المياه هي إحدى القضايا الأكثر حساسية التي تواجه العالم اليوم، مع مواجهة الاقتصادات النامية والناهضة لبعض التحديات الأكبر ومع تمثيلها لبعض الفرص الكبرى. لقد أعلنت الأممالمتحدة أن الحصول على المياه الكافية النظيفة وعلى النظام الصحي يعتبر من حقوق الإنسان الأساس. إذاً، استخدام المياه يتجاوز حتى الاحتياجات الأساس، إذ أن معيشتنا برمّتها تعتمد على المياه. يتكون حوض النيل من أحد عشر بلداً أفريقياً هي: بورندي، جمهورية الكونغو الديمقراطية، مصر، إريتريا، إثيوبيا، كينيا، رواندا، جنوب السودان، السودان، تنزانيا ويوغندا. وتقع عشرة من هذه البلدان في فئة "التنمية البشرية المنخفضة"، وأن ثمانية منها تصنف من بين ال25 بلداً الأدنى تنمية إذ يعتبر إجمال الدخل القومي لمعظم هذه البلدان منخفضاً. يقلُّ متوسط إجمال الدخل القومي لأفريقيا عن 1,966 دولار من تعادل القوة الشرائية وذلك باستثناء مصر التي يعادل إجمال دخلها القومي 5,260 دولار من تعادل القوة الشرائية. سبل العيش إن الارتباط بين المياه وسبل العيش والتنمية الاقتصادية واضحٌ جداً في بلدان حوض النيل، فجزءٌ أساسي من اقتصادات هذه البلدان وأغلب سبل العيش فيها معتمدة على المياه وستظل على هذا الحال في المستقبل المنظور. وفيما يتعلق بالأراضي فيمكن القول، إن المياه تعتبر أهم مساهم في سبل العيش المستدامة لسكان الحوض أجمعهم والذين يبلغون أكثر من 430 مليون نسمة، حيث يقطن أكثر من نصف هذا العدد على طول نهر النيل وروافده. تعتبر الزراعة (التي تشمل الثروة الحيوانية والزراعة وصيد الأسماك)، هي القطاع الوحيد الأكثر استهلاكاً للمياه، فالزراعة لها أهمية كبيرة لبلدان حوض النيل بحكم أنها مساهمٌ كبير في إجمال الناتج المحلي. وتعتبر الطاقة الكهرومائية القطاع الآخر الحيوي في استخدام المياه -ليس بالضرورة مستهلكاً للمياه- هي مصدر الطاقة المفضل لمعظم بلدان حوض النيل، فالكهرباء متطلبٌ أساسي للنماء والإنتاج الاقتصادي. الحاجة للمياه " إن طبقة المياه الجوفية الإقليمية الواسعة التي تحمل كميات ملموسة من مياه الأرض تقع خلف منطقة الحوض،وأن بعض طبقات المياه الجوفية تحمل المياه الأحفورية لكن هناك طبقاتٍ أخرى تعاد تغذيتها من هطول الأمطار على الحوض أو من مناطق الري وانسياب مياه النيل القاعدية " وبجانب الزراعة وإنتاج الطاقة، تبرز الحاجة للمياه للأغراض المنزلية مثل الصحة، التنمية الحضرية، الحفاظ الدائم للبيئة، الاستهلاك المحلي والصناعي، والاستجمام... ألخ. وفي الوقت الذي توجد فيه روابط مشتركة بين المياه وأسباب سبل العيش المحسنة في حوض النيل، نجد المنطقة تتسم بتنوعٍ وتقلبٍ عاليين في المناخ ونسبة منخفضة من هطول الأمطار التي تصل نهر النيل الرئيس كما تتسم بتوزيع غير متكافئ من مصادر مياهه، كما أن معدلات التبخر المحتملة عالية بحيث تجعل الحوض عرضة للجفاف بشكلٍ واضح. إن طبقة المياه الجوفية الإقليمية الواسعة التي تحمل كميات ملموسة من مياه الأرض تقع خلف منطقة الحوض، وأن بعض طبقات المياه الجوفية تحمل المياه الأحفورية لكن هناك طبقاتٍ أخرى تعاد تغذيتها من هطول الأمطار على الحوض أو من مناطق الري وانسياب مياه النيل القاعدية. الإمداد المائي وتعتبر المياه الجوفية هي المصدر الغالب للإمداد المائي المحلي في المجتمعات الريفية على نطاق الحوض. وربما تصبح تدفقات النيل المحدودة عرضة للضغوط نتيجة الاستخدامات المائية المتراكمة غير المنسقة بالنسبة لمختلف الأغراض الخاصة بتلبية الطلبات المائية المتزايدة. إن تحسين طرق الحصول على إمدادٍ مائيٍّ كافٍ فعال من شأنه أن يزيد من نطاق أنشطة المعيشة الممكنة، كما أن له تأثيراً مضاعَفاً على مخرجات سبل العيش. ليس لدى بلدان حوض النيل خيار سوى التعاون حول الماء من أجل الماء ومن خلال الماء وذلك كي تحسن عملية الحصول على إمدادٍ مائيٍّ كافٍ فعال لمواطنيها فتزيد بالتالي من نطاق أنشطة المعيشة الممكنة. إن النيل يعتبر مصدراً مائياً مشتركاً، وإن إدارته يجب أن تضع في الحسبان مجموعة كبيرة من المصالح المتضاربة، ولما أدركت بلدان حوض النيل هذه