عمار نجم الدين بعد ساعات قليلة من إعلان حكومة تحالف السودان التأسيسي، جاء تصريح المبعوث الأممي رمطان لعمامرة ليضع نهاية رمزية وقانونية لمقولة "الشرعية الوحيدة" التي يتغنى بها نظام بورتسودان. فحينما يذكر مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة "تأسيس" بالاسم ويضعه في خانة "الأطراف السودانية"، فإن ذلك ليس مجرد انزلاق لفظي، بل فعلٌ محسوب في لغة الدبلوماسية الدولية. لغة الأممالمتحدة لا تُكتب اعتباطًا، وكل كلمة فيها تُبنى على سوابق قانونية وحسابات سياسية دقيقة. إن هذا الاعتراف الضمني ينسجم مع قواعد القانون الدولي العام، خصوصًا مبدأ مونتفيدو الذي يحدد معايير الدولة: الإقليم، الشعب، الحكومة، والقدرة على الدخول في علاقات دولية. وإذا طبقنا هذا المبدأ ببرودة القانون، نجد أن سلطة بورتسودان تفتقر إلى شرط أساسي هو القدرة على تمثيل الشعب كله، بينما يحقق تحالف السودان التأسيسي شرط التمثيل السياسي الحقيقي للأطراف المهمشة، ويبدأ فعليًا في بناء مؤسسات بديلة. أي أن التوازن انقلب: من يحتكر العاصمة لا يعني أنه يحتكر الشرعية، ومن يسيطر على الوزارات لا يعني أنه يملك الاعتراف الدولي. العرف الدولي يُقر بأن "الاعتراف" ليس مكافأة تُمنح، بل نتيجة لواقع جديد يفرض نفسه. فيتنام لم تُعترف بها لأنها أصدرت بيانًا، بل لأنها انتصرت ميدانيًا وأثبتت قدرتها على التمثيل. جنوب السودان لم يخرج من الفراغ، بل من حرب طويلة وانتهت باتفاقية واعتراف دولي. واليوم، يتكرر السيناريو: تحالف السودان التأسيسي أعلن حكومة، وبعد ساعات جاء أول تصريح أممي يعترف به كجزء من معادلة الحل. هذه اللحظة ليست مجرد مصادفة، بل صفعة مباشرة لسلطة الأمر الواقع ببورتسودان. فالنظام الذي ظل يروّج أنه "الممثل الشرعي الوحيد" يجد نفسه الآن في مواجهة حقيقة قانونية: الاعتراف يتوزع، والشرعية تنكسر، والأممالمتحدة بدأت تُخرج "تأسيس" من خانة "جماعة مسلحة" إلى خانة "شريك سياسي". هذا التحول هو بداية انهيار الرواية التي ظلت تُسند النظام وتمنحه أوكسجين البقاء. الرسالة واضحة: المجتمع الدولي لم يعد يبتلع دعاية "المركز"، ولم يعد يربط السودان ببورتسودان. كلما تمسك البرهان بخطاب "الجيش الواحد"، كلما واجه بالمرآة الأممية التي تعكس له واقعًا جديدًا: هناك دولة تُولد من رحم الحرب، وهناك تحالف أصبح يُذكر في محاضر الأممالمتحدة كطرف لا يمكن تجاوزه.