زعيم حركة العدل والمساواة الدكتور خليل إبراهيم الذي قتل في معركة بمحلية ودبندة بولاية شمال كردفان بين قواته والقوات المسلحة السودانية، كان يمثل بعلاقاته الإقليمية والدولية وبشخصيته القيادية الكارزمية وبثقله العسكري الذي يجعل قواته كبرى حركات تمرد دارفور. بكل هذه العوامل مجتمعة كان له دور كبير لا يمكن تجاهله في الحرب والسلام في دارفور، وفي حل مشكلة دارفور أو تعقيدها، وهذا ما جعل عدم مشاركته في اتفاق أبوجا (مايو 2006م) سبباً جوهرياً في قتله. غزو مسلح في العاشر من مايو 2008م فشل غزو مسلح لمدينة أم درمان قام به خليل إبراهيم، ولم يكن هنالك أدنى شكل في أنّ مثل هذا الغزو مغامرة فاشلة ومدمرة لمن يقوم بها حتى وإن موّه وإن فاجأ الأجهزة الأمنية والعسكرية والشرطية باستغلال الثغرات هنا وهناك ودخل عاصمة البلاد.؛؛؛ عملية أم درمان الفاشلة لا تضاهي بعملية الفاشر التي كان لها أثر كبير تمثل في اختلال قوات خليل لمكانتها على الأرض كقوة عسكرية لها وزنها ؛؛؛ ومحاولة غزو الجبهة الوطنية السابقة للخرطوم في العهد المايوي (2يوليو 1976م) يعيد وفي كلا الحالتين دفع الطرف المهاجم الثمن غالياً، ولكن خليل أثبت بهذا العمل أنه قوة عسكرية لها وزنها. وإن كان هذا الوزن قد تراجع كثيراً بعد الغزو لعدد كبير من رجال الصف الأول من قواته بسبب تغييره لتكتيكه من حرب عصابات (أضرب وأهرب) إلى حرب نظامية بكل ما تعنيه المواجهة العسكرية مع جيش في مثل مهنية وتمرس الجيش السوداني من نتائج كارثية على خليل وقواته وهي النتيجة التي يلمس كارثيتها العامة والخاصة وحتى وإن لم يكونوا أصحاب خلفيات عسكرية. سند دولي وعلى خلاف عملية الفاشر (25 أبريل 2003م) التي دمرت فيها حركة تحرير السودان (بقيادة مؤسسها الراحل عبد الله أبكر) ست طائرات وقتل نحو المائة من العسكريين فإن عملية أم درمان الفاشلة لا تضاهي بهذه العملية الناجحة التي كان لها أثر نفسي وإعلامي وسياسي كبير تمثل في اختلال قوات خليل لمكانتها على الأرض كقوة عسكرية لها وزنها، بينما جعلت عملية أم درمان حركةَ خليل حركةَ لها وجودها وثقلها. ولكن على نحو يقل كثيراً على ما كان عليه الأمر منذ خمس سنوات على الرّغم من أنّ عملية أم درمان كان لها سندها الدّولي (الولاياتالمتحدة – فرنسا - ألمانيا) ولها سندها الإقليمي (تشاد – ليبيا القذافي – مصر حسني مبارك – موسفيني – أسياس أفورقي) إلا أنّ نتائجها على الأرض لم تكن بحجم الدَّعم المقدم لها ولا سيما من الاستخبارات الغربية (الأميركية – الفرنسية - الألمانية) ومخابرات القذافي بالمعلومات والتسليح والتمويل. وخلال الثلاث سنوات التالية (2008-2011م) كان جهد الحكومة السودانية والوسطاء القطريين وأطراف إقليمية ودولية متعددة ولاسيما تشاد بعد تطبيع علاقاتها مع السودان منصباً على حمل خليل على الانضمام إلى مفاوضات الدوحة ولم تسفر هذه الجهود سوى عن توقيع الحركة على اتفاق إطاري مع حكومة السودان (23 فبراير 2010م) وحتى التوقيع على اتفاقية الدوحة (14يوليو 2011م) ظّل الأمر كذلك. تطورات إقليمية ولكن ما بين يوليو 2011م وديسمبر من نفس العام حدثت تطورات إقليمية في غاية الأهمية من أبرزها سقوط نظام القذافي في ليبيا (23 رمضان 1432ه/23أغسطس 2011م) ثمّ مَقتل القذافي (20 أكتوبر 2011م) واستمرار واستقرار العلاقات بين تشاد والسودان وتشكيل القوات المشتركة بين البلدين لحماية الحدود المشتركة من أي اختراقات معادية. فإذا أضفنا إلى هذه التطورات الإقليمية تطوراً يزيد عنها أهمية وإن سبقها وهو سقوط نظام حسني مبارك في مصر (11 فبراير 2011م) بحكم ثقل مصر الهائل لكونها قوة إقليمية كبرى والدولة المحورية الأهم في النظام الإقليمي العربي وبسبب عداء حسني مبارك المتحكم للسودان وتورطه في كل محاولة لزعزعة استقرار السودان بما في ذلك دعمه لخليل ولكافة الحركات الدارفورية المسلحة وحركة التمرد الجنوبية فإن الطوق يكون قد أحكم حول خليل وقواته بسبب تغير الأوضاع الإستراتيجية في المنطقة