في سبعينيات القرن الماضي ...قدم محجوب شريف (جميلة ومستحيلة)...اول اغاني محجوب العاطفية ...واعمقها (رومانسية) حيث السعي بين الممكن والاستحالة. بين الشمس والارض.
والرجوع باستحالة الوصول.
قبل (جميلة ومستحيلة) كان الفنان محمد وردي قد غنى في 1969م اغنية من (غير ميعاد) للتجاني سعيد الذي كان وقتها طالبا في المرحلة الثانوية.
كان محمد وردي قد وجد (من غير ميعاد) منشورة في الصفحة الفنية التى يحررها محمد يوسف موسي في احدى صحف الخرطوم وقتها ..فاعجب وردي بالكلمات وشرع في تلحينها ...واتصل بمحمد يوسف موسي لاستئذان شاعرها من التغني بها.
وقد كان محمد يوسف موسي حلقة الوصل بين محمد وردي والطالب وقتها في الثانوي العالي التجاني سعيد.
استمع التجاني سعيد لاغنية (من غير ميعاد) في التلفزيون القومي للسودان قبل ان يلتقى بي محمد وردي.
كان التجاني وقتها غير مصدق ان فنان في قامة وردي يغني له وهو في المرحلة الثانوية ..حتى ان التجاني (لكز) والده عندما كان يسمع للاغنية معه ..وقال له الاغنية دي كاتبها انا.
يومها نظر سعيد الي ابنه (التجاني) وهو مستعجبا من الاغنية ومن كاتبها الذي اصبح (رجلا)...وشاعرا يغني له محمد وردي نفسه.
عندما جاء التجاني سعيد بصحبة محجوب شريف الى اتحاد الفنانين من اجل الالتقاء بالفنان محمد وردي ، لاول مرة...كان وردي وهو يضم التجاني سعيد اليه بقامته الطويلة تجعل اقدام الاخير ترتفع عن الارض وهو يعانقه يقول له : (والله لو كنت عارفك صغيّر كدا ما كنت غنيت ليك).
معروف ان وردي وقتها كان يغني لعمالقة الشعراء اسماعيل حسن وصلاح احمد ابراهيم ومرسي صالح سراج.
كان هذا هو اول لقاء يجمع بين وردي والتجاني سعيد في اتحاد الفنانين ...اما محجوب شريف فقد كان بعيدا عن تلك الاحداث ...لم يكن يعرفه احد في ذلك الوقت.
اخذ محجوب شريف موقعا بعيدا في اتحاد الفنانين ..وهو ينظر الي صديقه التجاني سعيد وهو في حضرة محمد وردي.
ومحجوب شريف كان عندما يجلس مع صديقه التجاني سعيد في خور الثورة في المساء ..يمازحه التجاني بانه شاعر غني له محمد وردي.
حتى جاء محمد وردي بعد ذلك وغني لمحجوب شريف (جميلة ومستحيلة) الاغنية التى قدمت لنا (الرومانسية) في شكل آخر.
قدمتها لنا في طبق من الحواس الراقية.
خرجنا منها ..ونحن اكثر سعادة ...واكثر تمددا بالحب ...والفرح ..والممكن رغم (استحالة) الجمع في (جميلة ومتسحيلة).
من هذه الاغنية في ظني ...تعلمنا اول محاولاتنا في كسر القيود ...والخروج على الناس ..والشيوع في الطرقات.
اوقدنا الف شمعة ..وشمعة ..وبقينا ما سائلين في زول.
كانت اغنية (جميلة ومستحيلة) تمثل لنا حالة من (الفلهمة) ..وتشعرنا اننا نترقى درجات ودرجات في سلم الانسانية والعاطفة والثقافة.
كنا نشعر باننا نتحرر بهذه (الاغنية).
وقد كانت (جميلة ومستحيلة) فتحا جديدا للاغنية السودانية..طرق بها محجوب شريف دروبا كانت مغلقة.
(جميلة ومستحيلة) عندي تشبه حالات الفرح الفلسفي التى اشاعها عمر الطيب الدوش مع محمد وردي الذي غني له اكثر اغاني الحب فلسفة وتعقيدا.
غني محمد وردي لعمر الطيب الدوش ..(الود) ..ثم غني له (بناديها) ..وجاء في تمانينات القرن الماضي وغني له (الحزن القديم) ..والاغنيات الثلاثة تمثل حالة من حالات التشبع الفلسفي العميق في حضور الاغنية السودانية.
لا اريد ان اذهب في ذلك المجال بعيدا ..لكن (ادوّن) ذلك في دفتر الحضور ...اغتسالا.
الحزن القديم ..حالة من الانفلات من قانون الجاذبية الارضية ..وتحليق بعيدا بعيدا.
كثيرا من الاغنيات تخرجنا من حالة (الانغلاق) التى نعاني منها الان.
تنشلنا من حالة (احباط) جماعى ....نغرق فيه للنخرة.
ونكفكف ..ونتنفر ...ونلعن حظنا العنيد.
احتاج ان اتحدث عن (جميلة ومستحيلة) ...والود وبناديها ...والحزن القديم ...وانا ابحث عن مدخل (شرعي) يخفف عندي وجعة الخسارة 1 /4.
