أصدر الاستاذ محمد الشيخ مدني رئيس لجنة الاستئنافات العليا امس بيانا كشف من خلاله الحقائق الكاملة بخصوص قرار اللجنة حول استئناف المريخ ضد قرار اللجنة المنظمة للمنافسات حول مباراة القمة الاخيرة في نهائي بطولة كأس السودان وجاء البيان عبر هذه المساحة.. لم ينجح أحد مدخل اول: من البديهي والطبيعي ان اي شخص يتصدى للعمل العام يكون عرضة للنقد او التعليق او الاساءة في بعض الأحيان .. خلال مسيرتي الذاتية التي امتدت لأكثر من اربعين عاماً لم أكن استثناء ، فلم اسلم ولم تسلم الأعمال التي شاركت فيها من شتى انواع ردود الفعل الصحفية .. وظلت رؤيتي واضحة جداً حول ما يثار عني في الاعلام فأنا اقسم ما يتناوله الاعلام والإعلاميون الي ثلاث فئات: أ/ تعقيب موضوعي يمثل اختلاف في الرأي الذي لا يفقد للود قضية ، وربما غياب بعض الحقائق او المعلومات أدى لذلك ، وهذا أتعامل معه باحترام وتقدير وارد عليه في حدود الموضوعية. ب/ تعقيب غير موضوعي مكتوب بلغة اقرب للجهل او الاستهتار أو اللغو ، وهذا اتعامل معه بالتجاهل التام باعتبار انه لا يسوى ولا يستحق الاهتمام. ج/ تعقيب مخالف للعرف الصحفي والقانون وعادة يكون استهدافاً شخصياً يمثل اشانة سمعة ، او ربط لشخصي بواقعة كاذبة ، وهنا فقط فطريقي واضح وهو اللجوء للمحكمة ولجنة الشكاوي بالصحافة والمطبوعات لتكونا حكماً بيني وبينهم. مدخل ثاني: رغم التزامي التام بمنهجي المذكور في المدخل الأول ، إلا أن الساحة الإعلامية الرياضية شهدت حالة فريدة لم يسبق ان عايشتها طوال سنوات علاقتي بالعمل العام مما اضطرتني لأسطر هذا التعليق .. فبعد أن اصدرت لجنة الاستئنافات العليا قرارها حول استئناف نادي المريخ ضد قرار اللجنة المنظمة حول المباراة النهائية لكأس السودان حتى طالعتنا الصحف بالعجائب .. وتناول القرار عددا من كتاب الأعمدة الثابتة بجهل وسذاجة لم أر مثلها قط .. فمنهم من كتب بحجاب أو بدون حجاب ، ومنهم من كتب بايقاعات سريعة أو بطيئة ، ومنهم من كتب راكباً موجاً ازرق وهو لا يعرف الى اين يقوده ، ومنهم من كتب تعليقاً على عنوان خطأ يقرأ «لجنة الاستئناف تعيد المريخ لكأس السودان» في صحيفة لا علاقه لها بما نشرته الصحيفة نفسها ، مما يؤكد أنهم لم يقرأوا حيثيات اللجنة وأكاد أجزم أنهم جميعاً لم يقرأوا المادة (79) من القواعد العامة قبل تناولهم للقضية ، ومنهم من كتب بحروف قاتمة ويعتقدها متوهجة .. وقد يكون هناك آخرون لم تتح لي فرصة الاطلاع على ما كتبوا .. ولأن الجهل في هذه الحالة قد يمتد أثره من الصحف للقراء رأيت ان اعقب لافضح مستوى من يدعون العلم والمعرفة .. فكثير من الرياضيين علي قناعة تامة من أن أحد أسباب البلاء في الحركة الرياضية هو عدد من الاعلاميين غير المسئولين او غير المدركين لرسالتهم .. لقد تعودت كمعلم على وجود عدد محدود من الطلاب بلداء في الصف الواحد ، أما أن يكون معظم طلاب الصف بلداء فهذه جديدة. بعد ذلك دعونا بقراءة متأنية نراجع حيثيات وقرار لجنة الاستئنافات الذي رآه البعض تحيزاً للمريخ ، ورآه آخرون اعادة مقصودة للمريخ لكأس السودان ، ورأته فئة ثالثة مسرحية سيئة الاخراج .. ولأبدأ بقرار اللجنة المنظمة المستأنف: فالقرار يمكن تجزئته علي ثلاثة عناصر: 1- رفض تأجيل المباراة النهائية من تاريخها المعلن. 2- اعتبار فريق المريخ مخالفاً للقواعد العامة ولائحة منافسة كأس السودان.. 