"السلطة هي الحال الوحيدة التي يتنازل فيها الطبع عن مقاليد الحكم لسلطان التَطَبُّع" .. الكاتبة ..! السيدة جيهان السادات ذكرت يوماً – عبر حوار تلفزيوني – كيف وجدت نفسها مضطرة لزيارة مدرسة ابنها جمال، لا لشيء إلا لتطلب من المدرس المسئول عن الصف أن يكف عن هدم ما كانت تعمل على بنائه في البيت طوال اليوم.. طلبت السيدة الأولى – حينئذٍ – من المدرس إياه أن يكف عن مناداة نجل رئيس البلاد بلقب "حضرتك"، فالرجل الذي كان يجهل خارطة الطريق نحو حدود السلطة لم يكن يعتبر الطفل الصغير ابناً لرئيس الجمهورية وكفى، بل تلميذاً خاصاً برتبة نائب رئيس ..! وكالات الأنباء العالمية، تناقلت – قبل سنوات – حكاية الأميرة اليابانية الصغيرة، ابنة ولي العهد التي عزفت عن الذهاب إلى المدرسة، إثر تعرضها وبعض رفيقاتها لمضايقات من بعض الصبية التابعين لصف دراسي آخر .. عائلة الإمبراطور منحت المدرسة تصريحاً بتناول قضية غياب حفيدته عن الفصل الدراسي على نحو معلن، فقال مديرها للصحفيين الذين تقاطروا لمعرفة تفاصيل الحدث: إن الأميرة الصغيرة كانت خائفة جداً بعد أن ركض صبي من أحد الفصول باتجاهها، وربما يكون ذلك قد تسبب في تذكيرها بسلوك بعض الصبية في الماضي، عندما كانوا يقذفونها ببعض الأشياء ويشعرونها بالضيق" ..! لعلك الآن تبتسم وأنت تقول في نفسك "آه لو كانت حفيدة الإمبراطور الياباني سليلة أحد ملوك العرب – أو حتى ابنة حاكم ولاية أو وزير دولة – إذاً لقامت قيامة المدرسة، والمدير، والتلاميذ، وأولياء أمورهم، وأمور الذين أنجبوهم" .. بل لو كان الأمر كذلك لما وقعت مثل تلك الحادثة من أصله" ..! مصداقاً لحسن ظنك! .. تناقلت الصحف البريطانية قبل فترة – أنباء اعتقال شرطة سكوتلانديارد لأحد الأمراء العرب، للتحقيق معه بتهمة قتل أحد مساعديه ضرباً حتى الموت، وقبلها تناقلت الصحف العالمية خبر وضع أمير عربي آخر قيد الإقامة الجبرية، على خلفية ظهوره في شريط فيديو يتم فيه تعذيب تاجر آسيوي اختلف معه حول تفاصيل صفقة كبرى ..! يومها قالوا إن سمو الأمير كان واقعاً تحت تأثير عقاقير تتسبب في نوبات من الغضب والعدوانية، وبينما اعتبرت الصحف العالمية حكم المحكمة ضربة قاضية لهيبة الدولة، خرجت بعض الصحف العربية لتهلل وتشيد بعدالة القوانين التي لا تستثني الأمراء من الوقوف أمام المحاكم ..! فالشعوب العربية والإفريقية كما تعلم ترضع الخوف من السلطة مع حليب الأمهات، لذلك يشب أبناء أسرها الحاكمة ملكية كانت أم جمهورية عن الطوق وهم يخاطبون الكون بصيغ الأمر واجبة النفاذ، وإلا ..! في مجتمعنا المحلي – أيام حكم الإنقاذ – تفاقمت ظاهرة أقرباء المسئولين، وأصدقاء المسئولين .. ثم أبناء المسئولين الذين كادوا يشبهون أحفاد ملوك النفط، لفرط دلالهم على الشعب، وبفضل تعاقب آبائهم على ذات الكراسي نشأ معظمهم – منذ الصغر – على مبدأ التمييز المفروغ من وجوبه .. من الروضة .. إلى المدرسة .. إلى الجامعة .. إلى سوق العمل .. فعاث بعضهم في الأرض فساداً ..! ثم ساد حكم الثورة.. ثم راجت بعض الشائعات التي لا نعرف حقيقتها – هذه الأيام – عن عزم أحد الوزراء على إحياء هذا السلوك من خلال إصراره على تعيين بعض أقربائه في وظائف حكومية دون اتباع الإجراءات المعتادة، في ذات الوقت الذي انتشر فيه خبر الحجز على بضع وعشرين قطعة أرض مملوكة لبعض أفراد أسرة الرئيس السابق..! وكما أن الإنقاذ لا يعني احتواء فئة بعينها على حساب بقية الشعب، فإن الشرعية الثورية لا تعني تجاوز النظم واللوائح.. فأي استقرار سياسي لا بد له من أساس ديمقراطي .. وأي ممارسة ديمقراطية لا بد لها من عدالة اجتماعية .. والعدالة الاجتماعية بطبيعة الحال – ليست عقاراً يباع في الصيدليات.. فهل – يا ترى – من مُذَّكر ..؟! منى أبوزيد