بسبب ثورتي مصر وليبيا وتطبيع العلاقات بين السودان وتشاد. في 15سبتمبر2011م عاد خليل من ليبيا بعد غير قليل من المعارك بين قواته والثوار الليبيين، فقد فيها غير قليل من رجاله مما جعله في حالة نفسية ومعنوية شديدة السوء ودخل وادي هور وظلَّ فيه حتى هجماته الذي قتل فيه (24 ديسمبر 2011م). الهجوم الاخير في التاسع عشر من ديسمبر 2011م بدأ خليل هجومه على ولايتي شمال كردفان وشمال دارفور ولكن في ظل ظروف إقليمية ودولية غير مواتية لا يعنينا في قليل أو كثير تناول تفاصيل معارك القوات المسلحة السودانية مع حركة العدل والمساواة بولايتي شمال دارفور، فالمؤرخون العسكريون هم من تناول تلك المعارك على نحو أكثر عمقاً ولكن مقتل خليل بصاروخ منطلق من طائرة وموجه بشكل دقيق يقدم المؤثر الأكثر قوة على حجم التنسيق والعمل الاستخباري الدَّاعم لهذه المعارك قتل خليل وبقيت حركته لكي تواجه أحد ثلاثة سيناريوهات:- ؛؛؛ خليل عاد من ليبيا بعد غير قليل من المعارك بين قواته والثوار الليبيين، فقد فيها غير قليل من رجاله مما جعله في حالة نفسية ومعنوية شديدة السوء ؛؛؛ 1. أن تظل متماسكة وهذا احتمال شديد الضعف سبب الطبيعة القبلية والأسرية للحركة وما يمكن أن تجره مثل الطبيعة من حساسيات وصراعات مما يتسبب في المزيد من الضعف للحركة. 2. أن تتفكك الحركة بسبب الصراعات على القيادة ما بعد خليل مما يجعلها جماعات متنافرة وليس حركة متماسكة ولاسيما أن الحركة لا تملك قيادة بديلة ومتفق عليها في حجم وقامة الدكتور خليل إبراهيم. 3. أن تدخل الحركة في مفاوضات مع حجم وقامة مضطرة وتكون في جزء من حركات متعددة شريكة في اتفاقية الدوحة. الأمر الذي يعني أن الحركة ستكون طرفاً من أطراف متعددة ليست الحركة الأهم أو الأكثر نفوذاً بكل ما يعني ذلك من تراجع كبير لدورها. ولئن حدث أحد السيناريوهين أو في الثاني أو الثالث فستكون النتيجة واحدة وهي استمرار عملية السلام في دارفور دون أي عقبات تذكر، ففي حالة تفكك الحركة فلن تكون النتيجة ذات أثر معرقل للسلام في دارفور بسبب تحولها إلى شراذم ضعيفة ومتقاتلة وعصابات نهب مسلح لها تأثير ضئيل لكونها عناصر عكننة وإرباك لا تؤثر في مسيرة السلام وقد تزعج ولكنها قطعاً لن تضر. ولئن حدث السيناريو الثالث أي قبول الحركة بالسلام اضطراراً فإنَ من أهم نتائج هذا الاضطرار عدم امتلاكها لأي أوراق ضغط لعدة أسباب يمكن إجمالها فيما يلي:- 1. شكلت معارك شمال دارفور وشمال كردفان ضربات قاتلة لن تتعافى الحركة من آثارها في المستقبل المنظور وهي ذات نتائج أسوأ من النتائج الكارثية لمعركة أم درمان (10مايو 2008م) الأمر الذي يجعلها شديدة الضعف وغير قادرة على خوض أي معارك في المستقبل القريب. 2. القوة الحقيقية على الأرض لا الدعاية الإعلامية هي التي تقرر الوزن الحقيقي للحركات والجماعات المسلحة وهذا ما لا تملكه الحركة في الوقت الحالي مما يجعلها لا تملك ورقة الضغط العسكري. 3. وعلى المستوى السياسي فإنّ انهيار الحركة عسكرياً وفقدانها لقواعدها في دول الجوار بسبب التطورات التي تناولناها آنفاً لا تسمح لها بالمناورات السياسية أو بالتعنت لعدم مقدرتها على التلويح بالخيار العسكري إذا انهارت مفاوضات السلام. 4. الحرب هي الاستخدام المنظم للقوة بفرض إدارة الأطراف المنتصرة على الأطراف المهزومة ومن ثّم فهي عمل سياسي يتطلب تحديد الهدف الذي من أجله نشبت الحرب وهذا ما لا تملكه الحركة بعد انهيارها عسكرياً وسياسياً. لكل هذه الأسباب مجتمعة فلن يكون في وسع الحركة سوى محاولة تحسين شروط التفاوض للحصول على مكاسب كان من الممكن أن تحصل على أضعافها إن قبلت بالتفاوض في كامل قوتها وتماسكها قبل انهيارها. ولكن ثمة حقيقة لا لبس ولا جدال فيها ستجعل مستقبل السلام في دارفور يخطو بقوة نحو طي صحيفة الحرب وإعادة وإعمار دارفور وتحقيق السلام الشامل في دارفور وعلى مستوى الجوار الإقليمي وهذه الحقيقة تتمثل في أن أيَاً من هذه السيناريوهات سيقود إلى المفاوضات وإلى السَلام.