منظمة حقوقية: الدعم السريع تقتل 300 مدني في النهود بينهم نساء وأطفال وتمنع المواطنين من النزوح وتنهب الأسواق ومخازن الأدوية والمستشفى    وزير الثقافة والإعلام يُبشر بفرح الشعب وانتصار إرادة الأمة    السودان يقدم مرافعته الشفوية امام محكمة العدل الدولية    هل هدّد أنشيلوتي البرازيل رفضاً لتسريبات "محرجة" لريال مدريد؟    "من الجنسيتين البنجلاديشية والسودانية" .. القبض على (5) مقيمين في خميس مشيط لارتكابهم عمليات نصب واحتيال – صورة    دبابيس ودالشريف    "نسبة التدمير والخراب 80%".. لجنة معاينة مباني وزارة الخارجية تكمل أعمالها وترفع تقريرها    النهود…شنب نمر    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (ألف ليلة و....)    "المركز الثالث".. دي بروين ينجو بمانشستر سيتي من كمين وولفرهامبتون    منتخب الضعين شمال يودع بطولة الصداقة للمحليات    ندوة الشيوعي    "قطعة أرض بمدينة دنقلا ومبلغ مالي".. تكريم النابغة إسراء أحمد حيدر الأولى في الشهادة السودانية    د. عبد اللطيف البوني يكتب: لا هذا ولا ذاك    الرئاسة السورية: القصف الإسرائيلي قرب القصر الرئاسي تصعيد خطير    عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    المرة الثالثة.. نصف النهائي الآسيوي يعاند النصر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



غفلة.. لا انتباهة..!!
نشر في سودانيات يوم 13 - 09 - 2011

حديث المدينة
غفلة.. لا انتباهة..!!
عثمان ميرغني
في مقال في صفحة (5) بالداخل.. أسديت خدمة -لوجه الله- وكشفت أوراق الامتحان أمام الأستاذين الطيب مصطفى وإسحق أحمد فضل الله ثنائي الانتباهة.. على الأقل حتى ينتبها أن ما فعلاه ويفعلانه هو دور مرسوم بدقة وعناية في استرايجية دولية.. وحتى لا أفسد عليكم قراءة المقال بالداخل سأكتفي باختصار الفكرة .. الاستراتيجية الدولية لا تغرب في تفكيك السودان –خلافاً لما يظن الكثيرون- العالم يريد سوداناً واحداً موحداً بنفس المعطيات التي أجبرت المستعمر البريطاني على تدبيج مؤتر جوبا عام 1947 لتأكيد وحدة الجنوب والشمال. الاستراتيجية الدولية خططت لعملية (فك وتركيب) السودان.. لتغيير الجينات الوراثية التي تقوم عليها الدولة والمجتمع.. لصالح دولة سودانية موحدة لكن على أسس جديدة.. هي التي أطلق عليها د. جون قرنق (السودان الجديد).. وظن الأبرياء الطيبون (أمثال الطيب ورفيقه إسحق) أنها اندثرت مع قرنق في مقبرته بجوبا.. والواقع أن السودان (الجديد) قادم وفق سيناريو جديد فصلته لكم في المقال بالداخل. ولو قيض الله لثنائي الانتباهة نظرة بصيرة لكثير من المعطيات التي تدور حولهما لانتبها إلى الخطة والاستراتيجية التي تكرسهما وتسخرها لعمل لا يعلمان به. ألم يلفت نظر الطيب وإسحق احتفاظ الجنوب باسم (السودان) بعد كل الدماء والدموع التي لا يفتأ يذكرنا بها أهل الانتباهة. بل ويحتفلون -منبر السلام العادل- بذكرى مجزرة توريت في كل عام.. لماذا يحتفظ الجنوب باسم السودان بعد كل هذه المرارات والإحن. من قلة الأسماء.. عجز في الخيال.. لم يجدوا غير اسم (جمهورية جنوب السودان)؟؟ ألم يسأل الطيب مصطفى وإسحق نفسيهما.. لماذا حركت جمهورية الجنوب عاصمتها مئات الكيلومترات في اتجاه الشمال.. تاركة (جوبا) بكل وميض التاريخ الذي يلمع فيها. وموغلة في عمق الجنوب.. ألم يسأل الطيب مصطفى وإسحق عن سر الفرح الإسرائيلي العارم بنجاح (منبر السلام العادل) في فصل جنوب السودان بكل هذه الدرجة العالية (98%). لماذا تبدو سيناريوهات (الجنوب) دائماً محكمة و(مدروسة) تفاجئ الشمال وتربكه.. بينما خطط الشمال كلها مجرد يوميات تغابن وتشاكس.. وواحدة بواحدة.. ورزق اليوم باليوم. هل لأن القادة الجنوبيين أذكى.. وأمهر وأكثر خبرة.. أم لأنهم يستعينون باستراتيجيين يفكرون معهم وبهم.. ويخططون لهم ومعهم.. ويعملون من أجل هدف يدركون أنه ربما لا يرى حالياً بالعين المجرد لكنه هناك خلف الأفق مرسوم في انتظار لحظة الطلق والولادة.. قلت لكم وأكرر.. ما يقترفه الطيب مصطفى سيكتبه التاريخ.. عندما تذهب السكرة وتبقى الفكرة.. وعندها سيبكي تلاميذ المدارس في حصة التاريخ.. وهم يلعنون الأجيال التي تسلمت من المستعمر وطناً بعافية مليون ميل مربع.. فأمعنت في تقطيع أوصاله.. بكل فرح وسعادة.. وطن البصيرة أم حمد..!!
