بقلم: خالد الإعيسر صحافي سوداني مقيم ببريطانيا في الثالث عشر من الشهر الجاري قرأت خبراً مفبركاً عن السودان في موقع "كومباس للأنباء المباشرة"، وهو موقع يروّج له باعتباره من المواقع الإخبارية ومقره سانتا آنا بالولاياتالمتحدة الأميركية. الموقع يقدم خدمة الأخبار الحصرية، والتقارير، والمقابلات والتحليلات، ويكرس لتحريك المواقف الدولية للتفاعل مع الأوضاع والأحداث التي تواجه المسيحيين المضطهدين عبر ساحات العالم. الخبر عن السودان جاء بعنوان "مسلمون متطرفون في السودان يهددون باستهداف المسيحيين". "كومباس" يشير في رابط فرعي (من نحن) إلى إفادات كل من بول مارشال من مركز الحريات الدينية في معهد هادسن وجون هانفورد سفير أميركا حول العالم من أجل الحريات الدينية الدولية. تقرير الحريات الدينية لم يمر إلا يوم واحد من نشر الخبر عن السودان إلا وأصدرت وزارة الخارجية الأميركية تقريرها السنوي عن الحريات الدينية في العالم، ودعت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون لدى عرضها التقرير الحكومات إلى تحمل مسؤولياتها في "خلق مناخ من التسامح". التقرير سمّى ثماني دول على القائمة السوداء للحريات الدينية هي الصين والمملكة العربية السعودية وميانمار وكوريا الشمالية وأريتريا وإيران والسودان وأوزبكستان، وهي ذات القائمة التي ظلت على حالها منذ عام 2009. ؛؛؛ وزارة الخارجية الأميركية أصدرت تقريرا سنوياً وضعت من خلاله السودان ضمن قائمة الدول التى "تثير قلقاً خاصاً" في ما يتعلق بالحريات الدينية ؛؛؛ ووصف التقرير الأميركي هذه الدول بأنها "تثير قلقاً خاصاً" في ما يتعلق بالحرية الدينية، هيلاري كلينتون حثت خلال حديثها حكومات الدول الثماني إلى بذل المزيد من الجهد للدفاع عن الحرية الدينية. استشهد التقرير بعشرة بلدان أخرى "فشلت" في حماية الحقوق الدينية هي أفغانستان ومصر والعراق ونيجيريا وباكستان وروسيا وطاجيكستان وتركمانستان وفنزويلا وفيتنام. وتضمن التقرير شرح تفصيلي لحالات القمع، والعنف ضد الجماعات الدينية وقضايا الردة ومعاداة السامية والقيود المفروضة على الزي الديني والتعبير، وأشار للسودان باعتباره دولة بها تمييز قائم على الانتماء الديني وإعطاء الأفضلية للمسلمين، والله غريب أمر هولاء الأميركان. الغرب الأكثر إساءة للحريات أليس من حقنا كمسلمين أن نتساءل في ظل هذه الازدواجية عن الحريات الدينية في أميركا وأوروبا، لا سيما وأن الدول الغربية هي أكثر الدول إساءة لحريات المسلمين وأبعدها منهجاً عن مناخ التسامح الديني. أميركا تزج بالمسلمين في غياهب سجونها السرية والمعلنة كما هو الحال مع سجناء غوانتنامو فقط لمجرد الالتحاء وارتداء الزي الإسلامي. وهي كذلك سنت قوانين وفرضت إجراءات عقابية تمنع المسلمين من جمع الزكاة والصدقات وتحويلها لاخوانهم المسلمين المحتاجين في العالم بحجج تمويل الإرهاب. أميركا هي من نشر لهيب الفتنة الطائفية في العراق، علماً بأن العراقيين عاشوا آلاف السنوات مسلمين "سنة وشيعة" ومسيحيين في تآخِ وحب بعيدين كل البعد عن المشاكل الدينية إلى أن جاءتهم أميركا فقلبت حياتهم إلى جحيم. ألا يكفي أميركا التصريح (الغبي) الذي جاء على لسان رئيسها السابق جورج بوش خلال الحرب على الإرهاب، وقوله إن الحرب التي تقودها الولايات الأميركية هي حرب صليبية على الإسلام. حادثة مدينة كادوقلي ليس ثمة مثال أبلغ للرد على هذه المزاعم الأميركية من حادثة مدينة كادوقلي في جنوب كردفان، والتي تعبر عن حقيقة التسامح الديني في السودان الذي لا يحتاج لشهادة السيدة كلينتون ولا حتى أميركا.