ليس من السهل إقناع البشر بالتوجه لميادين القتال مالم تكون الحياة بالنسبة لهم بلا معنى، وفي جنوب كردفان كان السلام هو الاستثناء بينما الحرب تشكل طبيعة الحياة التي عرفتها الأجيال التي جاءت إلى الوجود بعد العام 1983. وكان من الواجب استبدال حياة مناطق العمليات بواقع مواتٍ للسلام والاستقرار يجعل الناس يطمعون في الحياة، وهذا مالم يحدث من خلال اتفاقية السلام. فليس مهماً معرفة من الذي تسبب في عودة القتال، ولكن المهم أنه لم يرتفع أي صوت يقنع الناس بضرورة مواصلة العملية السلمية بالاستناد إلى ماتحقق من إنجازات ملموسة تضع حداً بين تصورات النخبة التي دعت إلى القتال وحياة الناس العاديين. وفي ولاية مثل جنوب كردفان أنفق فيها وقت الاتفاقية في التشاكس بين شريكي الحكم أكثر من التفرغ لمجابهة تحديات الواقع فإن الحكم على الأداء التنفيذي من خلال الوثائق والأدبيات السياسية والإدارية يكون صعباً فيما قبل العام 2008 وما بعده. ففي السنوات الأولى من عمر الاتفاقية لم يكن تأسيس السلطة الولائية في مستوياتها المختلفة قد اكتمل، ولم يكن موجوداً منها غير الوالي ونائبه، وبعد هذا التاريخ برز الصراع على أشده بين وزارة المالية والسيد الوالي السابق، هذا إلى جانب الفساد المالي والإداري الذي كشفت عنه تقارير المراجعة العامة المركزية والولاية، راصدةً إهدار موارد تعادل في قيمتها 53 مليار جنيه وفق ضوابط مالية ومحاسبية غير سليمة. صراع حول التعداد السكاني بعد ذلك انفجر الصراع المعروف حول التعداد السكاني وتأجيل الانتخابات والمشورة الشعبية، ثم الاستعداد للانتخابات التكميلية وتجدد القتال." التقارير الحكومية هي الوثائق الوحيدة التي يمكن من خلالها الحكم على موشرات الأداء في مجال التنمية والمرافق العامة " اذاً المهلة التي وجدتها السلطة لمعالجة قضايا الناس كانت في العام 2008 حيث تمكنت الوزارات المختلفة من إيداع تقارير أدائها منضدة المجلس التشريعي وتلك التقارير تشكل الوثائق الوحيدة التي يمكن من خلالها الحكم على موشرات الأداء في مجال التنمية والمرافق العامة. ومع أن تلك التقارير حكومية ولم تتوفر لدينا معلومات من مصادر أخرى يمكن مضاهاتها بها إلا أنها تعكس واقعاً بائساً لا تستقيم معه أي دعوة لاستمرار العملية السلمية وجعل الحياة ممكنة. فإذا أخذنا بيان وزير التربية والتعليم أمام المجلس التشريعي في دورة الانعقاد السادسة عن الأداء نصف السنوي والخطة لعام 2008 مقرونة مع ميزانية نفس العام في هذا المرفق الحيوي تتبين لنا اتجاهات المستقبل في تلك الولاية. التعليم قبل المدرسي *1 في هذا القطاع استهدفت خطة الوزارة عدداً من المشاريع جاءت على النحو التالي: 1/ تدريب مرشدات رياض أطفال بغرض تحقيق عدة أهداف منها الإلمام بمشاكل الطفل، طرائق التدريب والوسائل التعليمية. وكان المشروع يستهدف إقامة 4 دورات في كادوقلي، الدلنج، رشاد والخرطوم. ورغم أن المشروع كانت قد مولته عدة جهات مثل منظمة إيقاد بالاشتراك مع محلية الدلنج ومنظمة توقيرز فور سودان ومبادرون بالاشتراك مع هاد إلا أن حجم الإنجاز الذي تحقق كان فقط 40%، أما المشروع الآخر فقد كان أقل تواضعاً وهو فتح رياض أطفال جديدة بغرض تحقيق زيادة الاستيعاب وتعاون المجتمع المحلي مع مرفق رياض الأطفال، علماً بأن المشروع كان يستهدف فتح 45 روضة جديدة في كلٍ من كادوقلي، الدلنج، رشاد، لقاوة وأبوجبيهة وقطاع اللغة الإنجليزية وأظن الإشارة إلى المناطق التي يسيطر عليها الجيش الشعبي، لكن الذي تحقق فقط 12% من حجم المشروع، والسبب يعود إلى أن التمويل ذاتي. في نفس العام استهدفت إدارة التعليم قبل المدرسي تعيين مرشدات أطفال بغرض امتصاص النقص في المرشدات، فكان الإنجاز بنسبة 4% وحتى هذه النسبة الضئيلة كانت عبارة عن 64 وظيفة جديدة شاغرة وليست جديدة تم ملؤها في كل من كادوقلي، الدلنج، رشاد، تلودي وأبوجبيهة. هنالك مشاريع لم نتوقف عندها وحاولنا أن نركز على ماهو أساسي بالنسبة للقطاع قبل المدرسي ويلاحظ أن نسبة الإنجاز ترتفع كلما كان التمويل غير ذاتي أو لا تقف خلف المشروع وزارة المالية. على كل حال نسب الأداء المتدني في التعليم قبل المدرسي تشير إلى أننا حكمنا على الأجيال التي في هذه السن وحددنا لها مسار حياتها بعيداً عن الطبيعة المدنية. وفي هذا الصدد يكفي أن نشير إلى أن الوزارة المعنية كانت عاجزة عن القيام بجولة