التيار
يمكنك مطالعة المقال هنا :
من قولة "تيت"
عثمان ميرغني
السيّدان.. الطيب مصطفى واسحاق أحمد فضل الله.. ثنائي صحيفة "الانتباهة" كتبا عنّي خلال الأسبوع الماضي بألسنة حداد.. ولا ضير إن كان الموضوع هو القضيّة.. لكنهما كعادتهما تركا الكرة وراحا يركلان قدم اللاعب.. وما قالاه من العفوية بما لا يحتاج إلى "بطل" لتفنيده.. لكني رأيت أن أنتهز الفرصة.. فأكشف لهما أوراق الامتحان.. عسى ولعل أن يفتح الله بصيرتيهما إلى أبعد من مساحة العمودين.. إسحاق روائي مجيد في سكب اللغة وترسيم المشاهد.. لكنّه لا يكتب حين يكتب.. وهو مؤمن.. بما يكتب.. مثل الشعر .. أعذبه أكذبه.. ورفيقه الطيب مصطفى رجل يستحق وسام ابن السودان – الجديد- البار.. لأنّه نفذ بوفاء منقطع النظير استراتيجية مكتوبة بذكاء منقطع النظير.. مكتوبة هناك بعيداً في بلاد أخرى تجيد صناعة المستقبل بنسيج متين من الخطط والاستراتيجيات.. فشارك باستماتة في تأسيس واقع سيغيّر مجرى التاريخ .. ولكي تستبين وجهة نظري.. سأطرح بعض المفاهيم المهمة.. عالم "استعماري" جديد..!! كثيرون يظنون أنّ إسرائيل.. دولة استعمارية.. تستبطن وتضمر نوايا التوسع من النيل إلى الفرات للسيطرة على العالم العربي والشرق الأوسط.. ويظنون أنّ إسرائيل تبني الجيوش والأسلحة من أجل هذا الهدف.. ويفترضون أنّ قوّة جيش الدفاع الإسرائيلي كلّها رهن هذا الهدف الكامن في الأعماق.. وهذا خطأ جسيم.. إسرائيل ليست دولة استعمارية – بالمعنى التقليدي- ولا تنوي التوسع في العالم العربي.. بكل بساطة النظرية الاستراتيجية الإسرائيلية تقوم على مفاهيم "الفكر" لا "الجغرافيا".. التفوّق (العقلي) لا (العضلي) باحتلال الأرض العربية. وبهذا.. تفترض الإستراتيجية الإسرائيلية أنّ "ازدهار" العالم العربي مهم جداً من أجل أمن إسرائيل وازدهارها مادياً وتسلطها "فكرياً".. تظل إسرائيل دويلة صغيرة بين النهر والبحر.. بشعب صغير.. لكنّها تُدير – لم أقل تُدبّر- مصائر جيرانها وتحرك مصالحهم وترسم مستقبلهم.. وسيأتي يوم تبيع فيه إسرائيل الأسلحة للعرب.. فهي في حاجة لحزام عربي مستهلك.. سوق تبيع فيه منتجاتها بما فيها الأسلحة. الإستراتيجية الإسرائيلية لا تضمر احتلال الأردن ولا سوريا ولا لبنان.. ولا إريتريا ولا إثيوبيا ولا جنوب السودان ولا ولاية البحر الأحمر في السودان ولا الكرمك ولا قيسان ولا كل مترادفات المناطق التي يسهل تداولها على الألسن في الحديث عن (المؤامرة الدولية). استراتيجية تقوم على التفوّق في كل شيء.. في السلاح.. في الزراعة.. في التعليم.. بل حتى في البشر.. فإنسان إسرائيل موفور الحقوق والكرامة.. لا يعاني من حالة احتباس الرأي وضيق الشرايين العقلية. وحكومة إسرائيل ديمقراطية وراشدة.. تابع العالم العربي – بدهشة- مسلسل استدعاء الشرطة لرئيس الوزراء الإسرائيلي، والتحقيق معه حول بضع مئات من الدولارات.. رغم أنّ دولة إسرائيل زرعت في العالم العربي منذ عام 1948م وبالمنطق العربي فهي تعيش حالة "منحى تأريخي خطير" مثلما يقال لنا في عالمنا العربي لإقناعنا أنّ الوقت لم يحن بعد