[email protected] سيان عندي إذا أعادتهم إسرائيل سرا أم عادوا في رابعة النهار في كشة خليجية.. لابد من ضرب الحديد ساخنا قبل أن تعصف بي النوستالجيا ويبتلعني طوفان العمل ومرارات الغربة ..عدت من السودان هذه المرة مترعا بالخوف مثقلا بالهم فقد رأيت المعاناة في عيون الناس ..معاناة متعددة الوجوه حلم ضحاياها تأمين الضروريات في مستوياتها الدنيا في مواجهة نيران لهيب أسعارها يتقافز إلى أعلى فوق القدرات ولا يجرؤ احد الاقتراب منها .. أفرزت جيوشا من النساء والرجال والأطفال ..بشر بائسون تائهون هائمون على وجوههم في كل الاتجاهات أكثرهم يتسول لقمة العيش في قارعة الطريق و الأسواق ومواقف السيارات وخارج دور العبادة ..عدت من هناك أكثر إيمانا بأن لاعاصم لهذا البلد الذي مصيره هاوية لا قرار لها إن لم يتم إيقاف طواحين الحروب اللعينة والاحتقانات العبثية التي تصرع حاضرنا وتهدد مستقبلنا لا لسبب إلا لأن لا أحد يريد أن يكلف نفسه عناء الالتفات إلى العبر والدروس الملقاة تحت أقدامنا وعلى قارعة الطريق من حرب أهلية ضروس أكلت الأخضر واليابس ودخلت التاريخ كأطول حرب أهلية في تأريخ القارة حصدت مليوني روح وشردت أربعة ملايين وأسفرت عن خسائر تقدر بمليارات الدولارات في دولة ترزح تحت خط الفقر قبل أن نستعيد العقل ونوقف النزيف الدامي على مائدة التفاوض في نيفاشا .. ومع ذلك استأسدت كما أكد تاريخنا القريب المرارات التي تراكمت على مدار خمسون عاما لتكتب نهاية الوحدة والتي لم نجنى منها شمالا وجنوبا سوى الجوع والمرض والحرمان وضياع الثقة …استنساخ هذا السيناريو في مكان آخر هو الكارثة بعينها والتي سنتفوق فيها والعياذ بالله على ملوك البوربون الأسبان الذين لا يقرأون وإذا قرأوا لا يفهمون ..السؤال هنا كيف يأتي السلام ؟ الإجابة تقول إن التاريخ لا يعرف اتفاقية سلام أبرمت دون تقديم المهر المطلوب وهو التضحيات والتنازلات والاستحقاقات المطلوبة ..تأسيسا عليه فان الذين يخططون لأكل الكعكة والاحتفاظ بها في نفس الوقت ساقطون بقاضية الجولة الأولى ولا يخدعون إلا أنفسهم ..من ينتظر الرفاهية ورغد العيش وسط دوى المدافع وأزيز الطائرات واهم وحاله كحال من يزني ويسرق ويعب الخمر ويلعب الميسر ويحلم بدخول الجنة ..لنعترف إذن إننا دفعنا غاليا ثمن غياب السلام حينما أصبح العنف أداة للتعبير بإيعاز وتشجيع من ولاة الأمر بأنهم لا يفاوضون إلا من يحمل السلاح ..لا نقول جديدا إذا قلنا إننا دولة حباها الله بإمكانيات اقتصادية نادرة وموقع استراتيجي فريد يجاور أسواق الاستهلاك وواقع يقول إن الغذاء هو مشكلة العالم في الوقت الحالي ولكن استثمار هذه المزايا حتى في محيطنا الإقليمي ليس بحجم الطموحات المشروعة والمطلوبة لأسباب كثيرة من بينها عدم استقرار الحالة الأمنية ..اتسائل بوجع لماذا تذهب الاستثمارات الزراعية الخليجية إلى اندونيسيا والأرجنتين ونحن على مرمى حجر ؟ وعلى نفس هذا المنوال من النعم التي أنعمها الله علينا يأتي التنوع الاثني والثقافي والذي كان يمكن أن يكون مصدرا للقوة والثراء ولكن كما يقول الشاعر كلما انبت الزمان قناة ركب المرأ في القناة سنانا ..اختطفوا هذا التنوع دعاة مشروع رفض الآخر أمام مرأى ومسمع الحكومة..نحروه من الوريد إلى الوريد وذبحوا الثيران قربانا للفرقة والشتات واتجهوا بمشروعهم الإجرامي إلى صدر الشعب المسكين المسالم يزرعون في خاصرته الكراهية ويبثون فيها سموم العنصرية والحكومة التي تطلق عسسها على الصحف في الهزيع الأخير من الليل تشطب وتصادر تكتفي هنا بالفرجة وكأنها شريك في المخطط الإجرامي اللعين ..