؛؛؛ كمسلمين أليس من حقنا أن نتساءل في ظل هذه الازدواجية عن الحريات الدينية في أميركا وأوروبا، لا سيما وأن الدول الغربية هي أكثر الدول إساءة لحريات المسلمين ؟ ؛؛؛ هذه الحادثة جاءت في الاحتفال الذي نظمته ولاية جنوب كردفان بمناسبة ذكرى غزوة بدر الكبرى، التي شارك فيها وخاطبها الدكتور أزهري التجاني وزير الإرشاد والأوقاف الدينية في السودان ووالي ولاية جنوب كردفان أحمد محمد هارون إلى جانب عدد من رجال الديانات الإسلامية المسيحية في مقدمتهم الأب القمص فيلوثاوس فرج ممثل الطائفة القبطية بالسودان والأب يوناثان حماد عضو مجلس الكنائس السودانية. فيلوثاوس فرج ممثل الطائفة القبطية بالسودان أعلن خلال الزيارة في حادثة غير مسبوقة في العالم عن تبرعه "الشخصي" بمبلغ خمسين ألف جنيه سوداني (خمسة وعشرين ألف دولار) للمساهمة في تشييد مسجد كادوقلي العتيق، وقد سبقه في ذلك الدكتور أزهري التجاني ووالي الولاية أحمد محمد هارون خلال زيارة للكنسية القبطية بإعلان دعمهم المفتوح لتكملة أعمال الصيانة التي تنتظم الكنيسة ليتم افتتاح المسجد والكنيسة في مناسبة واحدة، وتلك أكبر دلالة على الإخاء وإعلاء قيم الحريات الدينية في السودان. المسلمون في أوروبا والتوجس والخوف في أوروبا لا يزال المسلمون يعيشون في حالة من التوجس والخوف والريبة بفعل السياسات الرعناء لأجهزة المخابرات على خلفية الحرب على الإرهاب وتداعياتها، وبات الكثير من المسلمين محل شك وريبة فقط لكونهم مسلمون. هل كانت أميركا بلا بصر عندما سنت الجمعية الوطنية الفرنسية قانوناً يقضي بمنع الحجاب في المدارس والمصالح الحكومية في فرنسا بحجة مناقضة الرموز الدينية لمبدأ اللا دينية المعمول به هناك، علماً بأن مبدأ اللادينية لا يعني بأي حال تحجيم دور الدين والتضييق على منتسبيه. وليس ببعيد عن فرنسا، تحديداً في هولندا، ألم تر أميركا النائب الهولندي المعادي للإسلام غيرت فيلدرز الذي سافر ليتظاهر في نيويوركبالولاياتالمتحدة ضد بناء مسجد قرب موقع اعتداءات 11 سبتمبر متعللاً بأن الولاياتالمتحدة والشريعة الإسلامية "أمران غير متناسبين" باعتبار أن نيويورك هي الحرية ويجب ألا تتحول إلى "مكة جديدة". ألا تعلم أميركا أن فيلدرز يترأس حزب الحرية الذي حل ثالثاً في الانتخابات التشريعية في هولندا، وأعلن صراحة أنه يقود "حرباً صليبية ضد أسلمة هولندا". الحريات الدينية في جنوب السودان أكثر ما لفت انتباهي في التقرير الأميريكي ليس مزاعمه عن السودان، وإنما الحديث عن احترام حكومة جنوب السودان للحرية الدينية، حيث لم ترد في التقرير أية إشارات لانتهاكات الممارسة الدينية في جنوب السودان، علماً بأن مسلمي الجنوب يعانون منذ عدة أعوام أشد أنواع المعاناة، وأبرز أوجه ذلك تمثلت في مصادرة الأوقاف الإسلامية ومنع المسلمين الجنوبيين من إدارتها بهدف تصفية الوجود المسلم بما يخالف الدستور. ؛؛؛ التقرير لم ترد فيه أية إشارات لانتهاكات الممارسة الدينية في جنوب السودان، علماً بأن مسلمي الجنوب يعانون منذ عدة أعوام أشد أنواع المعاناة ؛؛؛ ألم تسمع أميركا باعتقال رموز المجلس الإسلامي لجنوب السودان أمثال موسى المك كور وعبد السلام آدم كوكو. ألم تسمع أميركا أن هذه الاعتقالات جاءت على خلفية احتجاج مسلمي دولة جنوب السودان عقب اغتيال أمين المجلس الإسلامي الداعية (فؤاد ريتشارد) الذي أشارت أصابع الاتهام صراحة في عملية اغتياله للسلطات الحكومية الجنوبية، أليس القتل أبشع أنواع القهر؟. أين هي أميركا من الحريات الدينية فيها وفي كل من دولة جنوب السودان وفرنساوهولندا وبقية بلدان أوروبا؟