لا تريد أو غير قادرة على تحقيق ذلك في المرحلة الحالية. وهذه رؤية القيادة السياسية، وهذا لا يعني أن هذه الرؤية صحيحة لكن هذا هو ما حدث. مواقف متناقضة والمتابع للتعاطي المصري مع اتفاقية السلام السودانية بذاتها، يجد أن الاستراتيجيات التي تحكم التعامل المصري مع مطلوباتها، جعلت من هذا التحرك غير مفهوم بالمرة. ويتناقض في كثير من الأحيان، خاصة في المحكات الكثيرة التي مر بها تنفيذ الاتفاق. " المتابع للتعاطي المصري مع اتفاقية السلام السودانية بذاتها، يجد أن الاستراتيجيات التي تحكم التعامل المصري مع مطلوباتها، جعلت من هذا التحرك غير مفهوم بالمرة "ومن لا يذكر الدعم القوي الذي تقدمه مصر، على صعيد إقامة المؤسسات والبنيات التي ستقف عليها دولة الجنوب الوليدة. هذا غير الدعم المعنوي لفكرة استقلال جنوب السودان عن الحكومة المركزية، والذي اتخذ أشكالاً مختلفة ومتعددة، أبرزها الاتفاقيات المشتركة. المعلن منها وغير المعلن. بالإضافة إلى ارتكان مصر إلى مواقف حيادية، لا تتناسب مع مكانتها ومخاوفها، في أصعب الأوقات التي مرت بها الاتفاقية، وعملية الشراكة. وهو ما جعلها تظل صامتة إزاء تصاعد التعبئة والخطاب الانفصالي لقادة الحركة الشعبية، حتى وإن كان ذلك الخطاب قد انطلق من محافل ومنابر مصرية. والغريب أنها التزمت بدور المراقب الذي يستمع أولاً، لكي يفهم ويدرس، قبل أن يتحرك. وقد كانت على هذا مستمعاً جيداً للغاية.. وهو ما تستحق الإشادة عليه ، إلا أن تحركها هذا، الذي انتظره الناس طويلاً، جاء متأخراً للغاية. فقد قال أمين عام الحركة الشعبية باقان أموم، عقب مباحثات الشريكين الأولى، في القاهرة إن السودان بوضعه الحالي غير موفر لشروط الحرية والمساواة للجنوبيين. لذلك "سيجدون حريتهم في الانفصال خاصة في ظل المشاريع المطروحة من البعض لحكم البلاد". وأوضح أموم أنها تؤمن بسودان جديد ووحدة طوعية عادلة ومنصفة وتعمل على الترويج لهذه الوحدة ولكن على أسس محددة، وأضاف: "ليست وحدة على أساس علاقة بين الفارس والحصان". وقال إن وحدة مثل هذه مرفوضة منهم وسيحاربونها حتى لو قاد ذلك إلى انفصال الجنوب". ورأى باقان أن الوحدة ليست قيمة مجردة وإنما هي وحدة بين بشر متساويين. وعبر في هذا الإطار عن سعادته بفشل الحركة في فرض الوحدة، كما تراها في برامجها ورؤاها، على البلاد عبر السلاح. ذلك لأن مشروع الوحدة ليس خاصاً بحركته، ويجب أن تعمل على إنجازه كل القوى السياسية السودانية. وأشار باقان أنهم في هذا الإطار عملوا ويعملون على بلورة إجماع وطني، من أجل البحث عن القواسم المشتركة للعمل معاً على تحقيق هذا الهدف، والمشروع الذي يملكه الجميع. وأضاف أن هذا كان وسيظل منهج الحركة الشعبية في العمل على تحقيق الوحدة. وفيما يخص الاستفتاء طالب باقان بعدم الخوف من الاستفتاء ونتائجه، لأنه حق ديمقراطي يتاح للمواطن في الجنوب بعد حملة من كافة القوى السياسية لإبراز أهمية وجاذبية الوحدة. واعتبر أن إجراءه في غاية الأهمية لأنه يعطي للجماهير حق أن تقرر ماذا تريد، وأضاف: "الاستفتاء ربما ليس هو الأفضل لكنه مهم لتجنب الحرب". خاصة في ظل غياب مشروع وطني يعطي إشارات مطمئنة وإيجابية لمواطن الجنوب ومؤكداً على استحالة فرض الوحدة أو الانفصال على أحد بالقوة، لأنها ستواجه بالسلاح؟ غزل مبكر ما قاله باقان كان جرس إنذار مبكراً للقاهرة كي تتحرك، خاصة بعد فشل الورش التي دعت الطرفين إليها، إلا أنها اختارت، فيما يبدو، أن تدفع الشريكين بدلاً من العمل على حل الخلافات، إلى طرح قضايا ما بعد الاستفتاء. أي أن القاهرة، كما عبرت تصريحات مسؤوليها بعد الورشة، اهتمت بحسم قضايا واستحقاقات ما بعد الانفصال!.. وهو ما يقودنا إلى ما يهم القاهرة في هذه الاستحقاقات تحديداً.. وما تعتبره مصالحها الحيوية في السودان؟. طرح الأمين العام للحركة الشعبية، في ندوة بمركز البحوث والدراسات العربية والأفريقية، بحضور مفكرين وإعلاميين مصريين، تصوره الخاص لمشروعاً وحدوياً بين دول وادي النيل، يمتد ليشمل بعد مصر والسودان كل دول حوض النيل. واصفاً هذا الطرح بأنه ليس عملاً دبلوماسياً.. بل مشروعاً يملك حيثيات هامة، لأنه يخدم مصالح الشعوب في المنطقة. كما أكد باقان أموم في مؤتمر صحفي عقده بالقاهرة صباح نفس اليوم، أن حصة مصر من مياه النيل لن تتأثر بانفصال جنوب السودان، إذا اختار مواطنوه ذلك. موضحاً أن شمال السودان وجنوبه سيجلسون في حال إقرار الانفصال، للاتفاق حول كيفية تقاسم حصة البلاد المقررة من موارد النهر بحسب اتفاقية مياه النيل. الهروب إلى الأمام غير أن الوفود الحكومية السودانية إلى القاهرة، حملت أكثر من مرة، دعوات متعددة لمصر أن تتدخل لدى أصدقائها في الحركة وفي أميركا، لدعم عملية وحدة السودان، ودعم حتى خيار الكونفدرالية.. التي اكتشفت مؤخراً أنه الأنسب لتحقيق مصالحها ومصالح البلاد. " الوفود الحكومية السودانية إلى القاهرة، حملت أكثر من مرة، دعوات متعددة لمصر أن تتدخل لدى أصدقائها في الحركة وفي أميركا، لدعم عملية وحدة السودان، أو حتى خيار الكونفدرالية " وشهدت القاهرة، عقب تفجر أزمة الجنائية الدولية، وفداً يضم نافع علي نافع، إبراهيم عبيد، رياك قاي، سامية أحمد محمد، وبعد لقاء سريع جمع الوفد مع المسؤولين المصرين، سافر نافع مباشرة إلى تونس. إلا أن لقاء بقية الوفد مع الصحافيين، في ندوة أقامها مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، كشف هدف الزيارة، والذي عبّر عنه حينها، من دون بقية الوفد، رياك قاي أمين قطاع الجنوب بالمؤتمر الوطني حين قال صراحة: "نريد من مصر أن تساعدنا وتتوسط بيننا والأميركان.. حتى نفهم ماذا يريدون منا؟.. وأضاف: خاصة وأن العهد الذي تستطيع فيه التعامل مع قضاياك بمعزل عن النظام العالمي الجديد انتهى!". وواصل قاي ليقول: "إن تطوير العلاقات بين جنوب السودان ومصر.. لا يجب أن يصبح مدخلاً لتهديد وحدة البلدين!؟". كشف د. نافع علي نافع، في تصريحات للصحافيين في الجامعة العربية، بعد جولة من المباحثات، قام بها وفده في القاهرة، مع مسؤولين مصريين في مقدمتهم الوزير عمر سليمان وصفوت الشريف الأمين العام للحزب الحاكم. كشف عن تفاهمات بين الطرفين حول طريقة التعامل مع دعم وحدة السودان واستكمال سلام دارفور. وقال إن الاجتماعات خلصت، فيما يخص دعم الوحدة، إلى الاتفاق على مزيد من الرؤى المفصلة، والمقترحات المحددة لتحقيق ذلك، وأوضح "اذاً لا يكفي أن تحدد هدفك، ولكن الأهم تحديد كيف يتم تحقيقه". موضحاً أنه قد دار حول هذا الأمر تحديداً حوار كثير خلص إلى "أننا في كل المستويات في الأجهزة التنفيذية والحزبية في الدولتين نحتاج أن نخرج من طور التنظير العام في هذه الأهداف التي أصبح متفق عليها إلى طور الخطط التفصيلية حول كيفية تحقيقها. وهو ماسنعكف عليه على المستوى الحزبي والرسمي فى