على مدى أكثر من ساعةٍ ونصف، سَهِرَ جمهور مدينة أمدرمان العريقة، مع عرضٍ مسرحي من نوعٍ خاص. تميز العرض بأداءٍ تمثيلي رفيع من طاقم الممثلين وإبهار إخراجي، شدَّ الحضور على مقاعدهم، طيلة هذه المدة، دون إحساسٍ برتابةٍ أو ملل. في حين أجمع كثيرٌ من رواد المسرح والمهتمين بالشأن الدرامي عموماً والمسرحي على وجه الخصوص أن عرض (سهرة مسرحية) المكوَّن من عرضين هما: (ابن الرومي في مدن الصفيح) و(اسمع يا عبدالسميع) للمخرج السوداني ماهر حسن والكاتب المغاربي عبدالكريم برشيد أعاد الجمهور لارتياد المسرح بعد أن هجره طويلاً. ورغم أن العرضين باللغة العربية الفصحى إلاَّ أنها لم تكن حاجزاً بين الجمهور والاستمتاع باللحظات الكوميدية في العرض التي جعلت الصالة تضجُّ بالضحك في كثيرٍ من المشاهد. استحضار الرموز عرض (ابن الرومي في مدن الصفيح) يعيد للأذهان تجربة الكاتب السوري المرموق محمد الماغوط في مسرحية (المهرج) التي استهلمت شخصية عربية معروفة مثل عبدالرحمن الداخل وبعثتها من مرقدها لتشهد ما يدور في الزمان العربي الراهن. ؛؛؛ العرض المسرحي (ابن الرومي في مدن الصفيح) يعيد للأذهان تجربة الكاتب المرموق محمد الماغوط في مسرحية (المهرج) التي استهلمت شخصية عبدالرحمن الداخل ؛؛؛ وقد شهد الجمهور السوداني مسرحية المهرج كثيراً طيلة السنوات الماضية واستمتع بها كثيرون. كذلك فإن حضور ابن الرومي في مدن الصفيح يصنع مفارقات شتى وعناصر درامية مشوِّقة اجتهد المخرج في تجسيدها على الخشبة بحرفية ومهارة فائقتين. أما عرض (أسمع يا عبدالسميع) الذي يؤدي الأدوار فيه ممثلان مقتدران هما أميرة أحمد إدريس وعاطف قطيرى، فيدور حول شخصية مخترع غارق في شأن مخترعاته التي زحم بها مساحات بيته الصغير. لكن مأساة الرجل هو أنه دائماً يخترع مخترعات تم اختراعها من قبل! من هنا تنشأ مفارقات درامية كثيرة بينه وبين زوجته التي تريد له أن يعود إلى الواقع ويفكر بصورة عملية لينجز اختراعاً لم يكتشف بعد. يدور الحوار باللغة العربية الفصحى، تتخلله قليل من المفردات السودانية الدارجية، التي لم تخلُّ بمجرى العرض. تحدي الأداء من جهةٍ أخرى، فإن بعض المختصين في الشأن المسرحي تخوفوا من ضعف أداء الممثل السوداني للأدوار المكتوبة باللغة العربية، إلاَّ انه بعد نهاية العرض زالت هذه المخاوف، لتكسب بذلك الحركة المسرحية نصاً مسرحياً حياً قادراً على التفاعل مع الجمهور، بحسب إفادات كثير من أهل الشأن الذين شهدوا العرض. ؛؛؛ المختصون في الشأن المسرحي تخوفوا من ضعف أداء الممثل السوداني للأدوار المكتوبة باللغة العربية، إلاَّ انه بعد نهاية العرض زالت هذه المخاوف ؛؛؛ لمخرج العرض، ماهر حسن، وجهة نظر حول هذه النقطة، كشف عنها من خلال تأكيده بوجود مشكلة في أداء الأدوار المكتوبة بالعربية الفصحى بالنسبة للمثل السوداني. وأرجع حسن المشكلة للتنشئة الاجتماعية الدارجية، بحسب قوله. ويرى أن هذه المشكلة