لجان مقاومة النهود : مليشيا الدعم السريع استباحت المدينة وارتكبت جرائم قتل بدم بارد بحق مواطنين    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    جامعة ابن سينا تصدم الطلاب.. جامعات السوق الأسود والسمسرة    من رئاسة المحلية.. الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع يعلن تحرير النهود (فيديو)    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    بحضور عقار.. رئيس مجلس السيادة يعتمد نتيجة امتحانات الشهادة السودانية للدفعة المؤجلة للعام 2023م    إعلان نتيجة الشهادة السودانية الدفعة المؤجلة 2023 بنسبة نجاح عامة 69%    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    احتجز معتقلين في حاويات.. تقرير أممي يدين "انتهاكات مروعة" للجيش السوداني    هجوم المليشيا علي النهود هدفه نهب وسرقة خيرات هذه المنطقة الغنية    عبد العاطي يؤكد على دعم مصر الكامل لأمن واستقرار ووحدة السودان وسلامة أراضيه    منتخب الشباب يختتم تحضيراته وبعثته تغادر فجرا الى عسلاية    اشراقة بطلاً لكاس السوبر بالقضارف    المريخ يواصل تحضيراته للقاء انتر نواكشوط    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أبعاد اجتماعية للنزاع الإثني بجنوب كردفان
نشر في شبكة الشروق يوم 30 - 11 - 2010

في التاسع من يناير من العام القادم سيقف السودان كله برهة حتى يسترد أنفاسه من مسيرة أكثر من 50 عاماً أعقبت الاستقلال، كان لأبناء القوميات المكونة للدولة الفتية ملاحظات جوهرية عليها أدت لحمل السلاح.
وكان لابد من التوقف من أجل تصحيح المسار، بل إن هذا التوقف جاء متأخراً وبضغوط دولية وإقليمية ومحلية عديدة الشيء الذي يجعلنا ربما لا نستطيع التحكم في نتائجه إلا بجهد جهيد وضبط النفس ووزن الأمور بميزان الحكمة.
ولعله من أهم دواعي هذا الانضباط أن يقوم استفتاء جنوب السودان في موعده المحدد دون أي عراقيل مع الاستعداد النفسي والذهني للقبول بنتائجه مهما كانت حتى نجنب بلادنا ما لا تحمد عقباه إلى جانب الظهور أمام العالم بمظهر الأمة التي تحترم تعهداتها.
هذا إلى جانب الإيفاء بالمشورة الشعبية لجنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق كما يجب عدم الاستهانة بملاحظات أبناء تلك الولايات حول طبيعة تطبيق بروتوكولات المنطقتين والإصلاحات المطلوب إدخالها على نظام الحكم في المرحلة القادمة.
من الجانب الآخر على أبناء المنطقتين خصوصاً جنوب كردفان ألا يرفعوا سقف التوقعات لدى المواطنين إلى ما فوق المتفق عليه لأن ذلك لن يتحقق ولن يصلح وقوداً لحرب أخرى يمكن أن يتم كسبها مع أنها سوف تخلف خسائر لا داعي لها.
والتوقعات التي أعنيها هي حديث بعض المثقفين من المحسوبين على الحركة الشعبية من أنهم باتوا ينظرون للمشورة الشعبية على أساس أنها حق تقرير مصير.
بيع الطير في الهواء
يقول الشاعر أمل دنقل
حدود الممالك رسمتها السنابك
والركابان ميزان عدل تميل مع السيف حيث يميل
وكل إنسان طبعاً يسمي حربه عادلة لا لشيء سواء أنها حربه هو، وكذا أمل دنقل ينظر للركابان التي رسمت أمجاد العرب الغابرة أو العابرة بأنها ميزان عدل، وربما تكون في نظر الآخرين غير ذلك.
لكن الشيء المهم أن حدود الدول والقوانين التي تحكمها تكون بلا معنى دون سلطة تحميها وتنفذها بالقوة الجبرية أو التلويح بها، وكذلك المفاهيم العدلية والحقوقية التي تحكمت في صياغتها القانونية توازنات القوة العسكرية.
ولذلك حينما كانت الصفة الغالبة على الحروب أواسط القرن التاسع عشر وحتى قبيل منتصف القرن العشرين هي أنها حروب خارجية.
