نشرت دار الهادي للطباعة والنشر – بيروت – في العام الماضي 2011م كتاباً بعنوان: (انفصال جنوب السودان والصراع العربي الإسرائيلي) طبعة أولى، ويحتوي على 151 صفحة، الكتاب بقلم الأستاذ عبد القادر أحمد حسن إدريس. تناول الكاتب الصراع العربي الإسرائيلي والدور الذي لعبته إسرائيل في تفكيك السودان إلى دويلات. وقال إن الجذور التاريخية والأبعاد الحقيقية لقضية السودان أنها لم تكن في واقع الأمر سوى تركة ألقاها عن عمد الاستعمار البريطاني على كاهل الشعب السوداني، بعد أن جثم على صدر البلاد ما يزيد على نصف قرن، مخلفاً وراءه الرجعية والتخلف والحرمان وفقدان الثقة. ؛؛؛ الاستعمار خلق مشكلة الجنوب ورعاها ومازالت القوى الإمبريالية إلى وقتنا الراهن تغذيها وتنميها لتفتيت وحدة شعب السودان ؛؛؛ الاحتلال وأثره على الجنوب الاستعمار خلق مشكلة الجنوب ورعاها ومازالت القوى الإمبريالية إلى وقتنا الراهن تغذيها وتنميها لتفتيت وحدة شعب السودان، وتمزيق تراث البلاد، كما عملت هذه القوى على تصعيد مشكلة الجنوب لتجعل منها مشكلة سياسية في الوقت الذي لا يعدو أن تكون فيه أكثر من مسألة حضارية. اهتم الكاتب بالجانب التاريخي والسياسي لنظام الحكم في السودان، خاصة فترة الاستعمار، وذكر أن السياسة البريطانية إبان احتلال السودان كانت تعمل جاهدة منذ وقت مبكر لفصل جنوب السودان عن شماله، وكانت تستعمل الهيئات التبشيرية كأداة لخدمة ذلك الهدف، وأصدرت من التشريعات والقوانين ما قيدت به حرية الحركة وأصبحت بموجبه كثير من المناطق في جنوب السودان مناطق مغلقة، ولم يقف الخطر عند هذا الحد، بل تعداه لدرجة أن قبائل العرب الرحل منعت وطردت من الرعي في تلك الأجزاء من الوطن. وأضاف المؤلف: "من جهة أخرى فقد أسهمت بعض الأحداث والعوامل بجنوب السودان في تشويه وإبراز مشكلته في صورة تختلف تماماً عن حقيقتها، وأهم هذه العوامل أن السياسات التي كان ينتهجها الاستعمار البريطاني لفصل جنوب السودان عن الشمال كخلق وضعية وكينونة خاصة وبذر بذور الفرقة والكراهية بين أبناء الوطن الواحد. الدور الوطني ظلت الحكومات والطبقة الحاكمة والمستنيرة من أبناء الشعب تعي وتتابع أن هناك مؤامرة يحيكها المستعمر في الخفاء ترمي إلى الإيقاع بين الشمال والجنوب. ومنذ الوهلة الأولى عملت حكومة الشمال على نشر العربية في مدارس الجنوب بوصفها القائم على أمر البلاد، إلا أن هذا الأمر جوبه بالرفض والمحاربة من قبل المستعمر البريطاني، كما تم منع تعليم اللغة العربية والديانة الإسلامية، كما تم منع أي نشاط ذو صلة بالعروبة والإسلام في المناطق والبلدان الجنوبية. ؛؛؛ حكومة الشمال عملت على نشر العربية في مدارس الجنوب بوصفها القائم على أمر البلاد، إلا أن هذا الأمر جوبه بالرفض والمحاربة من قبل المستعمر ؛؛؛ إلا أن ذلك لم يثن الحكومة ولم ينل من عزمها في تنفيذ برامجها الرامية في المقام الأول إلى تعليم أبناء الجنوب