للحريات والديمقراطية والرأي والرأي الآخر.. فنحن نكابد حالة (منعطف تأريخي خطير). وإسرائيل تعلّق على ثورات الربيع العربي فتقول إنّ (من بين أكثر من ثلاثمائة مليون عربي.. يتمتع فقط مليون عربي بالديمقراطية وحقوق الإنسان.. هم عرب إسرائيل). وربّما السودانيون الذين هربوا عبر الأسلاك الشائكة إلى جنة إسرائيل أول ما صدمهم أنّهم اكتشفوا معنى "إنسان" لأوّل مرة.. وأدركوا أنّهم يملكون حقوقاً كثيرة لم يسمعوا بها في وطنهم. استراتيجية إسرائيل تسمح لها بالتبرع مجاناً لوجه الله لإعادة استصلاح وتطوير مشروع الجزيرة – مثلاً-.. أو تطوير الزراعة المطرية في السودان لتنتج مائة مرة ضعف ما تنتجه الآن.. فالمطلوب هو السيطرة (الفكرية) لا (الجغرافية). الإستراتيجيات الغربية والإسرائيلية وبالتحليل المنطقي للواقع السوداني ترى أنّ "شمال السودان" يعاني من حالة اندثار المثال بصورة كاملة. بقدر ما السودانيون شعب محاط بالقيم وأسوار (العيب) التي تجعله حريصاً في مسلكه الخاص.. إلا أنّ المسلك العام للدولة ولمؤسسات المجتمع المدني يقوم على أقصى (أنانية) وفصل كامل للقيّم والعرف عن العمل. ويُدرك راسمو الإستراتيجيات أنّ استيعاب "السودان" وشعوبه في الإستراتيجيات الدولية يتطلب إعادة هيكلة السودان بصورة أقرب إلى إعادة بناء وتكوين الوطن من جديد، وبرهن الواقع السياسي السوداني فشل كل الأحزاب في ترسيم وطن يقوم على الأسس السياسية المستقرة التي تسمح ببناء إستراتيجية ومستقبل واضح للسودان. كل الأحزاب حكمت وكل الأحزاب عارضت.. وكل الأحزاب قتلت وشرّدت ونكّلت بكل الأحزاب.. الحزب الوحيد الذي لم يحكم السودان حتى الآن.. ولم يقترف في حق أهله الجرائر.. هو الحزب الذي لم يولد بعد. ولم يعد ممكناً افتراض إعادة هيكلة وبناء الوطن السودان من الداخل. فالمطلوب استخدام "واقع" خارجي يسمح بإعادة تأسيس الوطن السودان. الفكرة بسيطة للغاية.. تأسيس دولة عصرية على جزء من الأرض السودانية، تصبح هي النواة التي تلتفت حولها – فهي المثال- بقية الأقاليم السودانية لتصنع الواقع الجديد. الإستراتيجية الدولية حول السودان لا تريد تفكيك الدولة الأكبر في إفريقيا. ولا تريد بعثرة الشعوب السودانية في عدة أوطان مستقلة؛ لأنّ كل ذلك يقلل من فرص السيطرة الفكرية على السودان.. الإستراتيجية الدولية ترى أنّ (فك.. وتركيب) السودان هو الطريق الأصلح لتنفيذ التحوير الجيني المطلوب في السودان. فك جنوب السودان إلى حين.. ثم تركيبه مرة أخرى في الدولة الأم بعد أن تتغير وتتشكل أسس جديدة. كان المطلوب وفق الإستراتيجية الدولية فك جنوب السودان من الدولة الأم.. ليس طلاقاً بائناً بينونة كبرى.. بل مجرد فك مؤقت يعود بعدها إلى الوطن الأم لكن بعد إكمال عمليات التغيير المطلوبة. الاستراتيجية الدولية حافظت على كل المقومات التي تسمح بإعادة التركيب.. تركيب السودان مرة أخرى بعد تفكيكه.. الدولة الجديدة التي انفصلت عن السودان الأم حرصت على التمسك باسم السودان فأسمت نفسها (جنوب السودان).. رغم أنف كل المرارات التي عاشتها تحت كنف هذا الاسم