بسبب هذه الغلواء فشلنا في إدارة التنوع فخرجت علينا شياطين الجهويات في جنوب كردفان والنيل الأزرق ترفع السلاح ..ليتنا نعتبر هنا بتجربة دولة صغيرة بحجم رأس الدبوس على الخارطة اسمها سنغافورة تبلغ نسبة محو الأمية فيها 96% ومتوسط عمر إنسانها 80 عاما ومتوسط دخل الفرد 56,694 ألف دولار ونسبة البطالة لا تتجاوز 2,2 % وتعتبر الأدنى في العالم وحسب إحصائية لمجلة فوربس الأمريكية تحتل المركز الثالث ضمن قائمة أغنى 15 دولة في العالم حيث تعتبر أنشط ميناء تجاري في العالم ولكن ما سر هذه الطفرة ؟ وما سبب هذا الرخاء ؟ هل هي التكنولوجيا ؟ لا . .هل هي رؤوس الأموال ؟ لا .. هل هى الموارد الاقتصادية ؟ برضو لا .. اللاءات الغليظة هذه ليست من عندياتي ولكنها لسان حال سفير سنغافورة في العاصمة السعودية الرياض ونج كوك بون ففي حوار لصحيفة الشرق الأوسط بتاريخ 2 مايو 2012 قال إن قوة سنغافورة ونجاح تجربتها الاقتصادية تكمن في قدرة الدولة على صهر المجموعات الثلاثة الأكبر للمجتمع السنغافوري وهم الصينيون والهنود والمالاي في بوتقة واحدة ذابت فيها كل الأعراق في عالم تسوده العولمة ..هكذا يذهب الرجل ولكن من يعتبر ومن يهتدي ؟ أثناء تجوالك على الصحف المعروضة على أرصفة الشوارع في بورتسودان لن تخطيء عيناك مانشيتات تعيسة لصحافة بائسة معظم خوائها من (الانتباهة) تنهال على وجهك صفعا ..هذا مانشيت يقول ..إسرائيل تعيد سرا ألف لاجىء سوداني في إشارة مبطنة وكأنها متورطة في عمل تخريبي ..تتمنى في قرارة نفسك أن يعمل القوم مع مثل هذه الأمور بالقول المأثور وان بليتم فاستتروا وتتساءل أين الخطأ هنا ؟ هل الخطأ في إسرائيل التي دقت صدرها بداية وقبلت باستضافة لاجئ السودان ثم حين فاض بها الكيل بسبب الكلفة العالية لتدفقهم زرافات ووحدانا على خزينتها العامة التي يمولها دافع الضرائب قررت إعادة بضاعتنا إلينا ؟ أم إن الخطأ خطأنا حينما أصبحنا بلدا طاردا أشبه بسفينة غارقة داخله مفقود وخارجه مولود يغادره اللاجئون هربا من الحروب ويغادره الأطباء هربا من الجوع ؟ الأمر عندي سيان إذا أعادتهم إسرائيل سرا أم عادوا في رابعة النهار ضمن كشة خليجية ..قائمة المانشيتات التعيسة للصحافة المسافرة في الخطابة والقصائد والنصوص المسرحية وجميع أسماء التعجب والإشارة لا تنتهي ..هذا مانشيت يبشرنا بانهيار دولة جنوب السودان وكأن انهيارها سيجير لصالحنا قمحا ووعدا وتمني .. مانشيت آخر يتهم إسرائيل بالضلوع في مؤامرة تستهدف السودان ويطالب بالتحقيق مع اللاجئين لكونهم مخربين مدسوسين بل إن رئيس اتحاد الصحفيين السودانيين يذهب بأن إسرائيل وراء أسراب الجراد التي هاجمت السودان قبل أن تهرب محبطة إلى بلد آخر.. هذا زمانك يا مهازل فامرحي .. إذا لا تستحي فإتهم كما شئت .. في مثل هذه الأجواء المأفونة المأزومة الملوثة وعلى طريقة وكل إناء بما فيه ينضح فمن الطبيعي أن يخرج علينا كاتب آخر هو إسحاق احمد فضل الله بمقال يرمي فيها ثقافاتنا بأقذع الصفات .. الانطباع الذي تخرج به من المقال الذي هو مزيج من السمك واللبن والتمر هندي والذي انزلق فيه قلمه في عنوان اعتقد انه ممعن في خطأ المعنى واللفظ ( قاذوراتنا الثقافية المجيدة) يكشف عن الكراهية التي يكنها الرجل للتنوع الثقافي فهناك كراسي تتطاير ومواجهات مسلحة وصلوات موت وحشرات (فنون شعبية ) ينبغي إبادتها بالبيف باف .. الكاتب الكبير لا يقول لنا سبب القيامة القايمة ولكنه يواصل اندفاعه ليصل للنتيجة التي يخطط لها وهو يدق الطبول عن الخطر الذي يحدق بالسودان وهو الاهتمام بالثقافات المتنوعة ودراسة اللغات السودانية لان ذلك ينتهي كما يتوهم للنتيجة الحتمية في قلب تل أبيب .. كيف ؟ لا أدري .. زنابير إسحاق لا تتوقف عن الطنين إنها تتجه هذه المرة إلى الشرق وتكشف لنا العجب العجاب تصطاد والي الولاية وتقول إن اسم ايلا يعني في اللغة العبرية الأبيض وهذا كشف جديد لم ننتبه إليه حقيقة (اللهم فوق كل ذي علم عليم )..هنا ومن باب الإشفاق عليه نقول له ستتعب كثيرا يا إسحاق إذا انسقت وراء هذا المنهج الكسيح باحثا عن مرادف لها في اللغة العبرية لإخراجنا من ملة الإسلام ذلك لان معظم أسماء البجا صفات فأدروب (احمر) وهدل (اسود) واوكير (الخير) وباونين (الذي لا يغضب) . ثم ألم تجد في كل ثقافة أهلنا في غرب السودان أحفاد كساة الكعبة المشرفة سوى جرار من المريسة ؟ روح كده ولا كده جاتك نيلة ياخي .. نحن نفهم انه دون لف أو دوران فان الغاية المقدسة التي نسعى لها جميعا هي إنزال الهزيمة بدولة الكيان الصهيوني ..ولكن وفي ضوء قدراتنا لن نشطح ..فإذا منعناها من أن تسرح وتمرح في سمائنا وتستبيح عرضنا وأرضنا فهذا هو الانتصار بعينه ولكنني أسألكم بالله وانتم أدري مني كيف ننتصر عليها ؟ هل بالفرقة والشتات؟ هل باحتلال المركز الثاني في قائمة الدول الأكثر فسادا في العالم ؟ هل باحتلال المركز قبل الطيش في منظومة دول العالم من حيث تقديم الخدمات والرفاهية ؟ هل بخروج الهلال والمريخ من البطولات القارية (قولة تيت ) وعودة صقور الجديان من غانا بشباك ممزقة وريش منتوف في التصفيات المؤهلة لكأس العالم ؟ هل باحتلال المركز الأول للايدز بين الدول الإسلامية ؟ يقول الشاعر لا تلعنوا السماء إذا تخلت عنكموا ..لا تلعنوا الظروف .. فالله يأتي النصر من يشاء وليس حداد لديكم يصنع السيوف .. وأنا اسطر هذا المقال جائتني تباشير الفرح الأخضر بطعم الدعاش من بورتسودان فقد تمكن جنيهنا المثخن بالجراح من شراء 5 قطع من الخبز بدلا من أربعة وان ثمن اسطوانة الغاز انخفض من 27 إلى 17 جنيها حينما استعاد الإخوة الأعداء العقل والوعي وسحبا قواتهم من الحدود وقررا استئناف صادرات النفط ..أكثر ما أعجبني في خطاب الرئيس سيلفا كير القابض على جمر المعاناة مثلنا تماما في الشمال هي النيران التي فتحها على عصابة حملة الجوازات المزدوجة المنتفعين من معاناة الشعبين.. فقد كشف إن هؤلاء لا يكترثون بالبؤساء الذين يطحنهم الغلاء لان أسرهم وأطفالهم يعيشون في الخارج .. ارتابني شك وفي ضوء اتهامات سيلفا كير بأن الرافضين للتعايش السلمي المبني على الاحترام المتبادل لأعرافنا وتقاليدنا وارثنا هي طفيليات لا تنشط إلا في مستنقعات الاستثمار في الأزمات ..إنهم ذابحوا الثيران والراقصون فوقها على نغمات الوطن الممزق ..السؤال هنا ماذا سيكسبون من هذا المشروع الشيطاني ؟ لا أحد يدري .. بل من أين جاءوا على طريقة الطيب صالح ؟ وهل يخبيء هؤلاء الغلاة الموتورون في جيوبهم الخلفية مثل اقرأنهم في الجنوب جوازات سفر لدول أخرى ؟ هل نحن الآن أكثر تدينا من قبل الانفصال أمام هذه الهجمة المخيفة من الجرائم الغريبة على أعرافنا وتقاليدنا من فساد الذمم وتفشي الانحراف وشيوع إدمان المخدرات ومرض الايدز وسط الطلاب وذبح الأطفال بعد الاعتداء عليهم ؟ أسئلة كثيرة وأجوبة شحيحة ولكن دراسة طريفة لمحرك البحث (قوقل) تقول إن السودانيين الآن أكثر العرب بحثا عن الجنس .. صدقوني لا خير يرجى من صحافة هذا حصادها .. ليت هؤلاء الذين كم صبرنا على غسيلهم الرديء مكرهين أن يقولوا خيرا أو يصمتوا . فو الله لا خيار أمامنا سوى السلام المبني على العدل والمساواة والاحترام المتبادل وهذا يستند على الإرادة ودونها الطوفان .