اعود الي (جميلة ومستحيلة)...وانشر غسيلي هذا ..(جراحا).
عندما اجلس اليوم مع محجوب شريف ..اشعر ان محجوب هذا خلق ليمنحنا (القدرة).
محجوب ...رجل لا يعرف الانكسار ...هو قوي في كل الحالات ..لا تجده قط في حالة من حالات الاحباط.
دائما هو قوي ..لا يهزه شيء.
خلق هكذا ليكون (رمزا) ..وقويا يمنحنا (الضوء) عندما تبخل علينا الشمس باشعتها.
محجوب شريف ...لا يفك وصلة (الاوكسجين) من انفه ...هو في هذه الحالة 24 ساعة ..برئة عليلة يرهقها حتى (النسيم).
مع ذلك ...هو يبحث باستمرار عن خدمة الاخرين ...وعن صناعة الفرح ..ومساعدة المحتاجين.
قدم قبل فترة محجوب شريف مبادرة لدعم نساء الناسور البولي من خلال التنافس بين الهلال والمريخ في العطاء من اجل اولئك المحتاجين.
لكن ..لا المريخ ..ولا الهلال كانوا في الموعد.
اتذكر في المؤتمر الصحفي ..مندوب المريخ يعلن عن رغبتهم الاكيدة في المساعدة ...وعن استعدادتهم للتنازل عن دخل بعض المباريات دعما للمبادرة.
لكن الي الان لم يتحرك احد من المريخ نحو ذلك الذي اعلن عنه في (المنصة) بواسطة المكرفون.
دا كلو كان كلام ساكت ..وشيء للفهلوة والاستعراض الاعلامي ..لا غير.
اما الهلال فقد كان غائبا حتى عن الحضور.
لم نجد الهلال ..وكان المريخ وجوده زي عدمه.
اخر لقاء جمعني بالشاعر محجوب شريف ...وجدته يقول لي في حسرة ..اسمع فكرة المنافسة بين الهلال والمريخ من اجل تلك المشاريع الخيرية شيلها من رأسك...خلاص نفكر لينا في حاجة تانية.
هذا امر قد نعود اليه ..وقد نشرحه بصورة اكبر ..في مساحات قادمة بحثا عن تفعيّل دور الهلال والمريخ من اجل المساهمة في تلك المشاريع الخيرية ..والنبيلة التى يخترعها محجوب شريف.
اعود الي (جميلة ومستحيلة).
اغلب الظن ان محجوب شريف كتب هذه الاغنية في بواكير شبابه ..وقد عاش تفاصيل الاغنية حقا ..واصبحت تلك الجميلة مستحيلة عنده.
إلا ان محجوب شريف تجاوز مربع هذه الاغنية ...وكتب روائع كثيرة في الوطن الكبير ..وفي زوجته الانسانة الفاضلة الاستاذة اميرة الفاضل وفي بنتيه مريم ومي ...(مريم ومي بنياتي)...وقد غني سيف الجامعة وفرقة عقد الجلاد لمريم ومي اغنيات شرعت وسنت لاحساس الابوة في الاغنية السودانية ...واحساس الاب ببناته ..وهذا شيء كان تفتقده الاغنية السودانية ...وكان تفقده حتى حواسنا والوجدان السوداني الذي كان فقيرا عن هذا التنظيم والتشريع العاطفي النبيل والجميل.
(جميلة ومستحيلة) اسم اطلق على جامعة الخرطوم ..عندما كانت جامعة الخرطوم ..جميلة ...وكانت مستحيلة ..فاستحقت الجامعة الام ان تكون (جميلة ومستحيلة).
الان نحن ندخل مباراة الاياب التى تجمع بين الهلال وسيوي العاجي باحساس (جميلة ومستحيلة)..وان كانت الاستحالة في الاغنية قد تحققت.
في مباراة الاياب نبحث عن ان نكسر طوق الاستحالة هذا ..عملا بمبدأ لا مستحيل في (المقبرة).
واحسب ان جمهور الهلال ..لا يعرف الاستحالة ..وقد جربنا ذلك في حضرته كثيرا.
نجحنا في كل التحديات التى دخل فيها الهلال....وخرجنا بفضل الجمهور من كل الانفاق التى وضعتنا فيها الظروف والاقدار.
والهلال قادر على ان يتجاوز هذه المعضلة ...بالارقام وبالعزيمة والتاريخ والاصرار ..وبجمهور الهلال الراقي والعظيم.
نملك نوعية من اللاعبين ..يمتلكون من المواهب والامكانيات ما يمكنهم من فعل المستحيل.
المعز محجوب ..عندما يكون (حضورا) تستعصي شباكه على الجميع.
ومساوي ..يدافع ويهاجم بنفس القدرة ...تجده في المكان الذي تحتاج اليه.
ونزار (الصاعقة) ..طاقة جبارة ..وامكانيات لا نجدها إلا في (برشلونة).
وبشة (الفراشة) يحلق في كل المساحات من اجل التزود بالرحيق ..وامتاعنا نحن (دهشة) به.