أنا يا صديقة متعب بعروبتي فهل العروبة لعنة وعقاب نزار قباني تأسيسا على أن المواطنة،فيأبعادهاالقانونيةوالسياسيةوالاجتماعيةوحتّىالادارية،بماتعنيهمنمساواةبينالسكّاندونتمييزقائمعلىالدينأوالجنسأواللّونأوالمستوىالاجتماعيأوالانتماءالسياسيوالموقفالفكري.وبما يترتب عنهامنحقوقوواجباتترتكزعلىقيم عليا، نذكر من بينها المساواة أمام القانون والقضاء فيما يعرف بعلويّة القانون، وحريةتأييدأومعارضةأيّةقضية اجتماعيةأوموقفسياسي،وتأسيسالأحزابالسياسية والنقابات أو المشاركة فيها.وتأسيسا كذلك على أن أبعاد المواطنة سالفة الذكر وما يترتب عنها من حقوق، مفقودة جميعها أو بعضها في البلدان العربية، حسب درجة وعي شعوبها وقدرتها على المطالبة بها وانتزاعهااثر نضالات مريرة. فقد تعمّدت في العنوان استعمال عبارة الإنسان وليس المواطن لاعتقادي الجازم أن الانسان في كافة أرجاء الوطن العربيالمشرذم، ودون استثناء، يعامله حكّامه باعتباره رعيّة لا مواطنا كامل الحقوق التي من شأنها أن تحفظ الكرامة وتحقّق إنسانيّة الانسان. بما يجعل أمامه معوقات كثيرة تعرقل مسيرة حياته الشقيّةفي الأغلب الأعمّ.فلا هو يستفيد من حياته ولا هو يفيد المجموعة الوطنية التي ينتمي إليها. فمنذ أن يولد الانسان العربي، على امتداد رقعة الوطن العربي الكبير المقزّموالمأزوم، وهو يعاني من إكراهات عديدة لا مناص له منها، فهي مفروضة عليه فرضا، وتلازمه ملازمة الظلّ الثقيل.إكراهات تفسد عليه معنى متعة الحياة أو فرحة الحياة بتعبير “اميل زولا” في كتاب له بهذا العنوان.فلا يكاد الإنسان العربي في طفولته يعي محيطه وواقعه حتّى يواجه محنا قاسيةويكتشفإحباطات عديدة تعيقه، فضلا عن مجابهةويلات وأهوال كثيرة تحيط به وتداهمه من كل جانب فتسبب لهمعاناة قاسية و ألاما وأشجانا قدتفسد عليهطفولته البريئة. حيث لا يقدر عقله اليافع استيعابها دون أن تحفر في ذاكرته خطوطا غائرة لا تنمحي على مرّ السنينباعتبار أن تركيبته النفسيّةلا تزالقيد التشكّل، وهي بهذا المعنى غير مهيّأة للتعاطي المرن مع قسوة الواقع دون تضرّر. وهو ما قديزرع فيه عند بلوغ مرحلة الشباب كرها للحياة ونقمة عليهافي مجتمع تستبدّ فيه الشرور بالناس جميعا.بما ما قد يستثمره، ذووا اللّحي المزيّفة والمفاهيم الدينيّة السطحيّة المتخلّفة،المكرسين لتقسيم المجتمع بين كافر ومتديّن،المعادين للعقل المستنير والمبشرين بثقافة الموت، لتجنيده في خدمةما يسمّى تجاوزا “بالجهاد المقدس” فيما هو لا يعدو أن يكون سوى “إرهاب مقنّع”يلبس الظلم والعنف رداء التقوىوالورع ويبعد الإسلام الحنيف، الإسلام الحقّ عن واقع الحياة وعن الدنيا عموما.في الوقت الذيلا ينفكّ فيه هؤلاء عن التذكير في المنابر الدعويّةبأنّ الإسلام إنّما هو منهج حياة يهتمّبالإنسان في كل ما يتعلّق بدينه ودنياه في آن معا.وهو فعلا كذلك.