وكانت مدلولات مصطلح حق تقرير المصير تشير أو تعني حق الشعب في تقرير مصيره من الاستعمار الأجنبي.
حروب داخليّة
لكن تقريباً ببزوغ شمس ستينيات القرن العشرين كانت الحروب الخارجية قد طوت راياتها وغادرت الجيوش الأجنبية كل صقع في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية.
"
الحروب الداخلية بتوازناتها فرضت تعديلات على الصياغات القانونية القديمة والتي كما قلنا قد فرضتها هي الأخرى توازنات قوة عسكرية مختلفة
"
لتفتح المجال لحروب داخلية ربما تكون بتشجيع من سادة الأمس الذين لم يكونوا كلهم قد وطنوا النفس على ترك الأراضي التي استحلبوها عسلاً في حلقوهم فظهر الصراع بين مكونات الأمة الواحدة والتي اكتشفت أنه ما كان هناك شيء يوحدها سواء كراهية المستعمر.
الحروب الداخلية بتوازناتها فرضت تعديلات على الصياغات القانونية القديمة والتي كما قلنا قد فرضتها هي الأخرى توازنات قوة عسكرية مختلفة.
لذلك يكون بلا جدوى التحجج بالصياغات الفنية القانونية لأنها ليست منزلة وإنما فرضها أناس لا يميزهم الورع والتقوى وتوخي العدل بشكل مطلق.
وإنما لأنهم ببساطة يستطيعون أن يفعلوا ما فعلوا لذلك عرفت مفاهيم حقوق الإنسان ومن ضمنها حق تقرير المصير طريقها إلى الأدب القانوني كما يقول فاروق أبو عيسى.
وقد ظهرت بصياغتها الجديدة والتي تشمل حق القومية المعينة أن تحدد عما إذا كانت تريد أن تعيش في إطار الدولة الأم أم أنها تريد الاستقلال.
وذلك بعد أحداث يوغسلافيا والتي هللنا لها جميعاً لأنها تحمل خلاصاً لمسلمي البوسنة من انتهاكات عصابات الصرب العنصرية.
وما كنا ندري أنها سوف تفتح الباب لمطالبات أخرى انداحت حلقاتها حتى وصلتنا في أفريقيا كما يقول الراحل عبد الخالق عن الحجر الذي ألقى به لينين في مستنقع الرأسمالية.
توازن القوى العسكرية
هذا هو حق تقرير المصير منذ أن عرف طريقه للأدب القانوني في الميثاق العالي لحقوق الإنسان، وفي العهدين الدوليين بعد نهاية الحرب.
وأورده لينين في الأدب السياسي عن القوميات، مشيراً بذلك إلى حقيقة عسكرية جديدة في توازن القوى العسكرية الذي أعقب الحرب الأولى.
والذي يمكن أن تصدر عنه تشريعات مختلفة كما ورد في أحداث يوغسلافيا وكما وافق عليه التجمع الديمقراطي المعارض في مقررات أسمرا للقضايا المصيرية، وكما ورد في اتفاقية نيفاشا.
ولا معنى له أن يرد في بروتوكول جنوب كردفان تحت مسمى "المشورة الشعبية" والتي تعني مشورة شعب الولاية حول رؤيته فيما جرى من تطبيق للاتفاقية والإصلاحات الواجب إدخالها على نظام الحكم ومستوى الخدمات والتنمية وإشراك المواطنين في الحكم.
والخروج على هذا التفسير يعني جر الولاية لحرب جديدة لن تأخذ مسار حرب الجنوب إذا قدر للأوضاع أن تنفجر بين الدولتين إذا اختار الجنوب الانفصال أو الاستقلال.
ومع ذلك تظل لأبناء الولاية مطالبهم العادلة باعتبارهم قد حرموا من التنمية والخدمات والتي انحصرت في نطاق ضيق من السودان الوسطى النيلي.
كما أنهم مثلوا في السلطة المركزية بل حتى في ولايتهم تمثيلاً لا يتناسب مع عدد السكان، ولا مع إسهام الولاية في الناتج القومي.
