* كانت ساعة النصر في اكتمال الهلال لكن استدارة القمر لا تتم دون أن يغنيه العاشق (وطنا البي اسمك كتبنا ورطنا أحبك مكانك صميم الفؤاد) محمد عثمان محمد صالح وردي فنان أفريقيا الأول ثلاث سنوات تمضي اليوم على التاريخ الذي طوى فيه ابن صواردة نوتة ألحانه وحمل قيثارته راحلاً بعد أن جمَّل للحزن ممشى بعد أن أكمل مسيرته في التاسعة والسبعين من عمره وبعد ستين عاماً قالها وردي محوِّلاً النيل لنهر من الدموع (قلت أرحل) في العام الذي أغمض فيه الخليل مغادراً الحياة وفي التاسع عشر من يوليو للعام 1932 استقبلت قرية صواردة أسطورة السودان الجديد خرج وردي ليخبرنا أنه بعد كل خليل يرحل خليل جديد ويبقى الوطن شامخاً وعاتياً كما يتمناه أهله . * الأستاذ لم يستطع أن يحمل الطباشيرة والمايكرفون معاً.. ترك التدريس ليعلمنا أن الحياة موسيقى وأن الموسيقى قضية وأن الفنان ليس مجرد حنجرة يمكنها أن تتنزع الآهات ولكنه في الأصل موقف والتزام وقضية وقبل كل ذلك إحساس بالناس وآلامهم . * ستون عاماً .. لكل بيت قصة مع وردي، ولكل حكاية قصة مع وردي. لكل عاشق وعاشقة، لكل ثائر من أجل الحرية، ثمَّ أغنية دوزنها وردي من دم إبداعه ودموع معاناته: «لو بهمسة»، «الطير المهاجر»،»بعد إيه»، «خاف من الله»، «الحزن القديم»، «بناديها»، «نور العين»،»أرحل»، «عرس الفداء»، «أكتوبر الأخضر»، « «يا شعباً لهبك ثوريتك». لكل ذكرى رشة عطر من وردي، ولكل همسة حب بعض منه، ولكل صرخة ثائر نبض منه , لكن للهلال من وردي كل الكل في القلب كان وردي أبيض النية واضحاً فيما يقول ما يعتبره البعض غروراً يسميه هو وضع النقاط في الحروف يواجه الجميع بصورته الحقيقية يمتطي سفينة تميزه على الكل ستون عاماً في حضرة الغناء وثلاثمائة عمل إبداعي ووطني يرافقه كالكلمات والألحان يجلس في حضره جلاله ويتحدث بكل الأدب هو الشعب عند وردي يأتي أولاً ومن ثم تعقبه الأشياء الآخريات . الشعب عند وردي كان الانتماء شيئاً اختلط بالدماء.. الدماء هنا لونها أزرق مخلوط ببياض النية وردي الذي غنى في إستاد المريخ احتفالاً بخمسينية الكاف لم يترك المايكرفون في إستاد الهلال إلا ليعود إليه من جديد كان بينه والأزرق الوطن والسمر الميامين كان يناكف الراحل أبو آمنة حامد المريخي لم تشفع له بنحب من بلدنا فالبلد هنا حبيب البلد قمراً يسر الناظرين اسمه في القواميس هلال العز . * أمدرمان ستقف اليوم في حضرة الوطن لتعيد ذاكرة وردي الوطن في دورتها الثالثة تأتي للمسرح وفي بالها أن صاحب (المستحيل) ما يزال مرساله يواصل الحضور من حين لآخر وأن الطير المهاجر رحل في هجرة أخرى ولكنه لم يذهب بعيداً ما زال يهمس في الأذان بصوته هو نفسه جالساً فوق خلفية العربات شائل (الود) من يسكن المسرح القومي غير الذي توشح بسودانيته تماماً وهو يترنم ببلدي يا حبوب جلابية وتوب عمة وشال وطاقية وسيف وسكين يا سمح يا زين لم تكن قومية وردي لتقف في محطة الأزياء السودانية دون أن تلحقها الأسماء هنا عبد اللطيف وصحبه بالقرب منهم يتوشح عبد الفضيل شهادته بلون الدم أنصار المهدي يحملون أسياف العشر تهراقاً لا يمكن أن يغيب حين تحضر البلاد المعشوقة حد النهايات ابتداءً . ذكرى وردي الثالثة تتزامن وذكرى الميلاد الخامسة والثمانون لهلال وردي بين الاثنين فقط هو الوطن والانتماء ثالثهم أن مثل هذا الهلال ما كان ليسر نور العين ولكنه في الوقت نفسه لن يستطيع منه فكاكاً فهو العشق الذي لا تصلح معه وا أسفاي الانتماء للهلال إرادة لن تجد لها بديل عليك فقط أن تنقلها من حالة اليأس إلى حالة الأمل سيظل وردي رفيقنا الدائم في أفراحنا وأحزاننا، في لحظات النصر والفخار يغني لنا كما لم يغن أحد من قبل «ما لان فرسان لنا..بل فر جمع الطاغية، ويتغزل في الوطن كما الحبيبة «هام ذاك النهر يستلهم حسناً، فإذا عبر بلادي ماتمنى، طرب النيل لديها فتثنى»، وكان رفيقنا في لحظات العجز والانكسار والهزيمة، يرفع معنوياتنا ويذكرنا بالماضي الذي كان «أروي يا تاريخ أمجاد لنا، عبد اللطيف وصحبه»...ويزرع الأمل بالفرح القادم «حنبنيه البنحلم بيه يوماتي هلال شامخ وهلال عاتي.