3- توقيع عقوبات علي نادي المريخ استناداً على المادة 37 البند (ج) من اللائحة. فماذا قالت لجنة الاستئنافات؟ بالنسبة للجزئية الاولى قالت ان من حق اللجنة المنظمة عدم تأجيل المباراة وهو اختصاص أصيل وقرارها نهائي لا يجوز الطعن فيه ، ولذلك لا يحق للجنة الاستئنافات التدخل فيه، ويعني ذلك تأييداً لقرار اللجنة المنظمة .. اما بالنسبة للجزئية الثانية قالت ان المريخ بعدم حضوره للمباراة المعلنة دون عذر مقبول لسلطة اللجنة المنظمة التقديرية يعتبر مخالفاً للقواعد العامة ولائحة منافسة كأس السودان ، وهذا ايضاً يعني تأييدا لقرار اللجنة المنظمة .. ونأتي بعد ذلك للجزئية الثالثة وهي العقوبات ، فقد استندت اللجنة المنظمة في اصدار عقوباتها على المادة (37) البند (ج) وأنقل هنا القرار كما جاء في حيثيات اللجنة المنظمة كما ارسلتها لنادي المريخ: «واستنادا على نص المادة (37) البند (ج) من لائحة كأس السودان لموسم 2011م قررت الاتي: 1- اعتبار نادي المريخ مهزوماً صفر/2 واعلان نادي الهلال بطلاً للمنافسة. 2- توقيع غرامة مالية على نادي المريخ مبلغ وقدره 25000 جنيه. 3- حرمان نادي المريخ من المشاركة في منافسة كأس السودان لموسم 2012م». نعود لنص المادة (37) البند (ج) الذي يقرأ: «فيما عدا المباراة النهائية اذا تم ابعاد اي فريق من المنافسة بموجب الفقرتين أعلاه أو بسبب اي مخالفة لأحكام النظام الاساسي او القواعد العامة او احكام هذه اللائحة يحق للجنة المنظمة او اللجنة المفوضة بعد ابعاد الفريق المخالف ان تعتمد تأهل الفريق الذي كان منافسا له ويتأهل للمرحلة التالية مباشرة». فهل هناك من يشك ان المباراة موضوع النزاع هي النهائية في الكأس؟ وما دامت هي النهائية هل يمكن تطبيق هذه المادة عليها؟ لا اريد ان ادخل في جدل حول بديهيات .. كلنا يعلم ان لجنة الاستئناف أحالت القضية للجنة المنظمة لتغير السند القانوني في اصدار العقوبة من المادة (37) البند (ج) من اللائحة التي لم تنص على اي عقوبة لأي فريق يتخلف عن المباراة النهائية دون عذر مقبول ، لتصدر عقوبتها استناداً على المادة (79) البند (أ) من القواعد العامة التي تنص على: أ/ «أي فريق رفض اداء مباراة تنافسية غير الدوري او غاب او تأخر عن الحضور للملعب في الزمن القانوني دون عذر مقبول يعتبر مهزوماً صفر/2 مع الغرامة التي لا تقل عن 2000 جنيه سوداني ويجوز للاتحاد المختص اتخاذ اي عقوبات أخرى». فماذا تعني هذه المادة من حيث العقوبات؟ هي تعتبر الفريق مهزوماً صفر/2 ، وتفرض عليه غرامة بحد ادنى ألفي جنيه وبحد اقصى غير محدود بسقف ولذلك يمكن ان تكون الغرامة اكثر بكثير من الخمسة وعشرين الف جنيه وهي الحد الاقصى للمادة 37/ج ، وتنتهي المادة بعبارة «ويجوز للاتحاد المختص اتخاذ اي عقوبات اخري». وهو نص يعطي الاتحاد الحق في حرمان الفريق من المشاركة لأي عدد من المواسم القادمة وليس الموسم القادم وحده كما نصت المادة 37/ج .. فهل يقبل اي عقل ان هذه المادة تعني تخفيفا للعقوبة؟ او محاباة لفريق؟ وببساطة لو كانت اللجنة المنظمة قد اصدرت قراراتها استنادا على المادة الصحيحة وقررت هزيمة الفريق ، وفرض غرامة قدرها مليار جنيه ، والحرمان من المشاركة في كأس السودان خمسة مواسم قادمة ، لرفضنا الاستئناف وايدنا قرارات اللجنة المنظمة .. وأخيراً الا يحق لي ان اقول: في امتحان التعقيب على قرار لجنة الاستئنافات لم ينجح أحد.. محمد الشيخ مدني رئيس لجنة الاستئناف العليا لكرة القدم ديسمبر 2011م