صدر اخر عدد من مجلة (سري أفريقيا) الجمعة 7 يناير ، وهو يحمل مقالا حول السودان بعنوان “الحرية شمالا وجنوبا”، وتصدر المجلة المتخصصة في الشأن الأفريقي في بريطانيا ، وقد رصدت بعددها الأخير الأحداث في السودان مستشرفة عهدا جديدا ولغة مختلفة في السياسة السودانية. ذكرت المجلة إن المعارضة الشمالية ترى أن انفصال الجنوب فرصة للنيل من نظام المؤتمر الوطني في الخرطوم، وإنها- أي المعارضة الشمالية- أعلنت “عن نيتها لإسقاط نظام المؤتمر الوطني بصورة قوية وغير مسبوقة منذ انهيار المعارضة المسلحة وغير المسلحة بنهاية التسعينات” بحسب المجلة. وقالت إن النظام يهدد بغضب الآن بدولة إسلامية وبالتعامل الفظ مع المعارضة في دارفور. وتقول المجلة “بالرغم مما يظهره الرئيس عمر البشير في خطبه العامة من مصالحة بإزاء الجنوب تثير إعجاب بعض الدوليين كما سمعنا، فإنه يضيق الخناق على معارضيه الكثيرين في الشمال”. وأشارت المجلة لفتوى الشيخ يوسف القرضاوي لمسلمي الجنوب بحرمة تصويتهم للانفصال. كما ذكرت مظاهر العنف والتضييق لحكومة المؤتمر الوطني في الشمال متعرضة لإصابة الدكتورة مريم الصادق المهدي وقد وصفتها المجلة بأنها الوريثة السياسية لأبيها الإمام الصادق المهدي رئيس وزراء السودان المنتخب الذي أطاح به انقلاب الجبهة الإسلامية القومية في 1989، وقالت الصحيفة إن ذراع مريم هشمت إلى 14 قطعة بحسب مسئول من حزب الأمة أخبر المجلة، وقالت “إن التعدي عليها كان بالعصي والأيدي الأرجل في محاولة لقتلها” وأضافت: إن هذا الهجوم الذي أغضب السودانيين حتى خارج حزب الأمة جاء مذكرا بالعنف الذي تمارسه قوات الأمن من تعذيب واغتصاب ظنه العديدون سيقتصر الآن على منطقتي الحرب في الجنوب ودارفور. وذكرت المجلة أن هناك دستة من النشطاء الدارفوريين معتقلين بدون محاكمة منذ نوفمبر الماضي، كما أشارت للحكم على الناشط الدارفوري البارز د. مضوي إبراهيم آدم بالسجن لمدة عام في 14 ديسمبر. وأشارت المجلة كذلك لشريط الفيديو بجلد الفتاة الذي ظهر في موقع اليو تيوب ولحادثة اعتقال 60 من الناشطات اللائي احتججن على ذلك. وذكرت المجلة أن مريم التي وصفتها بالصريحة –في إشارة ربما لتصريحاتها المعارضة والمعلنة للنظام- قد ذهبت لتلقي العلاج بالأردن، كما أشارت لضرب الشيخ محمد الغزالي (74 عاما) من الجزيرة أبا بولاية النيل الأبيض وبقائه في المستشفي لتلقي العلاج بعد إصابته البالغة في رأسه. وذكرت أن قوات الأمن والبوليس اعتدت على منسوبي الأنصار وحزب الأمة إثر اجتماع لقيادات الحزب من كافة أنحاء السودان وهم في طريقهم للذهاب لصلاة الجمعة. وأضافت المجلة: هذه الأحداث يمتد أثرها لما وراء دوائر ضحاياها المباشرة، والناس يتحدثون الآن عن ثورتي 1964 و1985 عندما أطاح المدنيون بأنظمة عسكرية ، ويتذكر البعض الإعدام شنقا بتهمة الردة للاستاذ محمود محمد طه (76 عاما) زعيم حزب الأخوان الجمهوريين الإسلامي الاصلاحي الصغير والذي ساعد على تحفيز انتفاضة 1985 ضد نظام جعفر نميري. وقالت المجلة إن المؤتمر الوطني حاول تحييد الولاياتالمتحدة بالتعاون الاستخباراتي معها، وضرب المعارضة الشمالية بتكتيكات فرق تسد. وقالت المجلة على لسان محمد علي الأنصاري ، رئيس حزب الأمة في بريطانيا وأيرلندة إن المؤتمر الوطني قد ‘صرف قدرا كبيرا من المال' على تقسيم الأحزاب. وقالت المجلة إن تلك الأحزاب تحاول الآن أن تحول أحدث مظلة للمعارضة، تحالف القوى الوطنية أو قوى إجماع جوبا، إلى قوة سياسية ذات مغزى. كما أشارت لعودة زعيم جماعة منشقة من حزب الأمة: مبارك عبد الله الفاضل المهدي الى الحزب الاصل . وقالت إن قادة المؤتمر الوطني يعولون على جمود المعارضة وقوة أجهزتهم الأمنية ، التي اخترقت كل مؤسسة مدنية أو مؤسسة حكم. وبالرغم من ذلك فإن الزخم المعارض في تزايد. وقد ردت الخرطوم بتهديد المعارضة الشمالية بينما تعد باستفتاء حر بالنسبة للجنوبيين ، من خلال التعهد بالاعتراف بنتائج التصويت في الوقت ذاته الذي تدعي أنه جزء من مؤامرة غربية صهيونية لتقسيم العالم العربي وسرقة مياه النيل ؛ فهي تغازل الحكومات