ولا حتى مع تكوين الشعور القومي المتمثل في عطاء فرقة النوبة الغربية و"بلوك ستجي وخمسجي" والتي لعبت دوراً مهماً في إزكاء الإحساس بالوطنية السودانية من خلال البلاء الحسن للعساكر النوبة في شرق السودان ومؤخرة الجبهة في القاهرة وفي طبرق وقبرص وقيادة سلاح الهجانة بالخرطوم.
نزاع حول ملكية الأرض
لا يستطيع كائن من كان أن يقلل من أهمية الاختلافات الاثنية والعرقية بين المجموعات النوبية التي تسكن جنوب كردفان، وبين المجموعات المنحدرة من أصول عربية.
"
الغلبة في معظم أرجاء ولاية جنوب كردفان للإسلام والذي عرفته المنطقة من قبل تأسيس دولة سنار، على أيدي ملوك تقلي المنحدرين من الشمال
"
كما لا يستطيع أيضاً كائن من كان أن يقلل من أهمية الاختلاف بين تلك المجموعات بل وسكان الولاية عموماً وأهل الشمال النيلي والوسط على الأقل في إطار جدلية المركز والهامش، هذا إلى جانب وجود معتبر للاختلاف الديني.
ولكن من خلال تجوالي في تلك الأصقاع أستطيع أن أقول إن الوجود المسيحي منحصر في جنوب الولاية وإن الغلبة في معظم أرجاء الولاية للإسلام والذي عرفته المنطقة من قبل تأسيس دولة سنار، على أيدي ملوك تقلي المنحدرين من الشمال.
وعليه أستطيع أن أقول إن التناقض الديني ليس هو العامل الأساس في نزاع جنوب كردفان، على عكس جنوب السودان.
وإذا أصبح السودان دولة إسلامية صرفة فإن مسيحيي الولاية يمكن أن يعاملوا معاملة غير المسلمين في العاصمة ويمكن مراعاة حقوقهم ليس وفق نيفاشا أو دستور السودان الانتقالي ولكن وفق الآية 42 من سورة المائدة.
(فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ ۖ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا ۖ وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ).
لكن للنزاع في جنوب كردفان أبعاد اجتماعية جعلتها علاقة المركز بالهامش تبدو وكأنها نزاعاً أثنياً، وتلك قيمة لابد من عزلها عن تداعياتها المختلفة والنظر إليها في ذلك البعد حتى يمكن تكوين وعي حقيقي بها.
وأهم تلك الأبعاد هي البعد المتعلق بالنزاع حول ملكية الأرض والذي تتحكم فيه عدة مفاهيم مثل المزاعم المؤسسة للملكية والمفاهيم التي خلفتها الزراعة الآلية، إلى جانب نزاع المزارعين والرعاة، الذي يسهم فيه طابع الحياة بعرض السافنا من الأطلنطي إلى الهندي.
ويعتبر نزاع السودان مركزه إلى جانب أن السودان يشكل مركز نزاعات أخرى هي صراع القرن الأفريقي والبحيرات لذا فإن استقرار السودان يتوقف عليه ليس فقط استقلال أفريقيا ولكن استقرار ذلك القطاع بعرض الكرة الأرضية.
مزاعم تؤسس لملكية الأرض
حينما زرت اللواء معاش عابدين إسماعيل أحد أعيان قبيلة النوبة الصبي في منزله بالدلنج لأخذ إفادته حول النزاع حول ملكية منطقة الفرشاية الواقعة غرب المدينة قال لي ضاحكاً إن الشاب الذي أنتقدني على صفحات صحيفة أجراس الحرية وهو من قبيلة الحوازمة هو ابن أخت السيد عابدين، فاحترت في أمري وهنا تدخل أحد أعيان قبيلة البرقد وهو الذي أصطحبني إلى منزل عابدين وقال لي إن كل الحوازمة أمهاتهم من النوبة الصبي.
وترجع القصة إلى أنني قمت بإجراء تحقيق صحفي حول اشتباكات حدثت في المنطقة بين قبيلة البرقد والمعاليا راح ضحيتها عدد من الأفراد تحت عنوان: جنوب كردفان جنون الإبل ومسارات الذخيرة، فتصدى لي أحد أبناء قبيلة الحوازمة دار بخوتة وفنّد آرائي، وذلك لتعلق النزاع بالعلاقة بين الحوازمة دار بخوتة والنوبة الصبي.
