يقول المثل: (كل ما هو ضروري لانتصار الشر أن يقف أخيار الرجال موقفاً سلبياً). ويبدو أن هذا المثل له علاقة واضحة بالأزمة السورية طالما أن العالم لا يقوم بفعل شيء، وبالطبع فإن المفردات تتقافز إزاء هذه الأزمة وهي مفردات من شاكلة "الكارثة"، "حافة الحرب الأهلية"، " كآبة الوضع"، والشجب والإدانة يُطلقان ولكن لا يبدو أن واحدة من هذه المفردات والإدانات تعين على الانتقال من خانة الكلمات غير المُجْدية إلى العمل الإيجابي. وفي الوقت الذي يعترف فيه العالم بالمذبحة الأخيرة في سوريا مذبحة القبير تجدنا جميعاً نتساءل أين سيحدث حمَّام الدم القادم. جرّاح سوريا ولكن كأننا مثل طيورٍ تشقشق على أحد الأعمدة وتقول "ياله من رجلٍ سيء" في الوقت الذي تجثم فيه هذه الطيور مرتاحة على هذا العمود. ؛؛؛ بشار الأسد شبّه أفعاله بالعملية الجراحية وقال عندما يكون الطبيب في غرفة العملية يستأصل وينظف ويبتر فهل نقول له يديك ملطخة بالدم؟ أم نشكره على إنقاذ المريض ؛؛؛في يوم الأحد الموافق 3 يونيو شبَّه بشار الأسد الطبيب البشري أفعاله بالعملية الجراحية وذلك في خطابٍ وجهه إلى البرلمان السوري حيث قال: (عندما يكون الطبيب الجرَّاح في غرفة العملية يستأصل وينظف ويبتر الأعضاء في حين أن الجرح ينزف، فهل نقول لهذا الطبيب إن أيديك ملطخة بالدم؟ أم أننا نشكره على إنقاذ المريض؟). وما يجعل مثل هذه الكلمات أكثر إثارة للحنق والغضب هو أن الجراحين السوريين الأصليين في حمص مثل أولئك الجراحين التابعين لمؤسسة "إيد على إيد من أجل سوريا" وهي مؤسسة خيرية مقرها بالمملكة المتحدة تقوم بتقديم العون الطبي لسوريا يتعاطون دون كلل أو ملل مع الحوادث المدنية التي تسببها قوات الأسد. لقد سبق للدكتور موسى الكردي أن خاض تجربة تدريس بشار الأسد عندما كان الأخير طالباً في الطب، لذا عندما نجلس معاً مع دكتور موسى الكردي نتجاذب أطراف الحديث عن الصراع، تجد الكردي صريحاً وهو يصف بشار الأسد ب"الهُولة" أي الحيوان المخيف. ويعتقد الكردي اختصاصي أمراض النساء السوري المقيم في بريطانيا أن ما يشهده العالم الغربي يعكس فقط نسبة ضئيلة مما يحدث. فراغ سياسي لقد شاهد الكردي الأعمال الوحشية في بابا عمرو وهو يرى أن أية مقارنة بين نظام الأسد والأنظمة الأخرى في المنطقة تعتبر مقارنة زائفة إذ يقول: (هذا النظام نظامٌ غريب من نوعه، فبادئ ذي بدء يحاول الأسد وضع كل الأقليات الدينية بجانبه وهو يضغط على العلويين لدعم نظامه ويعمل على تحويل الوضع إلى صراعٍ طائفي لم يكن حادثاً أبداً. ؛؛؛ النظام السوري غريب من نوعه، يحاول وضع كل الأقليات الدينية بجانبه وهو يضغط على العلويين ليحول الوضع إلى صراعٍ طائفي ؛؛؛ ثانياً يقوم باستخدام التعذيب ضد النساء والأطفال لا بغرض الاستجواب فقط بل لمجرد التلذذ بالعقاب لما يواجهه من تحدي. وثالثاً ينكر النظام إنكاراً فاضحاً هذه الأعمال الوحشية ويلقي باللوم على المتطرفين والجهاديين والقاعدة). ويعتقد الكردي أنه تم الوصول إلى تقاطع طرق سياسية حيث يجب علينا أن ندرس ماهية ما سيحدث في اليوم الذي يعقب سقوط نظام الأسد؟ فهذا السؤال ضروري ويجب أن يُجاوب قبل ابتدار أي عمل فوري. فالخوف من جانب الغرب ينبع من أنه سيكون هناك فراغ سياسي سيملؤه المتطرفون من دون تردد، ويقترح الكردي مجابهة التهديد المحتمل من قبل هذا التطرف الذي يعقب نظام الأسد بتكوين جسم جديد يمثل كل اللاعبين الرئيسيين من كل الطوائف واعتماد سياسة شاملة لكل السوريين ما عدا أولئك الذين تورطوا في أعمال القتل أو الفساد. البديل النيابي التمثيلي ويقول الكردي إن على المجلس الوطني السوري أن يقرر طريقة لتمثيل كل السوريين في مؤتمر قومي لسوريا، ويرى أن تبنى سياسة شاملة للسوريين ستكون لها نتائج إيجابية عميقة وأنها ستطمئن المنطقة والعالم على أن الفترة المؤقتة التي تعقب سقوط النظام ستكون ذات طابعٍ سلمي وتعاوني لا طابع عنفي وفوضوي. ؛؛؛ البديل النيابي التمثيلي. وهناك أيضاً فكرة خاطئة شائعة فحواها أن الانتفاضة السورية يمكن أن تطيح بالنظام من تلقاء نفسها ؛؛؛ ويقول إن هذا سيُبطل قدرة المتطرفين على استغلال الفراغ السياسي أو الأمني. فالمقترح هو أن المجلس الوطني السوري سيقوم بتشكيل مؤتمر قومي لسوريا بتمثيلٍ من المجلس الوطني السوري والمجموعات الناشئة على الساحة والجيش السوري الحر والمعارضة الداخلية وكل الأقليات الدينية والعرقية علاوة على المفكرين. سيمثل هذا المؤتمر القومي لسوريا برلماناً لفترة مؤقتة قدرها 18 شهراً أو شيئاً من ذلك، وستكون له قدرات وظيفية كأنْ يختار الحكومة القومية الانتقالية ويقرر الإعلان الدستوري للفترة المؤقتة ويشرف على الانتخابات العامة لأعضاء البرلمان وللرئيس القادم، هذا فضلاً عن الوظائف الأخرى. فهناك بديلٌ معقول وهو البديل النيابي التمثيلي. وهناك أيضاً فكرة خاطئة شائعة فحواها أن الانتفاضة السورية يمكن أن تطيح بالنظام من تلقاء نفسها. ولكن الكردي يصرِّح بشكل قاطع فيقول: (هذه ليست مصر، ففي مصر كان الجيش يقف بجانب المتظاهرين، فالجيش المصري لم يقتل الناس كما هو الحال في سوريا). ويسأل الكردي: (لماذا يقف العالم متفرجاً؟) ولا أدري يقيناً ما إذا كان سؤاله موجَّهاً لي أم إلى جمهور قرائي وما إذا كان سؤالاً تقريرياً أم طلب به الإجابة. لماذا يقف العالم متفرجاً إذن؟ ربما أن مزيج عوامل كثيرة منها غياب الفهم وتجرد الحرب من الإنسانية ومجموعة كاملة من الأسباب التاريخية التي تمخضت عن خوف من سوء الفعل قد أدت الآن إلى التقاعس عن العمل. ومع ذلك فهناك شيء مؤكد وهو أن هذا التقاعس والتسويف المُقعِد من جانب المجموعة الدولية والإقليمية الذي يجعل "أخيار الرجال لا يفعلون شيئاً" ويجعل "هذا الشر ينمو" يجعل الدم على أيدينا جميعنا.