الأفريقية مخاطبة إياهم ب'الاخوان' في حين تقول للدول العربية إن السودان هو إحدى الدول العربية ، وفي نفس الوقت تعرقل استفتاء أبيي. تقول المجلة : مواقف عمر البشير تبدو مليئة بالتناقضات ولكن هذا ليس شيئا جديدا. موقفه كزعيم هو في حد ذاته غامض: الجبهة القومية الإسلامية جاءت بالعميد (الآن المشير) كزعيم لنظام لا يحكمه. مما يتيح للحزب الإسلامي الاختباء وراء عمر الصاخب فيقدم نظامه باعتباره ديكتاتورية أفريقية أخرى فحسب- ما يعد مقبولا للدول الأفريقية والغربية والعربية والآسيوية. وأضافت: حينما أزاحت الجبهة الإسلامية حسن الترابي في 1999م نحو الظلال وغيرت اسمها لحزب المؤتمر الوطني ، أمكنها عرض نفسها على أنها لم تعد إسلامية بدون أن تقول ذلك بالفعل. قالت المجلة: لقد أكدت مصادر تتراوح من الشيوعيين السودانيين إلى مسؤولين في الاستخبارات الغربية لسري أفريقيا إن حزب المؤتمر الوطني قد ‘تغير'. وقالت: وسط مخاوف أجنبية من أن السودان سوف يتفكك عندما ينفصل الجنوب ، فإن بارون الأمن بحزب المؤتمر الوطني “نافع علي نافع” أعلن الشهر الماضي أن حزب المؤتمر الوطني قد أنقذ السودان من التفكك. في الواقع ، وكثير من الشماليين يلقون اللوم على حزبه بخسارة الجنوب. وأكدت المجلة إن حزب المؤتمر الوطني قد شن حربا وحشية على نطاق أوسع وأكثر من سابقاتها ولكن رغبة الجنوب للمساواة أقدم وأعمق : وما فعله حزب المؤتمر الوطني هو أنه أنهى ببساطة آمال الجنوبيين المعلقة ب ‘سودان جديد' يستند على العدل والعلمانية السياسية. وقد وعد عمر على العكس من ذلك في 19 ديسمبر بأنه وبعد انفصال الجنوب ، لن تكون هناك «مسألة التنوع الثقافي أو العرقي. وسوف تكون الشريعة المصدر الوحيد للدستور والعربية اللغة الرسمية الوحيدة”. وعلقت المجلة: هذا لن يجلب السلام في دارفور أو في أماكن أخرى. وذكرت المجلة نفي الترابي، وهو رسميا جزء من المعارضة ، علي قناة دبي “قناة العربية” أنه شارك في محاولة اغتيال الرئيس المصري محمد حسني مبارك في أثيوبيا عام 1995م، وقالت إن الرئيس مبارك وقتها كان قد قال ‘هذا (من فعل) حسن' [أي الترابي] وفرضت الاممالمتحدة عقوبات على الخرطوم. وإن القاهرة ضغطت أيضا على اقالة رئيس جهاز الامن نافع من النظام. وقالت المجلة إن مصادر قريبة من الترابي تقول إنه يلقي باللوم على نائب الرئيس علي عثمان محمد طه في ذلك الهجوم. وقالت المجلة إن الترابي ذكر لقناة العربية ، إن أسامة بن لادن حينما كان يعيش بالسودان لم تكن لديه “معتقدات حزبية أو أيديولوجية'. وقالت المجلة إن الجبهة القومية الإسلامية (وكان الترابي قائدها في ذلك الحين) عززت من صورة أسامة بن لادن كرجل أعمال حينما غادر إلى أفغانستان في 1995. وعقبت: في الواقع ، لقد تزامنت فترة بقائه لخمس سنوات في السودان مع قيام الجبهة القومية الإسلامية بتشجيع وتدريب الارهابيين الاجانب والمحليين و'الجمعيات الخيرية وكان بن لادن هاما في إستراتيجية الجبهة الإسلامية الدولية. وذكرت المجلة أن الصحفي السوداني المخضرم عثمان الميرغني ، وهو محرر بارز في صحيفة “الشرق الأوسط” المملوكة للسعودية أشار إلى تناقضات في الأسبوع الماضي بقوله: سيكون أمرا لا معنى له أن تقوم الخرطوم بطرد أسامة أو تتعاون مع الاستخبارات الأميركية إذا أصبحت كما وعد وعمر من جديد ‘دولة إسلامية' وجادل بأن ‘ممارسة التقية [إخفاء المرء إيمانه خلال الظروف الخطرة] لا تزال سلوكا للنظام ارتكبه منذ مجيئه للسلطة من خلال انقلاب ضد النظام الديمقراطي [السابق] الذي كانوا هم أنفسهم أعضاء فيه . وشبه محلل سوداني التقية بلواذ حلزون بقوقعته احتماء. وهو تكتيك إسلامي معروف. وقالت المجلة إن الصادق وغيره قد دعوا الى تشكيل حكومة وحدة بعد الاستفتاء. ولكنه قال أيضا إن البديل هو إزالة النظام ، وأنه إذا رأى أنه لا يستطيع المشاركة في ذلك فإنه سوف يستقيل من قيادة الأمة. وقد وضع مهلة حتى 26 يناير ولكن المعارضة دعت إلى مسيرة احتجاج يوم 16 يناير. وختمت المجلة بالقول: ومع كل ذلك فإن كثير من الساسة الاصغر سنا يريدون تغييرا حقيقيا في الخرطوم.