بوصفهم مواطنين سودانيين لهم حق التعليم كما للشماليين حق التعليم سواء بسواء. وأسهم هذا الحراك بمرور الزمن في توعية الكثير من أبناء الجنوب وتبين لهم زيف ادعاء المستعمر وخبث نيته وسعيه الدؤوب للتفريق بين أبناء الوطن الواحد عبر برامج ومشاريع غايتها الاستقطاب العكسي لفئة معينة ضد فئة أخرى. وكان للحراك السياسي دور فعال أيضاً، فقد لعبت الأحزاب السياسية والهيئات الوطنية على نطاق واسع في توعية الموطنين من أبناء الوطن الواحد شماليين وجنوبيين والتفافهم حول قضاياهم الوطنية وهدفهم المشترك وهو النهوض ببلدهم. الحركة وتقرير المصير بالرغم من تفهم أبناء الجنوب لنوايا الاستعمار إلا أن هناك فئة ممن تشربوا بالمسيحية وتمنهجوا على الثقافة الغربية رأوا في الشمال العربي المسلم الخطر القادم والعدو الذي تجب مجابهته. فكان أن تبلورت فكرة النزاع المسلح والخروج عن الطوق العروبي الإسلامي الذي يرونه خطراً على ثقافتهم ونمط حياتهم. بالإضافة إلى اتساع الهوة بين الشمال المسلم والجنوب المسيحي وتمثلت في التميز والأفضلية التي حصل عليها ابن الشمال من تعليم نوعي ومؤهلات جعلته يشغل وظائف إدارية في الدولة وهو مالم يتحصل عليها قرينه ابن الجنوب، مما أثار حنق الكثير من أبناء الجنوب الذين عملوا على ترسيخ وتكريس مبدأ تقرير المصير. إن ما وقعت فيه الحركة الشعبية حسب ما ذكر المؤلف أنها لم تدرك حقيقة المؤامرة الخافية وراء مبدأ تقرير المصير الذي أقر ضمن بنود اتفاقية نيفاشا والذي تشبثت به ونظرت إليه كأنه طوق النجاة والسلم الذي تصل به إلى ما تريد. الانفصال عن الشمال إن الفترة الزمنية التي أمضيت فيها الاتفاقية بين حكومة الشمال وشريكتها الحركة الشعبية وهي من 2005م وإلى مطلع 2011م في رأي المؤلف مثالية وكافية لمناقشة القضايا العالقة بين الطرفين والتي جوهرها مبدأ تقرير المصير. ؛؛؛ الحركة الشعبية كانت تضمر سلفاً للانفصال والاستفراد بحكم جنوب السودان، لذلك استمرت طيلة فترة شراكتها في الحكم في المشاكسة والمعاكسة ؛؛؛ ولكن ما يدعو للأسف أن الحركة الشعبية كانت تضمر سلفاً انفصال جنوب السودان عن شماله والاستفراد بحكم جنوب السودان، لذلك استمرت طيلة فترة شراكتها في الحكم في المشاكسة والمعاكسة والتنازع لتجد الذريعة للجوء لورقة الانفصال. وفي تلك الفترة والظروف الدقيقة والحساسة وضعت الحركة الحكومة بين خيارين لا ثالث لهما، وهما إما اللجوء للغابة وإعلان الحرب على الشمال أو قبول انفصال الجنوب عن الشمال. مما اختلق المشاكل ووضع العقبات أمام حكومة الشمال وتحريض الجنوبيين الذين يعيشون مع إخوتهم في الشمال على الكراهية وافتعال المشاكل. مشكلة الحركة الشعبية في اعتقاد المؤلف أنها تعاملت مع قضية السودان ذلك الوطن الكبير تعاملاً تجزيئياً وقسمته لأقسام وتعاملت على أساسها، أنتم شماليون ونحن جنوبيون، أنتم عرب ونحن أفارقة، أنتم مسلمون ونحن مسيحيون، والمحصلة