عقد معهد دراسات حقوق الإنسان بجامعة كولمبيا في نيويورك ندوة عن الأزمة السودانية تحدث فيها الخبير في الشأن الأفريقي والسوداني جون برندرقاست والأستاذ الزائر في جامعة كولومبيا أحمد حسين آدم. وأدار الندوة التي عقدت يوم الأربعاء الماضي فيليبس ديفيد مدير برنامج بناء السلام والحقوق بالجامعة نفسها. واستهل ديفيد حديثه بالإشارة إلى المبادرات التي تسعى جامعة كولومبيا إلى تحقيقها في السودان وجنوب السودان وذلك دفعا للسلام في المنطقة. واوضح ديفيد أن الجامعة أجرت سلسلة من المشاورات مع قادة المجتمع المدني في دارفور، وكذلك المنظمات النسائية، والأكاديميين، وقدمت الدعم الفني، وبناء القدرات المهنية لعدد من نشطاء الإقليم. وقال إن هذه الجهود المتضافرة أدت إلى تكوين الفريق الاستشاري التنموي لدارفور (DDAG). وحذر ديفيد أن الأزمة في السودان متعددة الأبعاد، ووصلت إلى مرحلة حرجة من شأنها أن تقوض السلام الإقليمي والدولي والأمن في المنطقة غذا لم يتم تداركها. وحث ديفيد الولاياتالمتحدة والمجتمع الدولي على إيجاد استراتيجية لحل المشكل السوداني. وأكد أن لجامعة كولومبيا جدول اعمال مفصل يهدف إلى دفع عجلة الحرية والعدالة والسلام والديمقراطية في السودان وجنوب السودان. وألقى جون برندرقاست الضوء على جوهر الأزمة السودانية وقال إن جوهر أزمة الحكم في السودان يعود إلى تركيز السلطة والثروة في أيدي أقلية من سكان البلاد. وحذر من أن الوضع قد يؤدي إلى مزيد من تفتيت ما تبقى من السودان إذا لم يتم التصدي بشكل حقيقي وكلي للمشاكل الماثلة. وقال برندرقاست إن الرئيس البشير وعددا قليلا من القيادات من حوله سيطروا على مصير الملايين من السودانيين دون امتلاكهم لحل حقيقي لأزمة البلاد. وأضاف أن البشير خائف جدا من التخلي عن الحكم، وقال إنه لا يثق في قادة نظامه، وأن هناك صراعا على السلطة وانقساما خطيرا داخل النظام، تماما مثل أي نظام يائس يتجه إلى نهايته. برندرقاست تحدث كذلك عن انطباعاته حول زيارته الأخيرة لجنوب كردفان وحذر من أن الأوضاع الإنسانية والأمنية تزداد سوءا كل يوم، وأضاف أن عشرة آلاف من المواطنين لا يستطيعون الحصول على طعام أو مأوى أو دواء، موضحا أن نظام البشير يرفض إيصال المساعدات الإنسانية للمحتاجين. وفيما يتعلق بدارفور قال برندرقاست إن وثيقة الدوحة فشلت في تحقيق السلام وليس هناك الآن آلية سياسية حقيقية لمعالجة الوضع المتأزم في الإقليم. وأشار إلى أن الحكومة تسعى فقط إلى تقسيم الحركات واستقطاب جماعات صغيرة منها بينما تترك الأزمة في تفاقمها. من ناحية أخرى أشاد جون برندرقاست بجهود توحيد المعارضة والمقاومة المسلحة، والشباب، والمجتمع المدني، والمنظمات النسائية في السودان، وذلك لتشكيل مظلة وطنية للتغيير في السودان. ودعا الإدارة الأمريكية للتعامل بجدية مع الجبهة الثورية وغيرها من القوى الموقعة على ميثاق الفجر الجديد، والذي عده خطوة إيجابية إلى الأمام من أجل التغيير الديمقراطي والإصلاح الحقيقي في البلاد. وبالنسبة للعلاقات بين السودان وجنوب السودان فقد دعا برندرقاست الحكومتين إلى إيجاد حلول للقضايا العالقة سلميا. وقال برندرغاست أنه كان يأمل أن يضع فريق السياسة الخارجية الولاياتالمتحدة الجديد يضع السودان كأولوية، موضحا أن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري يعد من ذوي الخبرة في السياسة الخارجية، وأنه يتفهم ما يتعين على السودان القيام به. وكشف برندرقاست في ختام حديثه أنه سيتم تعيين مبعوث أمريكي جديد للسودان. الاستاذ أحمد حسين آدم، رئيس قسم (السودانين) في جامعة كولمبيا أشار في بدء حديثه إلى الحادث المأساوي المروع للشاب حماد ابراهيم آدم، وهو أحد نازحي معسكرات اللاجئين في دارفور، والذي أشعل النار في نفسه احتجاجا على البؤس اليومي، والعذاب والإبادة الجماعية التي تعاني منها دارفور. وأكد أحمد حسين أن الحادث هو رمز لأزمة الإقليم بعد مرور عشر سنوات من الإبادة الجماعية. وتابع أن نظام البشير يتحمل مسؤولية ما حدث لحماد إبراهيم آدم