مدخل أول: الديمقراطية هي سيادة رأي الأغلبية، ورأي الأغلبية ليس بالضرورة هو الصحيح ولكن تواثقت المجتمعات والحضارات والثقافات منذ القدم على أنه الافضل للأخذ به، وحتى يكون رأي الاغلبية هو الافضل حقيقة فلابد أن تتوافر في كل فرد داخل أي مجموعات محتكمة للديمقراطية الارادة والفهم والقدرة على الدراسة والتحليل والاستنتاج لتقديم فكرة مطروحة ليؤيدها أو مبدأ ليقف معه أو شخص ليدلي بصوته لصالحه في انتخابات وممارسة الديمقراطية الحقيقية بهذا المفهوم في تقديري ترف وحضارة تحتاج لوقت طويل للوصول اليها ولعل هذا هو أقوى الاسباب التي تجعل الكثيرين لا يتقبلون نتيجة الاخذ برأي الاغلبية بروح التنافس الطيبة والقناعة التامة، وهنا يظهر في التعبير عن هذا الرفض وعدم القبول بالنتيجة وخصوصاً في انتخابات المؤسسات المستقلة كالرياضية ومنظمات المجتمع المدني، ويأتي في شكل ادعاءات تبدأ بالحديث عن العضوية المستجلبة في الاندية أو اتهام بتزوير النتيجة أو إعلان فساد في شكل شراء ذمم أو نشاط سوق للسماسرة أو تدخل من جهات نافذة واتهام الحكومة في هذه الحالة ليس استثناءً فهي غير مبرأة من الادعاءات بتأثيرها المباشر وغير المباشر. مدخل ثان: ما دمنا قد ارتضينا أن الحركة الرياضية أهلية وديمقراطية فليس هناك أوجب من أن نمكن الممارسة من الانطلاق دون شوائب أو سلبيات بقدر المستطاع وما دامت الديمقراطية هي السيادة المطلقة للجمعيات العمومية، فلنجعل أكبر جريمة ترتكب في أي حق مؤسسة هي تغييب الجمعية العمومية من الانعقاد في موعدها المحدد أو تأجيل أجلها بصورة مخلة لا تمكنها من أداء دورها بصورة فاعلة، واذكر هنا أن قانون الشباب والرياضة السابق كان به نص واضح: بأن أي مجلس منتخب لا يدعو الجمعية العمومية الدورية العادية أو الجمعية العمومية في نهاية دورته خلال شهر من التاريخ المحدد وفق النظام الأساسي يتعرض للمساءلة بواسطة الجهة المختصة وقد تصل عقوبته إلى حل المجلس وتعيين مجلس يختص بالدعوة للجمعية العمومية، وأأمل أن يعود هذا النص لقانون هيئات الشباب والرياضة الذي هو تحت الدراسة الان ولعلي اذكر هنا مقولة السياسي الأديب الأستاذ محمد أحمد محجوب رحمة الله عليه رئىس الوزراء الأسبق: عيوب وسلبيات الديمقراطية لا تعالج إلا بمزيد من ممارسة الديمقراطية.
