كيف يبدأ التغيير عند الشعوب؟ سؤال كبير إجابته مختلف حولها، ولكن في تقديري أن من أهم أدوات التغيير (الكلمة) التي تلعب الدور الأكبر في التغيير الجوهري، لأنها تقود بصورة مباشرة للتغيير في المفاهيم. وفي الرياضة عندما نتحدث عن (أزمة)، سنجد أن المفاهيم تأتي في مقدمة أسباب هذه الأزمة، وإذا أخذنا كرة القدم نموذجاً يعكس حجم الأزمة الرياضية التي نعيشها، أول شيء يجب أن نقف عنده كلمة (كرة قدم سودانية) نرددها كثيراً عندما نتناول الاخفاقات والأزمات نقول مثلاً (كرتنا منهارة)، أو نحتاج إلى عشرات السنين حتى نصل إلى ما وصلت إليه أقل الدول في عالم المستديرة المتقدم. ولكن الواقع والمفاهيم والأرقام تقول ببساط شديدة، إنه لا يوجد لدينا كرة قدم سودانية بالمعنى المتعارف عليه في كل العالم، فالفارق كبير في تقبل المعنى، عندما نقول مثلاً كرة قدم برازيلية وكرة قدم سودانية، أو كرة قدم إنجليزية وكرة قدم سودانية، وقس على ذلك. وفي معظم الدول الأفريقية وفي كل الدول المذكورة آنفا، حين يأتي الحديث عن كرة القدم، يأتي بالمعنى الواسع للكلمة، بينما تظل كرة القدم مختزلة عندنا في فريقين فقط، هما (الهلال والمريخ). وهنا الأزمة في تقديري أننا من الدول القليلة التي فشلت في الوصول إلى مفهوم متقدم لكرة القدم، وبسبب مفهوم الاختزال المتخلف، دارت نقاشات في السنوات الأخيرة حول المنتخبات الوطنية والأندية، وأيهما يحمل اسم البلد هل هو المنتخب أم النادي؟. وأرى مع آخرين أن الجهة الوحيدة التي تمثل السودان وتحمل اسمه هي المنتخب الوطني فقط، أما الأندية فهي لا تمثل سوى نفسها، بمعنى أن الجهة الوحيدة التي تعبر عن السودان هي منتخبه الوطني، فهو أولاً من يرفع له علم البلد في المنافسات الخارجية، وهذا الشيء لا يحدث للأندية، والمنتخب يلعب بشعار البلد بينما الأندية تلعب بشعاراتها. " لا يحق سوى للمنتخب الوطني التحدث واللعب باسم الوطن وتمثيله " لهذا لا يحق سوى للمنتخب الوطني التحدث واللعب باسم الوطن وتمثيله. أما الهلال والمريخ كناديين فلا يمثلان سوى نفسيهما، بمعنى آخر، أيضاً، أن الهلال أو المريخ أو أي نادٍ آخر عندما يشاركان في البطولات الأفريقية فهما لا يمثلان سوى نفسيهما والعلم الذي يرفع هو علم النادي وليس علم السودان، والإنجازات التي يحققانها تنسب لهما وليس للسودان. وإذا تلفتنا للعالم من حولنا سنجد أن الممثل الشرعي للكرة في البلدان المتقدمة في هذا المجال هي المنتخبات الوطنية وهي مقياس التطور والأفضلية ومهما حققت الأندية من بطولات وإنجازات لبلدانها فهي لا تساوي شيئاً مقارنة مع ما تحققه المنتخبات. ومثال لذلك، فإن فوز فرق إنجليزية مثل مانشستر يونايتد أو آرسنال ببطولات أوروبية للأندية لم يغط على الأزمة التي تعيشها الكرة الإنجليزية وفشلها على مستوى المنتخب في التفوق الأوروبي والذي وصل مرحلة متأخرة عندما فشل المنتخب الإنجليزي في التواجد بالبطولة الأوروبية الأخيرة. وفي المقابل عندما نتحدث عن تفوق الكرة البرازيلية، فإننا نتحدث عن تفوق على مستوى المنتخب وليس الأندية، وحتى معايير ومقاييس الاتحاد الدولي لتطور الدول وتقدمها كروياً يخضع أولاً وأخيراً للمنتخبات الوطنية. فالاتحاد الدولي، كما يعلم كل متابع جيد لكرة القدم، له تصنيف واحد للمستويات الكروية، وذلك من خلال المنتخبات فقط، ولا يوجد لديه أي تصنيف للأندية هذا أفضل أو ذاك أقل، وحتى بطولة العالم للأندية التي تم تنظيمها في السنوات الأخيرة لا تخضع للتصنيف عند الاتحاد الدولي. وهذا التقدير أو التقييم من الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" للمنتخبات على حساب الأندية، مؤشر آخر على أن المنظومة التي تحكم كرة القدم في العالم وضعت حداً فاصلاً لمفهوم المنتخب والنادي. " القوانين تؤكد على أن الأندية هي الحلقة الأضعف في المنظومة الكروية على الرغم من أن ظاهر الأشياء يضعها الأساس " كذلك تؤكد القوانين على أن الأندية هي الحلقة الأضعف في المنظومة الكروية على الرغم من أن ظاهر الأشياء يضعها الأساس الذي يبدأ منه تكوين المنتخبات، وهو أمر متفق عليه. ولكن هذا لا ينفي من جانب آخر أن الأندية (منتسبة) قانوناً للاتحادات الوطنية، وهذا يجعلها خاضعة لسلطة هذه الاتحادات، ووفق القانون يمكن معاقبة النادي بالشطب النهائي في حالات كثيرة منها محاولة تجاوز سلطة الاتحاد لأي سبب من الأسباب. وهناك مثال لهذه الحالة عندما حاول نادي الزمالك تخطي سلطة اتحاد كرة القدم المصري باللجوء للمحكمة الإدارية (وهي سلطة قضائية خارج المنظومة الكروية) للفصل في قضية اللاعب إسلام الشاطر، الذي كان متنازعاً في انتقاله بين الأهلي والزمالك، وجاء حكم المحكمة الإدارية في صالح نادي الزمالك مخالفاً لقرار الاتحاد المصري الذي اعتبر إسلام الشاطر لاعباً للأهلي. وهنا لجأ الاتحاد المصري للاتحاد الدولي، والذي تدخل بصورة سريعة وحاسمة مهدداً نادي الزمالك بالشطب النهائي من سجلات كرة القدم مالم يسحب الشكوى التي تقدم بها للمحكمة الإدارية، وقد كان سحب الزمالك شكواه وأصبح إسلام الشاطر لاعباً للأهلي حسب قرار الاتحاد المصري. وهذه الحالة تشبه واقعنا الكروي بكل تعقيداته وتؤكد أزمة المفاهيم في كرة القدم. ونواصل