في الماضي. المحافظة على "السودان" في اسم الدولة الجديدة لم يكن فعلاً عفوياً أو عاطفياً – رغم أنّ العاطفة في الجنوب ضده- بل نظرة للمستقبل الذي يعود فيه الجنوب ليلتئم مع الدولة الأم.. السودان بعد التعديل. الاستراتيجية الدولية تستهدف إقامة دولة عصرية أنموذج في جنوب السودان.. والجنوب – سياسياً – بكر لم يتلوث بكثير من عقد الشمال. وفي الإمكان تطوير نموذج دولة ديمقراطية رشيدة. ستتدفق الاستثمارات الغربية والأجنبية الأخرى على الجنوب من كل حدب وصوب.. وستحدث طفرة تنموية هائلة في دولة جنوب السودان تتخطى بسرعة نظيرتها في الدولة الأم السودان. ستصبح دولة جنوب السودان، "دبي" إفريقيا.. دولة مزدهرة اقتصادياً وجاذبة للاستثمار وسيجد السودانيون في الشمال أنفسهم مصطفين – منذ الصباح الباكر- أمام سفارة (دولة جنوب السودان) في الخرطوم للحصول على تأشيرة عمل في جنوب السودان.. ويبدأ (موسم الهجرة إلى الجنوب). ولن يستنكف شباب دولة السودان (الشمالي) أن يعملوا في هيئة النظافة في مدينة جوبا.. وعربات النفايات بل وفي نظافة المرافق الحكومية والشركات في جنوب السودان.. وربما حتى البيوت.. وتتبدل الصورة القديمة التي كان فيها أبناء جنوب السودان يعملون في مثل هذه المهن في الشمال. ستصبح دولة "جنوب السودان" محور تنمية في إفريقيا؛ وقبل ذلك مركز نشاط سياسي إقليمي أقرب إلى نموذج "أديس أبابا". وستتحول عاصمة جنوب السودان الجديدة إلى قطب إعلامي دولي.. فتهاجر الفضائيات الإفريقية والسودانية إليه.. وتبث من أراضيه. كل هذه التغييرات ستجعل (جنوب السودان) في الخاطر السوداني مختلفاً وبعيداً تماماً عن الصورة التاريخية القديمة.. وستتودد الدولة الأم في الشمال إلى شقيقتها الصغرى في الجنوب لتكسب ودها.. ومن هنا تبدأ رحلة العودة إلى الأصل.. إلى الوطن. لن تحتاج الوحدة بين الدولتين إلى اتفاقية "نيفاشا" جديدة.. فالاستراتيجية الدولية أصلاً رسمت الدور بعناية تماماً كما تفعل مركبات الفضاء التي تنفصل في الجو ثم تلتصق بمنتهى الدقة. تبدأ رحلة العودة إلى الشمال.. وتندمج الدولتان.. ولكن شتان بين السودان القديم بكل عقده ومحنه والدولة الجديدة التي يمثل فيها الجنوب قطب التنمية وحقوق الإنسان ورشد الحكم والممارسة السياسية. العاصمة الجديدة للجنوب وبدأت بشائر الإستراتيجية الدولية في جنوب السودان تلوح منذ الآن.. إذ تغيّرت العاصمة من جوبا الى (رامشيل) .. أتعلمون ما معنى أن تصبح العاصمة في (رامشيل). (رامشيل) تقع في ولاية البحيرات.. وهي الولاية الوسطى في الجنوب والتي تقع شرق ولاية جونقلي. وهي منطقة تخصم قرابة الألف كيلومتر من المسافة الفاصلة بين عاصمتي دولة السودان الأم.. ودولة جنوب السودان.. و تعني أنّ العمق الإستراتيجي لدولة (جنوب السودان) تحرك شمالاً.. اقترب من دولة السودان الأم.. بل فلنقل بعبارة أخرى أصبح في منطقة أقرب إلى وسط ومركز السودان (بخارطته القديمة قبل الانفصال).. العاصمة الجديدة لدولة جنوب السودان أبقت الاتصال الجغرافي مع دول شرق ووسط إفريقيا في نفس موقعها الحالي.. بمعنى