بعد هذين المدخلين أقول إن الحركة الرياضية وانتخابات المؤسسات الرياضية دائماً تكون مثيرة للجدل في الاعداد والاستعداد لها، وفي ممارستها ثم تداعيات نتائجها وأصبحت الاتهامات والأقاويل سمة من سمات أي انتخابات على مستوى الأندية والاتحادات المحلية والعامة وحتى اللجنة الاولمبية لم تسلم منها وحتى لا يصيبنا الاحباط ينبغي أن نعلم أننا لسنا الوحيدين المعنيين بمثل هذه الظواهر السالبة، فالعالم كله يشهد مثلها كما يحدث كثيراً في المنظمات الدولية وسأحاول في هذه العجالة أن أطرح بعض الأفكار التي في تقديري الخاص يمكن أن تساهم بقدر كبير في ثقتنا في الممارسة الديمقراطية وبالتالي قبولنا للنتائج بصدر رحب وبروح رياضية وتتلخص الفكرة في الإجابة على السؤال كيف نحقق أكبر قدر ممكن من مصداقية وشفافية الممارسة الانتخابية في الحركة الرياضية لنطمئن أن من فازوا يمثلون الإرادة الحقيقية للقاعدة؟
وأبدأ القول إن الحقيقة الثابتة أن كل عضوية الجمعيات العمومية في الرياضة ما عدا الأندية التي يمثل العضو فيها شخصه كل عضويتها تكون من مؤسسات، فعوضية الجمعية العمومية للاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) تتكون من الاتحادات الوطنية وجمعية الاتحاد الوطني تتكون من اتحادات محلية وأندية ولجان تحكيم وتدريب، وجمعية الاتحاد المحلي تتكون من أندية ولجان تحكيم وتدريب، والسؤال الذي يطرح نفسه هل كل نتائج الانتخابات بالطريقة التي تجري بها تمثل الإرادة الحقيقية للمؤسسات المكونة لعضوية الجمعية العمومية؟ وهل هناك أي ضمان لالتزام مناديب أو ممثلي المؤسسات برأي المؤسسة التي يمثلونها إذا كانت مسبقاً قد حددت موقفاً أو رأياً كمؤسسة؟ الكثيرون يرون أن هذه ثغرة واضحة وأرضية هشة تسمح بسهولة اختراق رأي المؤسسة أو على الأقل تزيد من فرص التأثير على المندوب أو الممثل بأي شكل من أشكال التأثير، وهذه هي القضية الجوهرية التي تحتاج لحوار ونقاش واقتراحات، ورأيت أن أساهم برأيي الشخصي كابتدار للحوار الجاد والاقتراح الذي أطرحه من جزءين، الأول آني للعمل به حالياً والثاني آجل آملاً في تنفيذه مستقبلاً.
الأول آني: أن تبدأ الممارسة الديمقراطية من المؤسسة العضو في الجمعية العمومية وتحدد رأياً قاطعاً يمثل رأي الأغلبية في المؤسسات وملزم لمندوبها في الجمعية العمومية.
أن تضم لجنة الانتخابات بطاقة الاقتراع السري متضمنة بيانات عن اسم الممثل أو المندوب والجهة التي يمثلها حتى تتأكد كل مؤسسة من أن ممثلها قد التزم بقرار المؤسسة إذا اقتضت الضرورة ذلك، وحتى إذا رأت مؤسسة تفويض ممثلها تفويضاً مطلقاً فعلى الأقل سيكون للمؤسسة الحق في تقييم اختيار ممثلها أو مندوبها ومدى حسن تقديره الذي يمارسه نيابة عن المؤسسة.
وواضح أن هذه الطريقة تقفل الباب تماماً أمام أي تأثير مباشر لعضو الجمعية العمومية كما تبعد عنه شبهة عدم التزامه برأي مؤسسته.
الثاني الآجل: وهو اقتراح يعتمد على تطورنا اليكترونياً وكلنا نعلم أنه طال الزمن أم قصر فلابد أن نكون جزءاً من منظوة عالم اليكتروني تلعب البرمجيات فيه الدور الأكبر ،ولعل ممارسة تسجيل اللاعبين في (الفيفا) هذا الموسم خير دليل، والاقتراح هو أن تصوت المؤسسات مباشرة من مقارها اليكترونياً بواسطة كلمة سر لكل مؤسسة وهو ببساطة أن تتخذ المؤسسة قرارها وترسله للجنة الانتخابات في الوقت المحدد، ولعله يكون من الأفضل أن يكون الكمبيوتر البديل للجنة الفرز فيفرزها آلياً ويعلن النتيجة خلال ثواني معدودة، وحتى ذلك الحين أتمنى أن نخطو خطوة أو خطوات نحو التطور المنشود.
والله من وراء القصد
محمد الشيخ مدني رئىس لجنة الاستئناف العليا لكرة القدم