وأكثر من 400 ألف مواطن راحوا ضحية للإبادة العرقية. وأضاف أن المجتمع الدولي يتحمل بعض المسؤولية أيضا للتقاعس عن وقف الإبادة واسترضاء البشير، وقال إن المجتمع الدولي لديه مسؤولية أخلاقية وقانونية لمنع الإبادة الجماعية الجارية في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق. وقال أحمد حسين إنه قد حان الوقت للتفكير بالنسبة لجميع الجهات الفاعلة المعنية لكبح جماح الإبادة الجماعية في دارفور التي دخلت عامها العاشر ولا يلوح هناك أي سعي دولي لإنهائها بسبب التقاعس وعدم وجود الإرادة السياسية الدولية. وقال أحمد حسين إن بعثة اليوناميد فشلت في مهمتها واستجابت إلى تكتيكات التلاعب التي يجيدها النظام، واشار إلى أن فريق الخبراء الذي كلفته الاممالمتحدة لوضع حد للنزاع ليس محايدأ، وتعمل عضويته على ترضية الخرطوم وتجنب استعداء روسيا والصين، ولذلك أصبح هذا الفريق يعمل لصالح الظالمين وليس المظلومين. وقال أحمد حسين إنه ينبغي لأعضاء مجلس الأمن الدولي وقف هذه الفوضى، خصوصا وأن هناك العشرات من قرارات مجلس الأمن الدولي بشأن دارفور ولكن لم يتم تنفيذ أيا منها. وأشار إلى أن الحكومة تكثف القصف الجوي على المواطنيين وممتلكاتهم ومواشيهم على أساس يومي وتحت رقابة اليوناميد. وقال أحمد حسين إن الاغتصاب ما يزال سلاحا فاعلا تستخدمه الحكومة في النزاع وأن متوسط حالاته في الشهر تبلغ نحو خمس، موضحا أيضا أن ذلك يحدث على بعد أمتار قليلة من قوات اليوناميد، وأبان أحمد حسين أن أزمة الغذاء والمأوى والدواء ما تزال توجه معسكرا النازحين واللاجئين في تشاد. وأعرب أحمد حسين عن أمله ان يشدد مجلس الأمن الدولي على القبض على المتهمين بأرتكاب جرائم الحرب والإبادة الجماعية وقال إنه ليس من المفاجئ ألا يتم تنفيذ اي مذكرة توقيف للمتهمين من قبل المحكمة الجنائية في ظل تجاهل المجتمع الدولي للأزمة. وقال أحمد حسين إن وثيقة الدوحة لا تجد أي نوع من القبول، مضيفا أن الذين وقعوا عليها لا يمكنهم زيارة معسكرات النازحين داخليا والدفاع عن الوثيقة أمام المواطنين. واستطرد أن الوثيقة استغلت كغطاء لقتل وتقسيم أهل دارفور. وتساءل أحمد حسين عن جدوى الدعم المالي الذي تقدمه الجهات المانحة في هذا الظرف، موضحا أن الهدف الذي تسعى إليه الخرطوم هو توظيف هذا الدعم لحل مشاكلها ودعم أجهزتها النظامية في حملتها لإبادة شعب دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق. وشدد أحمد حسين على أن النظام يعزز تحالفه مع إيران الإرهابية ووكلائها ما أدى إلى تحول السودان إلى قاعدة عسكرية كبيرة لمخابرات الحرس الثوري الإيراني. وقال أحمد حسين إن هذا التحالف يقود إلى تأجيج الصراعات في المنطقة ومساعدة النظام في حملة الإبادة الجماعية في السودان، مشيرا إلى أن السودانيين لا يرغبون أن تكون بلادهم ساحة معركة بين القوى الإقليمية والدولية المتصارعة. واختتم أحمد حسين حديثه بالقول إنه مع وجود نظام البشير في السلطة فإن البلاد ستكون أكثر عرضة للتفكك والحرب مع دولة الجنوب الوليدة وزعزعة استقرارها، بينما سيكون السودان معقلا للإرهاب الدولي والجريمة المنظمة مضيفا أن النظام جلب إلى دارفور مجموعات إرهابية من مالي. وقال أحمد حسين إن شعب دارفور ينبغي ألا يدفع ثمن الحرب في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. وأختتم أحمد حسين كلمته بدعوة الشعب السوداني للعمل معا وتعزيز ميثاق الفجر الجديد ووضع برنامج وطني للتغيير الديمقراطي في السودان. وقال إن هناك حاجة ماسة إلى وقف الإبادة الجماعية وأن ينعم السودان بالحرية والعدالة والسلام والديمقراطية. هذا وقد حضر المناقشة عدد كبير من أعضاء الجالية السودانية في نيويورك، ومجتمع جامعة كولومبيا والنشطاء الأمريكيين، وبعض ممثلي السلك الدبلوماسي في نيويورك، وعدد من المعنيين بالأزمة السودانية. الجدير بالذكر أن معهد دراسات السلام وحقوق الإنسان استضاف في الشهر الماضي الدكتور فرانسيس دينق مندوب جنوب السودان لدى الأممالمتحدة في ندوة عن قضايا السودانيين.