إلّا أنّه لا يمكن تصديقه ممّن يخالفون مضامينه ومقاصده ومألات أحكامه وتعاليمه. هذا الوضع المحبط الفاجعيجعل الانسان العربي بالقطع في حالة موت بطيء تضاعفها حالةانبتاتواستلاب بالمعنى الفلسفي،وغربة عن النفس لا يقوى على تجاوزها بيسر ليعيش حياته التي وهبها الله له في أمان وراحة بال. ومعلوم في هذا الصدد كما قال”السيد قطب” في كتابه (أفراح الروح)”أنه لا شيء في هذه الحياة يعدل ذلك الفرح الروحي الشفيف الذي نجده عندما نستطيع أن ندخل العزاء أوالرضا، الثقة أو الأمل أو الفرح إلى نفوس الآخرين”.ولعلّ ذلك أوّل حلم تغتاله أوضاعنا العربيّة في نفوس الأجيال الصاعدة التي تترجم عنها الطفولة الفلسطينية المعذّبة بامتياز، والتي فقدت القدرة على الشعور بالحياة. وهو شعور قد يختصر الحياة ذاتها ويتماهى معها، باعتبارها في حقيقة الأمر ” ليست شيئا آخر غير شعور الإنسان بالحياة” كما يقول السيد قطب.لذلك لا نستغرب ما ذهب اليهالشاعر جبران خليل جبران حين قال ”ما زلت أؤمن أن الإنسان لا يموت دفعة واحدة وإنما يموت بطريقة الاجزاء …وكلّما قتل حلم من أحلامنا مات جزء. فيأتي الموت الأكبر ليجد كل الأجزاء ميّتة فيحملها ويرحل”. إنّ إكراهات الإنسان العربي كثيرة لا تحصى. فهي ذات صنوف وألوان متعدّدة. فقد تكون الإكراهات اجتماعيةأو اقتصادية، وقد تكونالإكراهاتثقافيّة أو سياسيّة، بل وحتّى إداريّةكذلك.وتبقى الإكراهات السياسيّة مصدر كلّ الإكراهات، وسببها الأوّل والأخير، الذي تتفرّع عنه كل الإكراهات. فالإنسان العربي، لا سيما من كان ينتمي الى الطبقة الفقيرة والمستضعفة، أو الفئة الوسطى، تضغط عليه الاكراهات الاجتماعيّة،و منها العادات والتقاليد التي تحول-على سبيل المثال- دون تحقيق حلمه في الزواج من غير طبقته الاجتماعيّة.فهيتعيقهفي سعيهلتحقيق ما يعبّر عنه علماء الاجتماع بالصعود الاجتماعي بما يمكّنه من تطوير الذات وتحريرها والاندماج في نسيج الطبقة الاجتماعية الرغيدة العيش، المترفة و المرفّهة،أو حتّى الطبقة الأعلى مباشرة.وغالبا ما يحدث هذا، رغم التحصيل العلمي المحترم لمن يستبطن هذا الحلم الاجتماعي البسيط. كما يحدث هذا السلوك تجاه من كانت أصوله ريفيّة وانتقل للعيش في المدينة.وهو ما عبّر عنه الشاعربالقول: تعدّ ذنوبي عند قومي كثيرة *** ولا ذنب لي إلاّ العلا والفضائل ولعلّ سبب ذلك أن عقليّة العرب عموما منغلقة على ذاتها وغير منفتحة على الآخرين.فهي لا تزال عقليّة قبليّة عشائريّة ترفض قبول الآخر، ولا تنظر اليه الّا بعين الريبة والعداء. ولعلّ وقائع ومجريات حرب البسوس التي استمرّت 40 سنة، كما ورد في “العقد الفريد” تغنينا عن مزيد التفصيلفي هذا المجال.