يمكن النظر إلى تجربة الصين الاستثمارية في السودان باعتبارها عينة مجهرية تمكننا من معرفة نتائج أي تحالف اقتصادي لأي دولة مع دولة مثل الصين. في العام 1984م أوقفت شركة شيفرون الأميركية العملاقة وبدون مبررات مقنعة، أعمالها في السودان بعد عشرين عاماً من النشاط التنقيب. وكانت شيفرون قد أعلنت في العام 1981م، عن اكتشافها للنفط في السودان، بتقديرات مخزون تجاري في حدود 236 مليون برميل. وأكدت تلك التجربة أن الاستثمار ليس حركة اقتصادية فقط بل خليط من المجالات السياسية والاقتصادية. رغم العلاقات القديمة والمتجذرة بين أوروبا وأميركا من جانب وبين المنطقة العربية من جانب آخر، إلا أن المنطقة ظلت ترزح في التخلف الاقتصادي والتقني، ولم تنل من تقدم أوروبا وأميركا الاقتصادي والتقني شيئاً يذكر، غير أنها بقيت سوقاً استهلاكية لما تنتجه المصانع الأوروبية والأميركية من بضاعة مزجاة. الحضارة العريقة والحقيقة الشاخصة أن الانفتاح على الصين صاحبة الحضارة العريقة و(المبرّأة) من النزعة الاستعمارية والاستغلالية والدعم المرتبط بأجندة سياسية تعتبر طريقاً سليماً ومعبداً ورؤية استراتيجية يمكن أن تؤتي ثمارها. ففي السودان تدفق البترول لأول مرة بدون "شيفرون" الأميركية أو "بريتش بتروليوم" البريطانية. آخر توقعات صندوق النقد الدولي تشير إلى أن حجم اقتصاد الصين سيتجاوز بحلول العام 2016 نظيره الأميركي من حيث تعادل القوة الشرائية. وترى العديد من المؤسسات البحثية الدولية أن الاقتصاد الصيني أصبح عملياً ومنذ العام 2010، الأول في العالم وهذا ما أكده الباحث الاقتصادي أرفيند سوبرامانيان من معهد برينستون الأميركي، في حين اعتبرت دراسة أجراها مؤخراً الخبير الاقتصادي في جامعة كاليفورنيا روبرت فينسترا، أن الزعامة الاقتصادية العالمية ستنتقل إلى الصين في العام الحالي 2014م. انفتاح أوروبا " الغيرة الأميركية تجاه الصين تبدت في حديث الأكاديمي الأميركي فرانسيس فوكوياما أهم مفكري المحافظين الجدد، الذي قال إن النظام الصيني سينهار بسبب فقدان قنوات الاتصال بين قمة الهرم السياسي والقاعدة الجماهيرية " رغم أن أووربا كانت قد نحت منحىً إيجابياً تجاه الصين، وقد أشار خبراء في المجالين الاقتصادي والدبلوماسي إلى أن الصين قد دخلت أفضل فترة للاستثمار في الأسواق الأوروبية، خاصة وأن أوروبا تتميز بأنها كثر انفتاحاً مقارنة بأميركا. بيد أن الولاياتالمتحدة ما زالت تشعر بالخوف، وربما الغيرة تجاه الصين. والصين بدورها تلوم الإعلام الأميركي الذي ترى أنه يستهدفها، ولعل الغيرة الأميركية تبدت في حديث الأكاديمي الأميركي فرانسيس فوكوياما أهم مفكري المحافظين الجدد، الذي قال إن النظام الصيني سينهار بسبب فقدان قنوات الاتصال بين قمة الهرم السياسي والقاعدة الجماهيرية. ويرى مؤلف كتاب (نهاية التاريخ والرجل الأخير) أن الصين دولة مركزية قوية، تاريخياً استطاعت أن تقود نمواً اقتصاديا مستمراً، ويعود لها الفضل بأداء رائع في السنوات الثلاثين الماضية، لكن غياب آليات المحاسبة يجعل البلاد معرضة لما أسماه "مشكلة الامبراطور السيء". العملاق الصيني مسيرة تاريخية حافلة وجهود معاصرة مضنية شكلت الصين كقوة اقتصادية وسياسية، دولية مؤثرة.. هناك معدل نمو قياسي فاق كل المعدلات المعهودة، وتحولت الصين إلى عملاق يمكن أن يغير موازين القوى