أنّ العلاقة الأقرب والأوثق ستظل مع السودان الشمالي. والسودان.. لا بواكي !! الأستاذان الطيب ومصطفى واسحاق أحمد فضل الله كانا مجرد أدوات (عدة الشغل) في الاستراتيجية الدولية.. ومن حيث لا يحتسبان وفّرا الزمن والجهد – مجاناً- الذي كانت تحتاجه مثل هذه الاستراتيجية الدولية لإعادة ترسيم الجينات الوراثية لدولة السودان الجديد. وفي الوقت الذي ينبري فيه كلاهما لخوض حرب شرسة ضد فكرة (السودان الجديد) كانا ينفّذانها بكل غفلة لا انتباهة.. من ينقذ السودان من مثل هذه السيناريوهات الدولية التي شيّد على أطلالها.. الإجابة في ثنايا السطور التالية.. قبل عدة شهور، و في صالون منزل الدكتور عبد الرحمن الخضر والي الخرطوم.. على هامش دعوة بمناسبة بدء التسجيل لاستفتاء تقرير مصير جنوب السودان دار نقاش حول سياسات الحكومة بصفة عامة وسياستها تجاه الجنوب بصفة خاصة.. قلت للحضور إنّ أحد أكبر مشكلات الحكم في السودان.. سعة (التكتيكي) في مقابل ضيق (الاستراتيجي) .. ضيق المشاركة في صنع القرار.. عقول قليلة تعد على أصابع اليد هي التي تملك مفاتيح الحركة والسكون.. لكن الدكتور عوض الجاز وهو أحد حضور اللقاء اعترض على هذا الرأي.. وقال جملة ظلت تتردد في خاطري حتى الآن.. قال ( نحن الحكاية دي .. من "قولة تيت" مدوّرنها بنفس الطريقة..) ويقصد طبعاً بعبارة "الحكاية دي" .. حكومة الإنقاذ.. أي أنّها منذ بدأت، هكذا ظلت.. ولا حاجة للجدال في جدوى مثل هذا المنهج في الحكم.. عندما تغلق نوافذ الحكمة إلا لمن يملك حق وبطاقة "تفكير".. فيصبح القادة ملهمين يتلقون الحكمة كفاحاً.. والمحكومون مجرد رعايا تهبط عليهم القرارات.. هبوطاً.. هنا ينحسر الأفق الإستراتيجي لصالح (يوميات) التكتيك.. وتمضي السنوات ثم نتكشّف في كل مرة أننا في حالة (مفاجأة) من حصائد الواقع الذي يتصيّدنا. هل تسألونني البرهان؟ بعد انفصال جنوب السودان اتخمت الساحة السياسية بتصريحات قادة حكوميين.. يبشرون الشعب السوداني بأنّ الجنوب (بلا و انجلا) وقال الطيّب مصطفى ( الحمد لله الذي أذهب عنّا الأذى وعافنا) وهي عبارة دينية ترتبط بالمكان الذي تُقال فيه. لو كانت الدولة السودانية – التي فرحت بانفصال الجنوب- واعية تعمل وفق منظور إستراتيجي.. وكان هدفها فصل الجنوب إذاً لماذا أضاعت سنوات طويلة من عمر البلاد والشباب في حرب ضروس من أجل الوحدة.. بل لماذا ذهب نائب الرئيس قبل عدة شهور من الاستفتاء على تقرير المصير إلى جوبا، وأعلن عن عشرات المشاريع التنموية الإسعافية لإنقاذ وحدة البلاد.. استنزفت مئات الملايين من الدولارات.. الإسرائيليون الذين احتفوا بجمهورية جنوب السودان.. وعجلوا بتطبيع العلاقات وتبادل السفراء ووعود التنمية والرخاء.. كانوا يدركون أنّهم بغير الطيب مصطفى واسحاق كان عليهم الانتظار طويلاً قبل أن يتحقق هذا الحلم الإسرائيلي.. الاستراتجية الذكيّة التي ستجتاح دولة السودان الأم وتعيد تحوير جيناتها الوراثية.
أرأيتم.. بصيرة الحكمة التي تنص على(عدو عاقل)..!!
التيار


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.