بشكل مفاجئ، أعلنت واشنطن إلغاء اجتماع الرباعية – التي تضم مصر والسعودية والإمارات مع أمريكا – دون تحديد موعد جديد، مما يعني الفشل في التوافق على أسس يُبنى عليها الاجتماع. ومن المعلوم أن سقف التوقعات قد ارتفع مع التصريحات الأمريكية حول حل الأزمة السودانية من الرئيس ترمب ووزير الخارجية روبيو والمستشار الخاص مسعد بولص. كان اجتماع الرباعية – الملغى – حاسمًا في تحديد بوصلة التعامل مع الأزمة السودانية، بين خيارات فرض السلام بالقوة، أو فتح مسار تفاوضي عبر آلية تشكلها الرباعية، أو الانسحاب الدبلوماسي من الملف بتأجيل الاجتماع لموعد لاحق دون تحديده، وهو بالضبط ما حدث. اللافت للدهشة أن الاجتماعات السابقة للرباعية لم تشهد خلافات كبيرة، بل شكلت رؤية عامة متوافق عليها، تلخصت في أهمية العمل المباشر ووضع ملف الأزمة السودانية في صدارة الأولويات الدولية، واستخدام المنظمات الدولية بشكل أكثر فاعلية في معالجة الأزمة. الخلاف الوحيد كان حول تمثيل الجانب السوداني، إذ إن غياب الصوت السوداني قد يقلل من فرص نجاح أي تسوية. ومستقبل الوصع السياسي في السودان بعد الح؛رب ..لكن هذا الخلاف لم يكن ليعيق انعقاد اجتماع الرباعية، فهو ليس جديدًا، إذ سبق لمصر والسعودية أن اعترضتا على الأمر ذاته في الاجتماع التشاوري بلندن في 15 أبريل 2025، مما أدى إلى عدم إصدار بيان ختامي. بإسدال الستار على اجتماع الرباعية، تعود الأزمة السودانية مرة أخرى إلى طيات النسيان الدولي، وسط زخم قضايا أخرى لا تزال تشغل العالم وتهيمن على عناوين الأخبار. ومع غياب الحلول السودانية الداخلية، يبدو أفق الأزمة ملبدًا بغيوم كثيفة، تفتح سيناريوهات عدة، أقلها قتامة استمرار الحرب لفترة أطول، حتى لو كانت في أجزاء من السودان دون ولايات الوسط، وأسوأها أن تتدحرج الأجندة إلى الفصل الختامي، معلنة تدشين تقسيم السودان، بداية من دارفور التي تقف الآن في مقدمة طابور المستهدفين بعد تشكيل حكومة موازية في نيالا. الحكومة في السودان أعلنت رفضها لاجتماع الرباعية، وهذا ما تحقق الآن، دون أن توضح ما هي البدائل التي تتوقعها في حال إغلاق الباب أمام المساعي الدولية، في وقت تواجه فيه أزمة إنسانية طاحنة في مدينة الفاشر التي تنتظر الغذاء والماء والدواء. وبكل أسف، بقدر ما يعلو صوت الحكومة في رفض المساعي الدولية في مختلف المنابر، لا تظهر أية مؤشرات لرؤية تمنح الشعب السوداني أملًا محتملاً لإنهاء الحرب.