التي تشكلت وبرزت عقب الحرب العالمية الثانية 1939 - 1945، التي غيرت الخارطة السياسية والعسكرية والبنية الاجتماعية في العالم، وقد ارتفعت في العقدين الماضيين مكانة الصين الدولية وتأثيراتها بصورة واضحة. المعلومات "الجيو - سياسية" للصين تبين مقوماتها باعتبارها دولة عظمى؛ حيث يبلغ إجمالي مساحة يابستها 9.6 مليون كيلومتر مربع، وأكثر من 18 ألف كيلومتر من خطوط السواحل البرية، وأكثر من 4.7 مليون كيلومتر مربع تقريباً من مساحة المجال البحري التي تكثر فيها موارد طبيعية. تحادد الصين 14 دولة وست دول عبر البحار، وهي تأتي في المركز الثالث من حيث المساحة في العالم، فيما يبلغ عدد السكان أكثر من مليارين و347 مليوناً و350 ألف نسمة (بدون مقاطعة تايوان ومنطقتي هونغ كونغ وماكاو الإداريتين الخاصتين)، فهي أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان. موارد الطاقة " معيشة الشعب الصيني تحسنت باستمرار، وازداد دخل المواطنين في المدن والأرياف بثبات، وتجاوز عدد العاملين الجدد في المدن والبلدات عشرة ملايين شخص " وتحتل موارد الطاقة المائية الصينية المركز الأول في العالم، التي تصل إلى 680 مليون كيلوواط تقريباً. كما أنها من الدول التي تحوز أكثر أنواع الحيوانات البرية في العالم، وفي الصين جميع أنواع النباتات في نصف الكرة الشمالي، وموارد المعادن فيها وفيرة بجميع أنواعها، ففيها أكثر من ألفي نوع من الحيوانات الفقارية البرية تحتل 9.8% من مثيلاتها في العالم. أما من الناحية الاقتصادية فقد تجاوز مجمل الناتج الوطني 40 تريليون يوان _ أكثر من 6.7 تريليون دولار - بزيادة 9.2% عن العام السابق. وتجاوزت استثمارات العقارات في المجتمع كله 30 تريليون يوان - أكثر من خمسة تريليون دولار -. وتحسنت معيشة الشعب باستمرار، وازداد دخل المواطنين في المدن والأرياف بثبات، وتجاوز عدد العاملين الجدد في المدن والبلدات عشرة ملايين شخص. وبلغت نفقات البحوث والتنمية في العام كله 861 مليار يوان _ أكثر من 143.5 مليار دولار - بزيادة 21.9% عن العام السابق، واحتلت 1.8% من مجمل الناتج الوطني. السوق الجاذبة ووفقاً لإحصاءات رسمية تقول الصين إنها حافظت خلال العام الماضي 2012 على مرتبة السوق الأكثر جذباً للاستثمارات المباشرة في العالم، حيث وصل حجم السوق إلى 111.7 مليار دولار. الدولة في الصين تتدخل تدخلاً (رشيداً) في مسار الاقتصاد وقت الأزمات، وهو تدخل أكثر إلحاحاً في الاقتصادات النامية كما هو الحال في العالم العربي.. أزمة الإسكان التي ضربت الولاياتالمتحدة الأميركية في العام 2007 وامتدت آثارها إلى سائر أرجاء العالم، تبعتها أزمة مماثلة في الصين في العام 2011. بيد أن الدولة تدخلت عبر إجراءات وسياسات للتنسيق والسيطرة على أسواق العقارات، بهدف حل مشاكل عائلات منخفضة ومتوسطة الدخل خاصة في الأرياف. وبعد تنفيذ الإجراءات، تم كبح وضع ارتفاع أسعار العقارات بصورة فعالة، وهبطت أسعار العقارات في بعض المدن بصورة معقولة، وبذلك ظهرت فعالية التنسيق والسيطرة على أسواق العقارات. حتى نهاية 2011، بدأ بناء أكثر من عشر ملايين شقة من المساكن ذات سياسة الضمان في المدن والقرى. وتم التخطيط خلال الفترة ما بين 2011 و2015 لبناء 36 مليون شقة جديدة من المساكن ذات سياسة الضمان. احتمالات الانهيار " الانهيار الأميركي