النهائية أن لا قواسم مشتركة بين شعب واحد وليذهب كل على حاله. وجاء الانفصال الذي لم تحسب له الحركة الشعبية حساباً ولم تلتفت لعواقبه المترتبة حالياً ومستقبلاً فهي لا تمتلك مقومات الدولة. إن غاية ما حققته الحركة الشعبية هو الانفصال السياسي ولن تستطيع أبداً أن تعمل على تحقيق الانفصال الاجتماعي بين الشمال والجنوب. إسرائيل وحكومة الجنوب وأشار المؤلف أيضاً إلى أنه لم يعد خافياً أن إسرائيل عملت ومازالت تعمل منذ عقود على ترسيخ أقدامها في دول حوض النيل وما جاورها من دول، فمنذ نهاية الخمسينات كان الاهتمام الإسرائيلي بدول وسط وشرق أفريقيا. وكان اهتمام إسرائيل بدول الجوار السوداني أوغندا وكينيا وأثيوبيا وتشاد، بوصف السودان البلد العربي ذو العمق الأفريقي والأهمية الاستراتيجية، وبالتالي فإنه لابد من تطويقه بهذه الدول وتعكير أجواء العلاقة بينه وبين جيرانه بهدف شل حركته وتضييق مساحة الحركة أمامه لئلا يصل إلى العمق الأفريقي ويكون له وجود وتأثير فعلي هناك. وقال الكاتب من المعروف أن إسرائيل لا تكل ولا تمل من إثارة الفتن والنزاعات وتشويه الحقائق وتزوير الوقائع، فهي مازالت تطمع في إزاحة التلاحم والترابط الناشئ بين العرب وأفريقيا. وذلك بهدف إزالة التلاحم والترابط التاريخي بين العرب وأفريقيا لبناء دولة إسرائيل الكبرى من - الفرات إلى النيل - التي تستدعي قيامها ويضمن استمراريتها افتعال المؤامرات والدسائس والتفريق بين الشعوب وإثارة النعرات الطائفية والعنصرية. انفصال الجنوب والنظام الدولي من ضمن ما جاء في هذا الكتاب القيم عن انفصال الجنوب هو أن قضية جنوب السودان أصبحت فيما بعد مشكلة وقضية للابتزاز والضغط على حكومة الشمال بهدف تقديم تنازلات، والانصياع للإدارة الصهيوأميركية عن طريق تدويلها ومشكلة دارفور واستخدامها كورقتين للضغط على حكومة السودان وسد الخيارات أمامها. ؛؛؛ إسرائيل اهتمت بدول الجوار السوداني بوصفه البلد العربي ذو العمق الأفريقي، ولابد من تطويقه بهذه الدول وتعكير أجواء العلاقة بينه وبين جيرانه ؛؛؛ وقال المؤلف إن الولاياتالمتحدة تلعب بنفوذها داخل المنظمات الدولية والاقتصادية ذات الطبيعة الإمبريالية دوراً هاماً في توليد التبعية، كما أنها تستخدم علاقتها الخاصة بساحات العالم الثالث لتدوير هذه الآليات مثل التدخل في شؤون السودان (الجنوب ودارفور) تحت عناوين إنسانية. ومن المعلوم أيضاً أن الولاياتالمتحدة الأميركية مازالت تبحث عن ميادين جديدة لتطبيق سياستها الانتقائية، وكانت آخر هذه الساحات هي الأممالمتحدة وما يسمى بالشرعية الدولية. وما يجري اليوم في العالم العربي يحدث مع غياب تام للمؤسسة الدولية وهيئاتها التي أضحت في أحسن الأحوال منظمة العلاقات العامة وإصدار القوانين الورقية، ومحفلاً للشجب والإدانة والاستنكار فقط لكل ما تقوم به إسرائيل وأميركا من تجاوزات وتعديات. اعتبر المؤلف أن انفصال جنوب السودان عن الوطن الأم بغض النظر عن التفاصيل والأسباب خسارة كبرى لكلا الطرفين الشمال والجنوب، ذلك أن الانقسام يحمل في طياته جميع أنواع التخلف والنقصان والعزلة وتبديد الجهود وذهاب الطاقات، هذا فضلاً عن فقدان الثقة لكلا طرفي الانقسام. وقد تساءل المؤلف هل جنوب السودان هو البداية لتفكيك وتفتيت هذا القطر القارة؟