يمكن أن تزول بمزيدٍ من البروفات المكثفة والتدريب والتصحيح اللغوي، حتى يتسنى للممثل السوداني الانفعال الجيِّد بالنصوص المكتوبة باللغة العربية الفصحى، ويصل إلى مستوى التفكير بها. ويعتقد مخرج العرض أن لغة المسرح العربي الحقيقي هي اللغة العربية الفصحى إن كانت جذابة وبسيطة ومرنة وغير معقدة. من جانبه، يكشف المخرج ربيع يوسف عن اهتمام المخرج ماهر حسن وشغفه بمقاربة نصوص من التراث المسرحي العالمي والعربي. وهذا الاهتمام يؤكد حقيقة مهمة، بحسب يوسف، "أننا أمام مخرج قارئ ومغامر يتوق إلى مقاربة الإرث العالمي مع واقعنا السياسي والاجتماعي". ثيمة الاحتفال شغف مخرج العرض بنصوص المسرح العربي عموماً، ونصوص برشيد وسعد الله ونوس على وجه الخصوص، يعبِّر عنه بنفسه بقوله إن برشيد المغربي وونوس السوري من قلائل المسرحيين الذين اجتهدوا من "أجل واقع مسرحي عربي يحمل طموحات وآمال الأمة العربية، ولهما مسرح ذا نكهة خاصة ومواصفات جديدة يشبهنا في كل شيء". ؛؛؛ الاحتفال ثيمة مشتركة بين نصوص برشيد والكثير من نواحي الثقافة السودانية إذ "نحن كسودانيين نجد الاحتفال متجسداً في كل نواحي حياتنا الثقافية والاجتماعية" ؛؛؛ لكل ذلك وغيره، فإن المخرج ماهر حسن يجد نفسه في كتابات الكاتب المغربي، صاحب المسرح الاحتفالي، عبدالكريم برشيد. ويرى حسن أن ثيمة الاحتفال مشتركة بين نصوص برشيد والكثير من نواحي الثقافة السودانية إذ "نحن كسودانيين نجد الاحتفال متجسداً في كل نواحي حياتنا الثقافية والاجتماعية ابتداء من الميلاد وحتى في الممات". إلاّ أن المخرج ماهر حسن يشغله سؤال: كيف نستطيع تجسيد هذه القيم الثقافية وهذا الموروث في المسرح ونجعله ينطق ويعبرّ عنا وعن أحلامنا وعن حاضرنا والمستقبل؟. مقاربة الإرث من ناحيته، فإن المخرج ربيع يوسف يعد إخراج حسن لمسرحيتي الفنان المغربي عبدالكريم برشيد (إسمع يا عبدالسميع) و(ابن الرومي في مدن الصفيح) امتداداً للاشتغال على مقاربة الإرث العالمي وتوطينه في الثقافة المسرحية السودانية. ؛؛؛ المخرج والممثلين العرض نجحوا في التغلب على صعوبة التفكير والانفعال بالفصحى بحسبانها "لغة لا نتعامل بها في حياتنا اليومية، وقدموا عرضاً كوميدياً بليغاً وممتعاً" ؛؛؛ ويرى يوسف أن ضعف عنصر الكتابة المسرحية في أغلب المهرجانات ظاهرة تؤسس لسلطة مجانية يتوهمها معظم المخرجين الذين يقدمون أعمالا من كتاباتهم. ويشير يوسف إلى أن المخرج والممثلين نجحوا في تكذيب فرضية نقدية يروِّج لها الكثيرون، وهي: أن الممثل السوداني لا يجيد أداء الكوميديا في حال يكون النص مكتوباً بالفصحى. ويقول يوسف إن المخرج والممثلين في العرض نجحوا في التغلب على صعوبة التفكير والانفعال بالفصحى بحسبانها "لغة لا نتعامل بها في حياتنا اليومية، وقدموا عرضاً كوميدياً بليغاً وممتعاً، فضلاً على تشخيصهم لعددٍ كبيرٍ من الشخصيات في العرض دون أن يقعوا في فخ التكرار أو المماثلة".