اعتقادات محلية
فالبرقد يعتقدون أن هنالك جهة في المنطقة قد أتت بقبيلة المعاليا التي تسكن في جنوب دارفور بغرض المناصرة، والأصابع تشير إلى الحوازمة مما قاد إلى جدال حول ملكية المنطقة، والتي يصر العمدة الضاي عمدة دار بخوتة على أنها دار قبيلته وأن القبائل التي تسكنها تقع في نطاق عموديته.
"
النزاع في جنوب كردفان له أبعاد اجتماعية جعلتها علاقة المركز بالهامش تبدو وكأنها نزاعاً أثنياً
"
في حين تعتبر قبائل البرقد والهوسا وغيرها أن الحوازمة وافدون للمنطقة مثلهم مثل بقية القبائل، وأن الأرض أصلاً ملك للنوبة الصبي، وأن عمودية دار بخوته هي أصلاً عمودية رحل.
وهنا كان لابد للنوبة الصبي أن يتدخلوا في الصراع خصوصاً وأنهم قد تضرروا من وجود قبيلة المعاليا التي يتبادل الجميع الاتهامات حول مقدمها للمنطقة.
ويقولون إنها قبل نزاعها مع البرقد كانت قد دخلت في نزاع مسلح مع النوبة الصبي وأن هذه القبيلة في أقل من عام كانت قد أشعلت المنطقة وامتد تأثيرها إلى الجبال الشرقية، وتخصصت في سرقة الإبل.
وقد فشلت السلطات المحلية عدة مرات في أن تصل إلى زعيم هذه القبيلة من أجل عقد مجالس الصلح ودفع الديات والذي تم مؤخراً في منطقة الحمادي وسوف أعود إلى هذا النزاع الذي يحمل دلالات تتعلق بالأداء الوظيفي للدولة.
الحوازمة ترعى الصلح
ورغم أن قبيلة الحوازمة تنكر علاقتها بالمعاليا بل إن "الأمير بقادي ناظر عموم الحوازمة قد لعب دوراً مهماً في الوصول إلى الأمير تمساح زعيم المعاليا وهو الذي رعى الصلح والذي أقيم في منزله على طرف الحزام الرملي بالحمادي.
لكن يبدو أن تلك القبائل لها أدبياتها في التعامل مع بعضها البعض حيث لعب النوبة على كرت الملكية خصوصاً بعد تعرض زعيمهم لحادث سطو على طريق الدلنج الفرشاية مصحوباً بتوجيه إهانات لا تليق بزعيم.
حيث أعلنوا أن الأرض من الفرشاية حتى منطقة الشوشاية التي تشكل الحد الفاصل بين دار الحوازمة ودار البديرية، ومن الناحية الإدارية تشكل الحد الفاصل بين ولايتي جنوب كردفان وشمالها هي ملك للنوبة الصبي وأن الشوشاية هذا هو في الأصل جدهم، وتلك الأرض تشمل كل أرض قبيلة الحوازمة.
هذا الزعم جاء رداً على زعم آخر للحوازمة يقول إن النوبة أصلاً سكان الجبال وإن حدودهم هي حدود ظل الحجر، في حين أن العرب هم أهل السهول منذ قديم الزمان.
والحوازمة يقولون إنهم لا يعرفون غير هذه الأرض التي خلقوا عليها، لكن النوبة يقولون إن الحوازمة أتوا في تاريخ معين، وأنهم قد سكنوا هذه السهول وفق عهود ومواثيق تآخي أبرمت بين كل من بيوت النوبة وآخر من بيوت الحوازمة وأن جد العمدة الضاي زعيم الحوازمة دار بخوته قد تآخى مع بيت العمدة ترتور عمدة النوبة الصبي.
الإنجليز اهتموا بحدود القبائل
لكن مهما يكن فإن هذه القبائل قد سكنت كلها تلك الأرض قبل الاستعمار الإنجليزي وأن السلطة الإنجليزية هي السلطة الوحيدة التي اهتمت بتوضيح حدود ديار القبائل ورسمت لها خرط بذل فيها جهد وقيل أنها أودعت مبنى المديرية في الدلنج ولا مناص من اعتمادها."