يقول فولتير في هذا السياق، وهو على حق، إنّه”من الصعوبة أن تحرّر السذّج من الأغلال التي يبجلّونها” وبينما رفعت الثورة الفرنسيّة ”شعار ”حريّة ومساواة وأخوّة” فإنّالعرب المعاصرين-على الأغلب- لم يستوعبوا بعد مفهوم القوميّة والأمّة ومفهوم الوطن كما سائد في الغرب قبل أنيتحوّل اليوم الى مفهوم كونيّ يشمل الإنسانيّة جمعاء، ويتجاوز مفهوم الأوطانأو القوميّة المرتكزة أساسا على العرق أو الجغرافيا بحدودها ‘المقدّسة'. فاين القوميّة الإيطاليّة زمن موسلّيني وأين القوميّة الألمانيّة التي أجّجها هتلر وخاض من أجلها حروبا انتهت الى الحرب العالمية الثانية وهلاك الملايين. إنّها اختفت أو تكاد وانصهرت في الإتحاد الأوروبي لأن الغرب قد أدرك عندئذ أن التناحر على القوميّة قد يؤول به الى زوال. وقد قال ”مارتن لوثر كينغ” في هذا المعنى ”علينا أن نتعلّم كيف نعيش سويّة كالأخوة أو أن نهلك معا كالحمقى” ولكن خلاف لذلك، لم ينصهر الشعب المصري في الشعب السوري، والعكس بالعكس، زمن الوحدة العربيّة المتسرّعة التي قامت بينهما على يد الزعيم جمال عبد الناصرسنة1958،أيّام رفع شعار القوميّة العربيّةفكان مآلها الزوال السريع والفشل الذريع تماما مثل جميع المحاولات الصبيانيّة المتسرّعة وغير المدروسة التي قام بها القذافي مع تونس بورقيبة وسوريا حافظ الأسد وغيرهما. ولهذا يصدق على بلدان الغرب ما قاله الشاعر: بلاد إذا ما هبّت الريح نحوها *** تمنّيت لو أنّي بها أتعلّق وهو ما يفسّر كثافة إقبال العرب على الهجرة القانونيّة، لا بل وحتّى السرّية، هروبا من جحيم الظروف المعيشية التعيسة في أغلب بلدان الوطن العربي.فيركبون البحر ويجابهون أهواله في غير ما معرفة به وبالسباحة ويخوضون مغامرات الموت في كل لحظة من باب محاكاة من قال “فلانامتأعينالجبناء!”. وأمّا الإكراهات الاقتصادية فحدّث ولا حرج، لأنّها تنسحب تقريبا على أغلب الفئات والشرائح العمريّة من العاطلين عن العمل إلى العاملين، وصولا الى المتقاعدين. و يعود ذلكقطعا،الى هشاشة الوضع الاقتصادي الناتج عن ضعف نسيج البنية الاقتصاديّة للدول العربيّة، بما فيها الدول المنتجة والمصدرة للبترول،رغم أنّ التشريعات الاقتصاديّة تساير في مضامينها مصالح رجال الأعمال على حساب العمّال والدولة الحاضنة لهم. فينتج عن ذلك مستويات بطالة مرتفعة جدّا، وناتج خام وطني ضعيف ونموّ اقتصادي يلامس الصفر أو يكاد،في اغلب الدول العربيّة- لا سيما بعدحدوث الأزمة الاقتصاديّة العالميّة سنة 2008- بحيث لا يستوعب الأعداد الهائلة للعاطلين فحسب بل إنّهيساهم- للأسف- في مراكمتها من سنة الى اخرى، ليصبح جيش العاطلين بمثابة القنابل الموقوتة ضد النظم القائمة. وهو ما قد حصل فعلا في دول الربيع أو لعلّه الصقيع العربي باستثناء ليبيا،لأنّها دولة منتجة للبترول وليست لها كثافة سكانية كبيرة. فكان الاستبداد هو العنصر الأساسي لقيام ثورتها بينما كان العاملان الاقتصادي والاجتماعي يضاف لهما عامل