توقفت كرة الشراب أو الدافوري بالاحياء وقد كانت في السابق تمارس فيها وهي صناعة بلدية خالصة وفن سوداني رفيع .. وكرة الشراب أو الدافوري كانت تفجر المواهب في الساحة الرياضية فمعظم نجومنا الموهوبين هم خريجي مدارس كرة الشراب وهي تعود اللاعبين على التحكم والسيطرة على الكرة وتعلم اللاعبين الجري والركض داخل الملعب وتعود اللاعبين على السرعة وقوة الاحتمال ، وبالتالي نجد ان كرة الشراب تظهر مهارات اللاعب من ناحية المراوغة، والحكم على لاعب كرة الشراب من ناحية موهبته يكون ظاهرًا للعيان .. لذا نجد ان معظم نجومنا الموهوبين كانوا من خريجي مدرسة كرة الشراب .. ينتقل بعد ذلك اللاعب إلى المدارس التي كانت في ذلك الحين بها حصص للتربية الرياضية حيث كان هناك معلمون متخصصون في هذا المجال بالاضافة إلى ان روابط الناشئين كانت ايضاً بها منافسات منتظمة وكانت تفرخ لأندية الدرجة الثالثة ومن ثم انتظمت الدورة المدرسية في سبعينات القرن الماضي، وقد تفجرت مواهب عديدة في هذه الدورة التي كان الاستاذ الراحل المقيم حسن مختار هو الذي اطلق هذه المبادرة الرائعة إبان عمله في صحيفة الصحافة رئيساً للقسم الرياضي، وقد عجت الدورة المدرسية بالعديد من النجوم الذين اصبحت لهم اسماء مشهورة في عالم كرة القدم ففي مدرسة بيت الامانة كان الحارس العملاق عوض دوكة وعبد المنعم الصياد ومزمل بارود وغيرهم من النجوم وفي الانجيلية برز نجم المريخ والهلال الفنان عبده الشيخ وجلال الخير الذي انتقل للمريخ بالاضافة لنجوم الخرطوم الجديدة والقديمة وقد كانت الدورة المدرسية في ذلك الحين اقوى من منافسات الممتاز حالياً .. أما اذا عرجت على دار الرياضة ام درمان فتجد العجب العجاب فهناك يكون الصراع على اوجه بين العباسية وكوبر وبيت المال وابو روف ففي العباسية كان هناك علي عبد الفضيل وصلاح ود الحاجة وميسرة وصلاح وسلطان وغيرهم ، وصلاح بوكو وفي ابو روف كان الساحر سكسك وكلبو وغيرهم وبيت المال تضم عادل فار وحمامة والروبي وصابوني وكانت مباريات دار الرياضة ام درمان هي المتعة بعينها وبالرغم من مواهب هؤلاء اللاعبين الذين يلعبون بدار الرياضة وامكانياتهم العالية إلا ان اللعب في الدرجة الاولى كان بالنسبة لهم حلماً بعيد المنال لأن الدرجة الاولى كانت تضم فطاحلة اللاعبين ففي المريخ بشرى وبشارة وكاوندا والفاضل سانتو ونوح آدم وخورشيد ود. الكرة السودانية كمال عبد الوهاب وفي الهلال زغبير والراحل عوض كوكا والدحيش وقاقرين وكتم والريشة وفي التحرير جيمس وفي النيل الراحل نجم الدين وشرف الدين احمد موسى وشمس الدين حتى ان المنتخب الوطني كان يتم تقسيمه إلى منتخبين .. المنتخب (أ) والمنتخب (ب) وكان الانتماء للمنتخب الوطني شرف لا يدانيه شرف وكان اللاعب الذي يتم اختياره للمنتخب يشعر بفرحة غامرة وغبطة ويؤدي مع المنتخب بقوة وحماس اكثر من ناديه، وكان اللاعب الذي لا يتم اختياره يعمل على تحسين مستواه ويسعى جاهدًا للحاق بالركب لينال شرف الانضمام للمنتخب. نعم كل هذه العوامل ساهمت في تفجير المواهب في كرة القدم السودانية .. ولكن انظروا الآن فقد اختفت كرة الشراب نهائياً من ملاعبنا واختفت حصص التربية الرياضية والدورة المدرسية لم تعد بنفس ذلك البريق الذي كان متوهجاً في تلك الفترة فإضمحلت المواهب وجاءت فترة الرياضة الجماهيرية في عام 1976م فعرف اللاعبين السودانيين طريق الهجرة إلى الامارات والسعودية وغيرها .. ولكن تغير الحال وانعدمت المواهب واصبح الولاء للمادة وليس للنادي وشاهدنا نجومنا (يزوغون) ويعتذرون عن المشاركة مع المنتخب ويؤدون للمنتخب بلا ولاء وبلا اخلاص للشعار .. فشاهدنا البون الشاسع بين الاندية وشاهدنا نجوم القمة لا يعرفون ابجديات الكرة ونجدهم لا يعرفون اساسيات الاستلام والتمرير ولكن البعض منهم محظوظ في الانتماء للقمة ونجوم الاندية الاخرى يكون كل همهم الانتماء للقمة ولذا يلعبون امامها بقوة وفدائية لا نلمسها ولا نجدها عندما تتبارى هذه الاندية مع بعضها البعض .. وشهدنا ازدياد الصحف الرياضية واصبح الاعلام الرياضي يتناول القضايا الحساسة بأسلوب المشجعين وقد حكى لي احدهم بأنه عندما يكون واقفاً في الصف تأهباً لدخول مباراة للهلال أو المريخ فإن هذا الشخص يكون مطمئناً جدًا ويسأل بقوة الاشخاص الجالسين في المدرجات الهلال غالب كم أو المريخ غالب كم ولكن حالياً وحتى الزمن الاضافي اذا كانا متقدمين فإنك لا تضمن ان يحرز الفريق الخصم هدف التعادل أو الترجيح في مرمى الهلال أو المريخ.. والحل من وجهة نظري اعادة كرة الشراب وتنشيط الدورة المدرسية بفعالية والاهتمام بالمراحل السنية وتنمية روح الولاء والاخلاص في نفوس اللاعبين وهذا هو الامر المهم. آخر الاشتات تعجبني رائعة الفنان السفير عبد الكريم الكابلي التي تقول: غريب والغربة اقسى نضال غريب والغربة سترة حال غريب وبعيد حضور وزوال تروم الاصلو ما بنطال تراقب في المجرة زوال عيونك ما عيون اجيال