، موضحاً أن قضية وتداعيات انفصال الجنوب أصبحت قضية الأمة العربية لأنها استهداف من القوى الإمبريالية العالمية بقيادة أميركا وإسرائيل لتفتيت الوطن العربي وإذلال شعوبه. السودان القطر القارة وذلك لترامي أطرافه، إذ تحده تسع دول – ولتعدد أثنياته وثقافاته وهو يمثل تحدٍ كبير لمن يحكم هذا البلد، والذي يجب أن يتوافر في من يحكمه سعة الأفق ورحابة الصدر وصفة العدالة والنزاهة التي تمكنه من احتواء الكل بمختلف أمزجتهم وثقافاتهم وميولهم، هذا فضلاً عن العلم والمعرفة بأقاليم هذا البلد وما يصلح لمكان دون آخر من تنمية وخدمات وإعمار. الدور العربي مطلوب وبما أن التحدي كبير فإننا نحتاج إلى قدر كبير من الاستشعار بحجم الخطر الذي يتهدد كيان الأمة العربية ووجودها واستقرارها وما احتلال العراق الشقيق بذريعة محاربة الإرهاب وأسلحة الدمار الشامل، وحصار غزة، واستهداف وحدة لبنان والتدخل في الشؤون الداخلية لدول عربية وتأسيس قواعد عسكرية إلا دليل على أبعاد هذه المؤامرة الكبرى التي يتعرض لها العالم العربي من المحيط إلى الخليج. ؛؛؛ ثقافة تشتيت الجهود والتشويش الفكري والذهني الذي تمارسه أميركا وإسرائيل ضد العرب باختلاق الأزمات وبث روح الفتنة والانقسام بهدف خدمة مصالحها ؛؛؛ إن المشكلة التي تواجه العالم العربي اليوم هي أن إسرائيل لا تفرق بين السودان وموريتانيا أو مصر واليمن أو غيرها من الدول العربية بعكس نحن الذين نميز بعضنا عن بعض على أساس الأهمية الاقتصادية والقرب أو البعد الجغرافي مما جعلنا صيد سهل لدولة إسرائيل وغيرها وجعلها تستفرد بالدول كل على حدا متى ما تشاء وكيفما تشاء. هذا الوضع غير المتوازن يقتضي من دول العالم الثالث، وما يعرف بدول الشرق الأوسط خاصة الدول العربية أن تبحث عن حلول ومخارج لأوضاعها التي باتت لا تحسد عليها، فارتهان القرار للخارج والدوران في فلك الدول العظمى والخضوع لإملاءاتها التي انعكست سلباً على أوضاع المواطنين مما جعلها تضيق ذرعاً بحكامها ورؤسائها الشيء الذي تسبب في قيام ثورات هنا وهناك يتطلب من حكام الدول العربية تراجع سياساتها وتستمع إلى صوت جماهيرها. فقد أصبح المواطن العربي غير قابل لدفع المزيد من الفواتير مقابل هذه العلاقة غير المتوازنة مع بلده وقوى الاستكبار العالمية أميركا وحلفائها. إن ثقافة تشتيت الجهود والتشويش الفكري والذهني الذي تمارسه أميركا وإسرائيل ضد العرب باختلاق الأزمات وبث روح الفتنة والانقسام بهدف خدمة مصالحها، هذه الأساليب وغيرها ينبغي أن تواجه في بلادنا بمزيد من الانتباه والوعي.