الاستبداد هيالعوامل الاساسيّة لباقي الثورات، حيث كان لسان حال المحتجّين ما قاله مكسيم جوركي” جئت الى هذا العالم لأحتجّ” وما قاله محموددرويش: لكنّصوتيصاحيوما: لاأهاب فلتجلدوهإذااستطعتم.. وأركضواخلفالصدى ماداميهتف: لاأهاب! نأتي الآن إلى الإكراهات السياسيّة ففي الوقت الذي ينشد فيه الانسان العربي أن يكون مساسا من سياسيين حكماء يستشرفون المستقبل، وتكونمرجعياتهم منسجمة مع روحدولةالقانونوالمؤسّساتالديمقراطيّةوتحقيق العدالةالاجتماعيّةواحترام حقوق الانسان والمواطنة في كلابعادها،نلاحظ دون عناء أن هذه المرجعيات مفقودة تمامافي جميع مناحي الحياة. لا بل إنّ عكسها تماما هو ما يميّز حياة العرب في كل وجوهها. فلا حياة سياسيّة نشيطة ولا انتخابات ديمقراطيّة نزيهة وشفّافة الا في بلدان أقلّ من أن تعدّ على أصابع اليد الواحدة، ولا مظاهر لسمات المواطنة أو نحوها. ولكنّ هذا الوضع لم يمنع الإنسان العربي -ودون طوباويّة- من أن يتطلّعإليالعيش حياةفضلي، وأن يحلم كما حلم اليونانيون من قبله في مدينة فاضلة لعلّها تكونعلى شاكلة جمهوريّة أفلاطون ،على هناتها، أو مدينة الفارابي الفاضلة.فالضمير العربي ، قطعا، ما زال حيّا وحريّ بهأن يفكّر في التغيير انطلاقا من ذاته بما يخالف قولة”ليون تروتسكي” من أنّ”الجميع يفكّر في تغيير العالم ولكن لا أحد يفكّر في تغيير نفسه”.ومعلوم أنّ”الثوري المزيّف هو الذي يحاول تغيير كل شئ عدا نفسه” كما يقول د.مصطفى محمود. لذلكباتمن الضروري السعيللخروج من بوتقة الصمت العربي المطبق السائد في أغلب الدول العربيّة. إذ أنه بات الآنمن المسلّمات التي لا تحتاج الى دليل، أنّه “كلما يتطلّبه الطغيان للبروز هو بقاء ذوي الضمائر الحيّة صامتين” كما يقول توماس جفرسون. ولكن إن ننسى فلن ننسى أن هناك أحلاماأخرى لدى الإنسان العربي، ليس أقلّها إستعادةالأراضي الفلسطينيةالمحتلّة، وتحقيقالوحدةالعربيّةعلى أرضيّة صلبة،لإنعاش الاقتصاديات العربيّةوازدهار التجارة البينيّة في إطارها. بل وازالةالحدود الموروثة عن الاستعمار الغاشم، وربّما -ولما لا-الفوزببطولاتالعالمالرياضيّة و كذا جوائز نوبل في مختلف العلومالصحيحة وما إلى ذلك من صنوف وضروب التميّز على الصعيد العالمي الذي يحتكره الغرب منذ أجيال، بل أكاد أقول منذ سقوط الأندلس. ولعلّ السبب الأهم في تميّز الغرب، إنّما هو محاولاته الجاّة والمستمرّة للقضاء على الإكراهات التي تعترض مواطنيه والتي –بداهة- تمثّل عند العرب السدّالمنيعللوقوفحاجزا أمام التميّز والابداع وتفتّق القرائح،فضلا عن أنّها تحول دون تحقيق أحلام الإنسان العربي من الماء الى الماء. ولكن أين حكّامنا من تحقيقأحلامنا. لقد صدق الشاعر العربيحين قال: لَقَدأَسمَعتلَونادَيتحَياًوَلَكنلاحَياةَلِمَنتُنادي وَلَونارنفختبِهاأَضاءَتوَلَكنأَنتَتَنفخفيرَماد