عند النظر بموضوعية إلي ثورة ديسمبر المجيدة ، وإسقاطها الجزئي حتي الآن ، لنظام أيديولوجي عقائدي ، يتمتع حزبه الحاكم بمقدرات تنظيمية واسعة ، اعتمادا على دولة عميقة ، توفر له المعينات اللازمة ، ومقدرات أمنية كبيرة ، ميليشيات يتمدد نفوذها في مناطق واسعة من بلادنا … كل ذلك قد تمكنت الثورة من إزاحته جانبا ، ولم تبالي بأي مخاطر قد تواجهها أو البلاد ، نتيجة لذلك …بل وحتي لم تفكر في نتائج أفعالها ولا تداعياتها … لذلك فإن السؤالين الحقيقيين في مآلات الغدو والرواح هما : هل هناك ثورة حقيقية لها أهداف ويجب استكمالها ؟ أم مجرد حراك ثوري يخضع للمد والجزر حسب تطورات الأوضاع السياسية الداخلية ؟ وتجاذباتها أو تنافراتها مع الأوضاع الإقليمية العربية ومحاورها ؟ والرؤي حولها أفريقيا ودوليا ؟ إذا كان إيماننا بالإجابة علي السؤال الأول ، فالدرب واضح وضوح الشمس ، وآلياته معروفة … أما اذا اتجهنا للسؤال الثاني ، فإجاباته قد تغرقنا بل وتفرقنا ، وتفت في عضد تماسك الكيان الكبير الذي ننتمي إليه جميعا وهو الحرية والتغيير ، وتدخلنا في دائرة المصالح الضيقة- أيا كانت دوافعها – ودائرة أخري من الانتهازية السياسية … لذلك وضوح الرؤية مهم جدا ، في مثل هذه الأوقات العصيبة ، والتي قد تنحرف بالحق أحيانا ، وتدفعه عبر ضغوط الواقع والسياسة ، إلي القبول بتوازنات جديدة ، قد لا تكون ذات قاعدة صلبة ، من التوافق حولها شعبيا وثوريا … بمعني الدخول إلي : دائرة التوازن الهش … وهو المرفوض ثوريا … إيمانا منا بأن الحراك منذ ديسمبر وحتي الآن هو : ثورة حقيقية … ثورة وعي ومفاهيم جديدة ، لم تستهدف الإطاحة بالنظام السابق … بل تعدتها … لأن لكل ثورة روح ، وروح ثورتنا هو في رفضها للمفاهيم السابقة في حياتنا السياسية من إقصاء واستبداد ووصاية وعنصرية وطائفية وعنصرية وقبلية وسيطرة نخبة فاشلة ، إلي مفاهيم الحرية والعدالة والسلام والديموقراطية والكرامة الإنسانية والمواطنة المتساوية … إنه صراع بين الثورة ، بكافة مفاهيمها ، وبين التراجع جزئيا وبناء معادلات جديدة وفقا لواقع قاسي ، من مليشيات وأجهزة أمنية غير موثوق بها … لكن من يآمن بالثورة عليه المضي بها إلي غاياتها كاملة ، والعمل بجد لاستكمال أهدافها ، لا التراجع جزئيا عنها … لأن فتح باب التراجع خطير جدا علي مسارها ، ويؤدي إلي تنازلات أكبر … قالها الشريف حسين الهندي في أواخر السبعينات : أبقوا عشرة علي القضية ، وعضوا عليها بالنواجذ …