الحاجة للمياه اجتمعت عام 1999 برؤية مشتركة فأنشأت منظمة مشتركة هي: [مبادرة حوض النيل]. حوض النيل " بالنظر إلى أهمية القطاع الزراعي،عملت مبادرة حوض النيل على جلب مجموعة كبيرة من أصحاب المصلحة بهدف صياغة رؤية مشتركة حول إتاحة المياه والاستخدام المائي الفاعل للإنتاج الزراعي " ومنذ ذلك الحين عملت مبادرة حوض النيل على تعزيز تخطيط وإدارة مصادر مياهها الإقليمية، كما عملت على تطوير الاستخدام الفاعل لمصادر مياه الحوض، حيث صيغت أطُر تخطيط وإدارة المصادر المائية والأدوات التحليلية وتم تفعيلها. ومن الأمثلة على ذلك صياغة نظام دعم اتخاذ القرار بشأن حوض النيل الذي أنشاته الدول الأعضاء معاً ليعينها على تقييم المقايضات/ التنازلات وتحديد خيارات تطوير المصدر المائي المجزي لكلٍّ من الدول الأعضاء. ومن الأطر الأخرى التي تمت صياغتها: تحليل الفرص الاستثمارية القطاعية المتعددة للبحيرات الاستوائية النيلية، تقييم البيئة الاجتماعية القطاعية، الاستراتيجية، النماذج التخطيطية لمناطق شرق النيل وأنموذج التجارة والإنتاجية الزراعيتين لحوض النيل. وبالنظر إلى أهمية القطاع الزراعي، عملت مبادرة حوض النيل على جلب مجموعة كبيرة من أصحاب المصلحة بهدف صياغة رؤية مشتركة حول إتاحة المياه والاستخدام المائي الفاعل للإنتاج الزراعي. الميزة التفضيلية علاوة على ذلك، عززت المبادرة من أساس المعرفة لصناعة السياسة حول الاستخدام المائي الفاعل بالتركيز على الميزة التفضيلية في الإنتاج في الأجزاء المختلفة من الحوض وبالتركيز على زيادة الانسياب التجاري بين دول الحوض، الشيء الذي من شأنه دعم الأمن الغذائي الإقليمي وتعزيز التنمية الريفية التي تقتضيها الحاجة الماسة. تساعد الدول الأعضاء على تحديد وإعداد المشاريع الاستثمارية المشتركة التي تأخذ في الاعتبار الاستخدام المائي الفاعل في الوقت الذي تعمل فيه على تقديم الفوائد وتوزيع التكاليف وسط البلدان المستفيدة. وتشمل الأمثلة في هذا الخصوص مشروع الربط الشبكي الكهربائي بين إثيوبيا والسودان الذي اكتمل عام 2013، الإنشاء الجاري لمشروع الربط الشبكي الكهربائي الإقليمي لتسهيل تجارة الطاقة بين جمهورية الكونغو الديمقراطية وبورندي وكينيا ورواندا ويوغندا، مشروع إدارة مصائد الأسماك وتجمعات المياه في بحيرتي إدوارد وآلبرت بين جمهورية الكونغو الديمقراطية ويوغندا، فضلاً عن الدراسة الخاصة بالري وتصريف المياه. تنويع الإنتاج ومن الأطر الأخرى، مشاريع إدارة تجمعات المياه التي تركِّز على تحسين وتنويع الإنتاجية في المزارع المطرية وتعويض التجمعات المائية الضائعة الضرورية لاستدامة انسياب الروافد النيلية الرئيسة. إن التعاون المستدام في مياه النيل يستدعي -من بين أشياء أخرى- الالتزام السياسي المتزايد من جانب الدول الأعضاء كما يستدعي التعاضد الشمولي فضلاً عن الموارد المالية لتمويل تنفيذ المشاريع الإقليمية " ومن الأطر الأخرى، مشاريع إدارة تجمعات المياه التي تركِّز على تحسين وتنويع الإنتاجية في المزارع المطرية وتعويض التجمعات المائية الضائعة الضرورية لاستدامة انسياب الروافد النيلية الرئيسة. ومن الأمثلة الملحوظة لمشاريع إدارة تجمعات المياه أيضاً مشروع الاستعداد للفيضان والإنذار المبكر في بلدان النيل الشرقية، مشروع إدارة تجمعات المياه بمناطق النيل الشرقية، فضلاً عن مشاريع إدارة الحوض النهري بمناطق مارا، سيو- مالابا مالاكيسي وكاجيرا. دعونا نعمل معاً لتفادي عواقب التعاون المحدود أو التعاون الضعيف كالآثار السلبية على سبل المعيشة عبر الحدود والآثار السلبية على جودة المياه وكميتها وتوزيعها/ محاصصتها وعلى زيادة عدد الناس المتأثرين بالأحداث المتطرفة مع التكاليف المالية والاجتماعية/ الاقتصادية المصاحبة لهذه الأحداث. إن التعاون المستدام في مياه النيل يستدعي -من بين أشياء أخرى- الالتزام السياسي المتزايد من جانب الدول الأعضاء كما يستدعي التعاضد الشمولي فضلاً عن الموارد المالية لتمويل تنفيذ المشاريع الإقليمية. الكاتب هو وزير الكهرباء والموارد المائية السوداني ورئيس مجلس وزراء حوض النيل.