تفقدية إلى محلية الدلنج وإتمام نفس الجولة بالنسبة لمحلية كادوقلي. مرحلة التعليم الأساسي *2 من خلال مؤشرات الأداء السالبة سالفة الذكر في التعليم قبل المدرسي يتضح أن معظم التلاميذ الذين التحقوا بمرحلة التعليم الأساسي في الأعوام التالية لم يتلقوا التعليم قبل المدرسي وهو مهم لمسيرتهم التعليمية والتي سوف تنتهي بهم إذا قدر لها الاستمرار إلى التنافس مع تلاميذ دخلوا رياض أطفال فخمة في ولايات أخرى والنتيجة واضحة. " قصور في تعيين المعلمين وإجلاس التلاميذ والإعداد والإشراف التربويين بولاية جنوب كردفان " ومع ذلك فإن مؤشرات الأداء الوظيفي المختلة تتواصل حتى في التعليم الأساسي، والذي يجيء له التلميذ بلا إعداد أو تهيئة نفسية مما يغذي إلى جانب أسباب اجتماعية أخرى حالات التسرب الصفي. حيث يتضح أنه ومن خلال جملة المشروعات التي نفذتها الوزارة أن حجم الإنجاز يصل نسبة 100% في المشروعات التي لاتحتاج إلى جهد أو صرف مالي مثل الامتحان التجريبي، ترقيات المعلمين، امتحانات مرحلة الأساس وتكريم المتفوقين، وهم متفوقون على أندادهم في نفس الولاية، لكن المشاريع التي تحتاج إلى المال مثل تعيين المعلمين حملة البكالريوس لسد النقص في بعض التخصصات ومع أن المشروع يستهدف تعيين 295 معلماً، إلا أن نسبة الإنجاز كانت 61،7%، كما أن مشروع إجلاس التلاميذ والذي يستهدف إجلاس 52،524 تلميذاً نجد أن ماتحقق 69% وحتى ذلك تم بمعاونة اليونيسيف وشركة جياد. كما أن ورش العمل برئاسة الوزارة والمحليات والتي تهدف إلى تدريب الكوادر بواقع 8 ورش قد تحقق منها فقط مانسبته 37،5%، وأيضاً الزيارات الميدانية والفنية للتأكد من سير العملية ومعالجة القصور وعددها فقط 9 زيارات قد أنجزت بنسبة 55،6%، هذا بجانب أن الاجتماعات الدورية بإدارات المحليات للوقوف على مواطن ضعف التلاميذ لمعالجتها والمقدر لها 8 زيارات قد تحققت بنسبة 62،5%. من جملة المشروعات يتضح أن هناك قصور في تعيين المعلمين وإجلاس التلاميذ والإعداد والإشراف التربويين. التعليم الثانوي *3 بهذا الإعداد المشار إليه يدخل من تبقى من تلاميذ جنوب كردفان حتى الصف الثامن إلى المرحلة الثانوية بعد 5 سنوات من الآن وهم مهما يكن يعتبرون أفضل حالاً من الذين سبقوهم والذين عاشوا في زمن الحرب وكانوا محرومين حتى من مؤشرات الأداء المتدني المشار إليها مما يوجب بذل مزيد من الجهد في التعامل معهم. فماذا أعدت الوزارة للتعامل معهم في المرحلة الجديدة. من جملة المشاريع التي أعدتها إدارة التعليم الثانوي نجد قيام الجولة الفنية والإدارية الثانية عداء القطاع الغربي والتي تهدف إلى تحقيق التوجيه الفني والإداري وتقييم الأداء، هذا المشروع استهدف 3 جولات نجد أن الإنجاز وصل فيه إلى 67% والسبب يعود إلى أن وزارة المالية لم تقم بدفع ما عليها. وكما في خطة مرحلة الأساس نجد أن المشاريع التي تجرى على فرضية ما لايتم الواجب إلا به ويمكن اعتبارها من ضمن عمل الوزارة الروتيني نجد تلك المشاريع تحققت بنسبة إنجاز بلغت 100% وذلك مثل إجراء الامتحانات وتحليل وقياس وتقويم نتيجة الشهادة الثانوبة في 75 مركزاً، هذا إلى جانب الاحتفالات والمهرجانات والأسابيع الثقافية والدورة المدرسية والجمعيات المدرسية وكلها تقع في خانة الأنشطة غير الصفية المكملة للعملية التعليمية ولكنها لاتقوم مقامها. ليست هناك إشارة إلى عدد الطلاب في مرحلة الأساس في السنوات السابقة للعام 2008 حتى تتم مقارنتها بنسبة الناجحين الذين تم استيعابهم في المرحلة الثانوية والبالغ عددهم 10،006 طالب وطالبة حتى نقف على حجم التسرب الصفي والفاقد التربوي بين المرحلتين، لكن إذا اعتمدنا عدد الطلاب الذين تم استيعابهم في مرحلة الأساس عام 2008 والذي يصل إلى 52،524 طالب وطالبة وهو عدد ربما يزيد عن عدد الطلاب في نفس المرحلة قبل 8 سنوات لظروف الحرب، ومع ذلك يظل الفارق كبيراً. في تقديري إن مشاريع الخطة في المرحلة الثانوية يغلب عليها الطابع التهريجي، إذ تخلو من الإشارة إلى ما يمكن أن نعتبره أهم جوانب العملية التعليمية وهي الكتاب والمعلم والبيئة المدرسية والتدريب والتأهيل، حيث لم تشر الخطة سواء إلى ترقية 175 معلماً. مراجع: مداولات المجلس التشريعي بجنوب كردفان جلسة الانعقاد السادسة خطة وزارة التربية والتعليم *1 إدارة التعليم قبل المدرسي *2 إدارة التعليم الأساسي *3 إدارة التعليم الثانوي