لم يزعمه مفكرون صينيون أو عرب، بل قال به ريتشارد هاس أحد أهم المتخصصين في السياسة الأميركية بقوله: العصر الأميركي في الشرق الأوسط قد ولى " مع أفول نجم الاقتصاد الغربي والأميركي على وجه الخصوص والانهيار المنتظر للحقبة الأميركية، تحتم النظرة الاستراتيجية في العالم العربي التفكير بالإسراع شرقاً لخلق تحالف اقتصاد مع العملاق الصيني. والانهيار الأميركي لم يزعمه مفكرون صينيون أو عرب، بل قال به ريتشارد هاس أحد أهم المتخصصين في السياسة الأميركية بقوله: "العصر الأميركي في الشرق الأوسط قد ولى". هذا بالإضافة إلى ما توصل إليه بريجنسكي مستشار الأمن القومي الأميركي من أن النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط قد تراجع. في نفس الوقت تدعو الصين إلى ديمقراطية العلاقات الدولية والصيغة التنموية المتعددة، ودفع عولمة الاقتصاد لتتطور في اتجاه صالح تحقيق الازدهار المشترك. إن مشروعات البنى التحتيتة الضخمة التي نفذتها الصين خلال العقدين الماضيين في عدد من الدول الأفريقية تؤكد أن الصين تسعى لتأسيس وتمتين علاقات اقتصادية مع الدول الأخرى لاسيما دول العالم الثالث، فقد بلغ عدد هذه المشاريع أكثر من 900 مشروع تنموي. أفريقيا والصين وتشير المعلومات إلى أن التبادل التجاري بين الطرفين (إفريقيا والصين) بدأ في العام 1979 بمبلغ زهيد بلغ 82 مليون دولار ليرتفع إلى 199 مليار دولار في العام الماضي 2012. وتقول الإحصاءات الرسمية إن الصين أرسلت خلال السنوات القليلة الماضية 350 ألف فريق عمل فني، و18 ألف طبيب إلى أفريقيا، ونظمت دورات تدريبية لأكثر من 30 ألف أفريقي، وقدمت 60 ألف منحة دراسية. ويبدو أن الصين لا تبحث عن آفاق التعاون الاقتصادي في أفريقيا فحسب، فهي تمد جسور التواصل نحو الدول العربية والإسلامية كذلك. شركة هواوي الصينية تقول إن مبيعات الشركة في الدول العربية حققت ما قيمته 3.7 مليار دولار أميركي في عام 2010. ويتجاوز عدد المشتغلين لشركة هواوي في الدول العربية 5300 شخص، 70% منهم موظفون عرب. الشراكة العربية " الدول العربية أصبحت سادس أكبر شريك تجاري للصين، ومعلوم أن معظم واردات الصين النفطية تأتي من منطقة الخليج العربي، لكن مع ذلك فقد بلغ حجم التجارة غير النفطية بين الجانبين في عام 2012, 119.1 مليار دولار أميركي " الخبراء مجال التجارة يقولون إن حجم التجارة الثنائية بين الصين والدول العربية وصل في عام 2012 إلى 222.4 مليار دولار أميركي, بزيادة 12 ضعفاً عما سُجل في عام 2002. وأصبحت الدول العربية سادس أكبر شريك تجاري للصين.. ومعلوم أن معظم واردات الصين النفطية تأتي من منطقة الخليج العربي؛ لكن مع ذلك فقد بلغ حجم التجارة غير النفطية بين الجانبين في عام 2012, 119.1 مليار دولار أميركي. مدير عام جمارك دبي اعتبر الصين من أبرز الشركاء التجاريين لدبي، حيث بلغت إجمالي المبادلات التجارية بين دبيوالصين 63 مليار درهم خلال النصف الأول من العام الحالي 2013 مقابل 54 مليار درهم في نفس الفترة من العام 2012 بنمو نسبته 17%. وتشكّل دبي اليوم حلقة وصل رئيسة لتدفق السلع الصينية نحو الأسواق العالمية في آسيا وأفريقيا ودول الشرق الأوسط، مع التوسع المستمر للشركات الصينية التي تتخذ من أسواق دبي ومناطقها الحرة مقراً رئيساً لتسويق منتجاتها في مختلف الأسواق الدولية.