البلدين، وسوف نتشاور مع كل دول الإقليم في هذا العمل المشترك، لتحقيق وحدة السودان التي تهمنا جميعاً. كما تحدث نافع، في مؤتمر صحفي عقده المؤتمر الوطني بالقاهرة، حول الزيارة ومخرجاتها فقال: "نحن كأعضاء في الحزب الحاكم والدولة نشعر بحاجة كبيرة إلى التركيز على تحقيق وحدة السودان، وعلى استكمال سلام دارفور، وعلى التفرغ الكامل من بعد ذلك لطفرة تنموية كبيرة في السودان. ولذلك كان لابد من تحقيق هذه الأهداف من التشاور مع القيادة المصرية، الرسمية والسياسية. وحشد وتوحيد الجهود من أجل بلوغ هذه الغايات. وأضاف ليست هناك بالقطع قضية تشغل بال أهل السودان، والإخوة في مصر. والإقليم ككل وربما العالم مثل قضية تحقيق وحدة السودان. ولذلك كان التركيز على وسائل تحقيق هذه الوحدة، ولعل الإجماع على أن هذه القضية تستحق أن تكون قضية يبذل فيها جهد ضخم جداً سياسياً ودبلوماسياً وإقليمياً ودولياً. ويصل نافع إلى المطلوب من مصر على المستوى الداخلي والخارجي: إن هذه الحملة لابد ألا تكون فقط سودانية محضة، لكننا نريدها أن تكون حملة إقليمية ودولية، لأن الذي يترتب عليها يهم الجميع. ثم حملة دبلوماسية وغيرها لتحقيق هذا الهدف. رمال متحركة وجاءت أوقات كثيرة أمن فيها الكثيرون، أن مصر تعد نفسها، بالفعل، للتعامل مع دولة جديدة، في وادي النيل والمنطقة. ورشحت أنباء عن مساعٍ مصرية لاحتواء هذه الدولة بإدخالها في منظومة العمل العربي الجامعة العربية، باعتبارها مراقباً في البداية. " المفكر والكاتب المصري فهمي هويدي، أيد التصريحات التي كان قد أدلى بها وزير الخارجية السوداني علي كرتي، عن ضعف دور مصر في السودان وتواضع معلوماتها عن تعقيدات الحياة السياسية بالسودان " بل ذهب البعض إلى أبعد من ذلك، حين اعتبر أن الجهود المصرية الساعية لإنشاء رابطة لدول الجوار العربي، كانت تهدف بالأساس لاحتواء هذه الدولة بالأساس، حتى لا تقع تحت سيطرة دول أخرى بالمنطقة. كثيراً ما تخرج الانتقادات للمواقف والتحركات المصرية تجاه السودان، من داخل النخب الفكرية والسياسية المصرية. فقد أيد المفكر والكاتب المصري فهمي هويدي، في مقال له بالشروق المصرية، أيد التصريحات التي كان قد أدلى بها وزير الخارجية السوداني علي كرتي، عن ضعف دور مصر في السودان وتواضع معلوماتها عن تعقيدات الحياة السياسية بالسودان. واعتبر أن هذا الضعف ليس اكتشافاً جديداً لكرتي أو رأياً شخصياً، بل رأى أي مهتم بالشأن السوداني في مصر. وتساءل عما إذا كان وضع مصر في السودان نموذجاً للغيبة أم الغيبوبة، ورأى أنه من تجليات الإخفاق في السياسة الخارجية المصرية. ونعود من بعد كل ذلك لنعيد طرح السؤال: ما الذي جعل القاهرة تحس بأنها تقف على رمال متحركة، وتدفع بمقترحها الأخيرة، في كل الاتجاهات؟. ربما كان من وراء ذلك، كما يقول مراقبون، رغبتها بالدفع بالورقة الأخيرة التي بقيت في جعبتها، خشية حدوث المحتوم في يناير. وربما أيضاً، كما رأى آخرون، أنها محاولة لاستباق انتقادات كثيفة متوقعة للدور المصري، في السودان، إن لم يأت الاستفتاء مؤكداً على وحدة البلاد. وربما اكتشفت القاهرة مؤخراً، ما نجهله نحن كسودانيين، أهمية ومحاسن أن تظل البلاد موحدة.. في عالم يزداد توحداً وتجانساً. وضرورة العمل من أجل ذلك، دفاعاً منها أولاً عن مصالحها وأمنها القومي، حتى ولو أدى هذا إلى مناطحة الأجندة الأميركية والاستعمارية في المنطقة.