يوسف الكويليت كاتب سعودي، ورئيس تحرير صحيفة الرياض جرّب السودان كل أنواع الحكومات، يسارية شبه شيوعية، ويمينية تركض خلف الغرب، وتقلّب على السلطة أحزاب عائلية وشعبية، وانقلابيون، لكنه كان آمناً إلا من أزمة الجنوب التي استمرت لأكثر من عقدين وجرّت معها وقائع معقدة. ومع الحل التوافقي الذي حدث بين الشمال والجنوب انفجرت أزمة إقليم دارفور، وبدلاً من حسمها داخلياً حاولت جهات دولية ودول ملاصقة للسودان تأزيم الأمور وتدويلها، والسبب الرئيسي أن ثروات البلد الكبيرة تغري جميع اللاعبين على مختلف الجبهات، والمستويات. في ولاية الرئيس كلينتون ضُرب مصنع الشفاء للأدوية بتهمة أنه قائم على إنتاج أسلحة كيماوية، وثبت من التحقيقات العكس، ومع ذلك استمر العناد الأميركي باختراق أمن هذا البلد. إهانة لسلطة بلد " صدور حكم بإلقاء القبض على الرئيس عمر البشير فجّر الشعور العام الشعبي الذي اعتبر هذا الإجراء إهانة لسلطة بلد مستقل يملك حريته " وعلى الرغم من أن السلطات السودانية تعاونت بتسليم الإرهابي "كارلوس" لفرنسا، وإبعاد ابن لادن خارج السودان، وتعاوَن بشكل جدي على مكافحة أو إيواء الإرهابيين، غير أن صدور حكم بإلقاء القبض على الرئيس عمر البشير فجّر الشعور العام الشعبي الذي اعتبر هذا الإجراء إهانة لسلطة بلد مستقل يملك حريته، مما ضاعف التفاف المواطنين حول سلطتهم، ثم كانت العقوبات إحدى وسائل الضغط من قبل الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش، والتي لا تزال قائمة. ولأن أميركا أعادت حساباتها السياسية وعلاقاتها الدولية زمن الرئيس الحالي باراك أوباما، فقد بدأت تُظهر حالات انفتاح جديد على السودان بالوعد برفع العقوبات لأنها جاءت دون أسباب وجيهة ومقنعة. التنين الكبير أفريقيا التي طالما بقيت في الظل من الاهتمام الدولي، هيأت للصين فرصة دخول القارة المهملة وعلى رأسها السودان، وهو ما رفع درجات الضغط على أوروبا وأميركا معاً، لأن التنين الكبير لم يعد يعبأ بمسار السياسات الأخرى ليؤكد وجوده داخل حزام الثروات القومية غير المستغلة. وهنا صارت أزمة إقليم دارفور، ليس موضوع التقاتل بين القبائل على الزراعة والمرعى، ومحاولة فرض سلطة الدولة، وإنما بترها من جذرها السوداني لتكون إقليماً يخضع لتقاسم نفوذ الدول المتصارعة على ثرواته الكبيرة، ولإدراك مغزى المأزق صارت أميركا تدخل اللعبة من داخل الميدان الفسيح، معتبرة ما جرى من خلافات مع حكومات الخرطوم خطأ لا بد من معالجته. استثمارات كبيرة ومن المؤكد أن استقرار السودان يعني استقطاب استثمارات كبيرة، وفي ظروف حالات التصحر، وغلاء أسعار المنتجات الزراعية، والخوف من تصاعد أسعار الطاقة فإن التباشير بسد مثل هذه الثغرات من خلال إمكانات السودان الطبيعية أفرزت حساً متنامياً بأن لا يترك لتنفرد به الصين مما يعني مواجهة قوة جديدة عظمى على تقاسم الثروات ولديها الإمكانات بأن توجد مساراً مختلفاً لعلاقاتها مع بلدان الثروات غير المستغلة، أو المجمدة. أحياناً تكون المنافسات بين القوى الدولية على المصادر الحيوية، لصالح دول توضع على لوائح الضغط السياسي والاقتصادي، لأن هذه الإمكانات، وخاصة عندما تزايد عليها أطراف لا تلتقي أهدافها وتحالفاتها، يصبح أمن هذه البلدان جزءاً من أمن ومصالح تلك القوى، وهذا ما أفرزته السياسة الأخيرة لأميركا عندما وجدت نفسها بين خيارين، إما ترك السودان يبحث عن مصالحه غير مهتم بالضغوط التي تفرضها، أو تكون شريكاً مفضلاً في استغلال تلك الثروات والاستفادة منها. "نقلاً عن الرياض السعودية"