السلطة الإنجليزية هي السلطة الوحيدة التي اهتمت بتوضيح حدود ديار القبائل ورسمت لها خرط
"
هذا إن وجدت، فقد علمت من أحد الموظفين بالمحلية أنها قد أنزلت من رفوفها ووضعت في صناديق وفي خلال طوافنا لم نحصل سواء على خريطة واحدة رسمها المستر هنتر مفتش الدلنج عام 1944م.
أما الطريقة التي اتبعها الإنجليز في تحديد ديار القبائل فقد اعتمدت على فتح الطريق بين الأبيض وجبال النوبة وتنظيفه من الأشجار حتى تسير مواكب الإنجليز بلا عوائق وكل قبيلة كانت تملك الأرض التي تقوم بتنظيفها حتى يصل الطريق إلى منطقة تلودي المقر الإداري للجبال وعليه كل قبيلة تعرف جيرانها من كل ناحية.
الجبال الشرقية حالها لا يختلف
أما في منطقة الجبال الشرقية فإن الحال لا يختلف عن ماهو عليه في الجبال الغربية حيث تعيش قبيلة المعاليا بنفس الطريقة مثيرة الأسئلة حول مقدمها.
ما يبرز سؤال ملكية الأرض ويظهر الخلاف هذه المرة بين قبيلتين عربيتين هما كنانة وأولاد أحميد والنزاع ليس حول ملكية الأرض التي يعترفون أنها تقع ضمن حدود مملكة تقلي، ولكن حول الإدارة وأقدمية الحضور إلى المنطقة.
كما أن هناك نزاع آخر بين أولاد علي والنوبة وانتهى بتسوية وتعويضات دفعتها الحكومة ولا يدري أحد أين ذهبت، المهم أن أهل الضحايا لم يستلموها.
وفي كل هذه النزاعات يظهر التدخل السالب للمركز أو السلطة حيث أنها تناصر مجموعة ضد الأخرى ويبدو أن الحكومة منذ عهد الإنجليز كانت تعتمد على القبائل العربية في تأديب المجموعات الأخرى الخارجة على سلطانها، كما ثبت أنها اعتمدت على الكبابيش في تأديب الفور حينما ثاروا عليها بقيادة علي دينار.
وإن وضع الإدارة بيد القبائل العربية في جنوب كردفان يبدو أنه جاء خصماً على مواثيق التآخي بين القبائل كما تعكسها حالة الحوازمة مع النوبة الصبي وحالة كنانة مع تقلي.
وهي مواثيق مكتوبة يقسم فيها المضيف أن يحمي من يقيمون في كنفه من ما يحمي منه نفسه وولده، وأن عليهم ما على أهل المنطقة.
بل إن ملك تقلي كان ينظر إلى زعماء القبائل العربية كأولاده وهم ينظرون إليه كأبيهم إلى أن جاءت السلطة المركزية وجعلتهم سنداً لها ووضعتهم فوق الجميع وأصبحوا يستمدون سلطانهم منها وليس من الأعراف القبلية، وهذه سياسة لابد من تصحيحها لمصلحة استقرار المنطقة.
وأذكر أنني قد سألت أحد سلاطين الدينكا نقوك في إحدى زياراتي للأبيض لماذا تريدون الانضمام للجنوب، فقال لي (لأن ليس لنا حكومة في الشمال تحمينا وأن الخرطوم دائماً تتدخل لصالح المسيرية في النزاع بيننا وبينهم)، في حين أن السلطة يجب أن تكون محايدة بين المجموعات السكانية التي تقع تحت إمرتها.
وهذه الأسباب يمكن أن تدفع مجموعات عديدة للبحث عن سلطة تحميها إذا عجزت الخرطوم عن ذلك، هذا إلى جانب أن تواجد السلطة في تلك الأصقاع ضعيف ضعفاً يغري بالخروج عليها حيث أن عدد أفراد الشرطة في منطقة الفرشاية التي شهدت نزاع المعاليا والبرقد والصبي لم يكن يتعدى 7 أفراد، وإن قوة الشرطة التي جاءت من حاضرة المنطقة الدلنج لم تستطع أن تقيم خطاً عازلاً بين المتحاربين وإنما اكتفت بإخلاء الجثث وارسالها لمستشفى الدلنج لتحديد أسباب الوفاة والتي جاءت حسب تقرير المعمل الجنائي أنها بسبب طلق ناري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.