ضعف مسار التنمية و الفقر: النمو السالب وزيادة معدلات الفقر يدحض الادعاء بالتعافي الاقتصادي دكتور حسن بشير الوضع الاقتصادي المتأزم زاد من معدلات الفقر في الحضر والريف. إضافة للارتفاع الكبير في مستويات الأسعار وتدني القوة الشرائية للجنيه السوداني الذي أدي الي تراجع الدخول الحقيقية، فقد تراجعت حتي الدخول الاسمية نسبة لتقلص فرص الكسب الإضافي. تم إلغاء العديد من حوافز ومكافآت العمل كما تم تقليص العديد منها، بل حتي الحقوق الواجبة السداد لا يتم الوفاء بها او يتم إرجائها لفترات طويلة تفقدها الكثير من قيمتها الفعلية وقت الاستحقاق.يزداد الوضع تأزما بفقدان شرائح واسعة لمصادر دخل كانت تعتمد عليها في حياتها كما يحدث في القطاع الزراعي بسبب ركود الأسواق وارتفاع التكاليف، كما يحدث ذلك في قطاعات العقارات (الإيجار) والخدمات، تجارة المفرق والصناعة الوطنية . لا تقف المشاكل عند ما يسببه الفقر من أثار اجتماعية خطيرة مثل انتشار الجريمة والجنوح والتفكك الأسري، وإنما تزيد معدلات البطالة العالية خاصة وسط الشباب، الوضع سوءا. مع الركود الاقتصادي وتراجع مكاسب عناصر الإنتاج تقل فرص توفير عمالة جديدة الأمر الذي يشكل مؤشرا إضافيا علي عمق الأزمة. اذا لم يتم تغيير منهجية السياسات الاقتصادية الكلية واتجاهها نحو التنمية الشاملة لن يتم الخروج من الأزمة والوصول الي بناء دولة موحدة حديثة متماسكة قابلة للبقاء ومنافسة. النمو السالب يدحض الادعاء بالتعافي الاقتصادي مع أن صندوق النقد الدولي قد قدم في الماضي أرقاما محافظة للنمو السالب في مستوى 4.5- %، إلا أنه قد راجع هذه التوقعات لتصل إلى – 10.7% انكماش في الناتج المحلي الإجمالي لعام 2012م مع انكماش في الإنتاج غير النفطي يصل إلى -4.9%.) النمو سالب، البطالة مرتفعة، معدلات التضخم في تصاعد ميزان المدفوعات مختل , التضخم اعلي من 46% ولم يحدث استقرار, مساهمة البترول قدرت من قبل بنك السودان المركزى ب 95% في العام 2010م ,بالنسبة للسياسة النقدية وارتباطها بالذهب فالضرر اكبر من الفائدة وحتي التأثير أكثر وضوحا علي عرض النقود (بمفهومه الضيق ) ناهيك عن (الودائع الاجلة ) لان حتي ودائع الادخار مثلا لم ترتفع ناهيك عن أشباه النقود وهذا الأمر يقودنا الي النقاش الخاص بالدين الداخلي الذي حدث فيه تشوه نتيجة لضعف القدرة الادخارية او انعدامها لدي الجمهور مما حصر اقتناء الأوراق المالية في البنوك ونسبة ضئيلة من القطاع الخاص وقلة قليلة جدا من الجمهور.هنا حدث الخلل في وظائف شهامة .كما ان الميزان التجاري يحتاج لإصلاح الحساب الجاري وفيما يتعلق بالانفاق العام تم تحديد الانفاق علي الامن والدفاع باكثر من 60% لكن معظم الاحصائيات تشير الي اكثر من 70%. لم تحدث اعادة هيكلة حقيقية في اجهزة الحكم علي المستويين الاتحادي والولائي. هناك بيروقراطية دستورية وامنية وعسكرية وترهل وعدم كفاءة في الخدمة المدنية وتضخم جهاز الحكم الفيدرالي بشكل غير منتج. زيادة الإيرادات من اين وماهو الاثر ؟ تمت بزيادة البنزين (60%) والجازولين (30%) إضافة لرفع قيمة الدولار الجمركي. هذه الإجراءات إضافة لأثرها التضخمي فإنها غير مجدية اقتصاديا لعدد من الأسباب من أهمها انخفاض القيمة الحقيقية للإيرادات النقدية بسبب التضخم وانخفاض قيمة الجنيه والسبب الثاني نسبة لأثارها المدمرة علي تكاليف الانتاج والاستهلاك العائلي، هنا هي تضر بالمنتجين ومكاسب العناصر وتقلل من الإيرادات المستقبلية المباشرة وغير المباشرة إضافة لزيادتها لمعدلات الفقر وضربها للأمن الاجتماعي اضافة للفساد المالي والتجنيب وعدم الولاية علي المال العام، انعدام الشفافية والمحاسبية وكلها شروط مهمة لمناخ الاستثمار وحزم التنافسية ,اما الدين الحكومي الداخلي لا يمكن ان يكون مجديا الا برفع الميل الحدي للادخار لدي قطاع واسع من الجمهور اما الأكثر جدوى هو استيفاء شروط إعفاء الديون وهذا لا يتم الا بمعالجة الملفات السياسية وتطبيع العلاقات مع المجتمع الدولي. مشكلة الفقر في السودان: تقدر وزارة الرعاية الاجتماعية الأسر الفقيرة المستهدفة بتقديم الدعم المباشر خلال شهر رمضان الماضي (يوليو 2012م ب (2مليون أسره حسب المؤتمر الصحفي للوزيرة بتاريخ 11 يوليو 2012م – الصحف 12 يوليو). هنا يبرز سؤال عن اي نوع من الفقر يجري الحديث؟ وكيف تم تحديده؟ باعتبار ان الفقر يعني عدم القدرة علي إشباع الحاجات الأساسية المادية أو غير المادية، وعليه فهناك اتفاق حول مفهوم الفقر على أنه حالة من الحرمان المادي التي تعبر عن انخفاض استهلاك الغذاء، كما ونوعا، وتدني الوضع الصحي والمستوى التعليمي والوضع السكني، والحرمان من السلع المعمرة والأصول المادية الأخرى، وفقدان الضمانات لمواجهة الحالات الصعبة كالمرض والإعاقة والبطالة وغيرها، الأمر الذي ينتج أغلب الاختلالات الاقتصادية، الاجتماعية والسياسية، فهل المقصود هو الفقر المطلق (حد العوز والجوع) ام الفقر المدقع(عدم القدرة علي تامين احتياجات أساسية كالتعليم، الصحة وضمان المستقبل الشخصي والعائلي)؟(معدل الإنفاق اليومي في السودان تم تقديره ب 2.8 دولار في الريف و4.2 دولار لفرد في الحضر يوميا قبل موجعات التضخم والتكاليف الأخيرة). ان تقديرات الفقر الرسمية للعام 2009 كانت 46.5%، بعض التقديرات تصل بنسبة الفقر الي 94% حتي قبل الانفصال. كيف نواجه ونحارب الفقر؟ ان محاربة الفقر والحد من الجوع يحتاج الي إستراتيجية وبرامج لا تتوفر في السودان ومن مقوماتها: وضع برامج للتمويل النقدي المشروط وتقليل الفجوات ونمط تكرار في عمليات التغطية وضع برنامج محكم لتحديد الفئات المستهدفة من السكان خلال مدي زمني محدد (قصير ، متوسط وطويل) وضع برامج للمتابعة والتقييم العمل علي قواعد مؤسسية لتنفيذ البرامج ,وزيادة معدل الإنفاق علي السلع والخدمات الاجتماعية (الآن حوالي 7% من الإنفاق العام وحوالي 1.6% من الناتج المحلي الإجمالي في السودان ، في حين يتراوح المتوسط في دول أفريقيا جنوب الصحراء بين 3 الي 7% من الناتج المحلي الإجمالي) الابتعاد عن توريث الفقر وفقا لنتائج برامج واستراتيجيات مكافحة الفقر مثل توفير التعليم، الاستشارات الطبية بناء قدرات علي الكسب المستمر. وبعد.... فأن أصل الداء سياسي وبالتالي لا يمكن الخروج من الأزمة الاقتصادية في السودان إلا بمعالجة شاملة للازمة السياسية وأزمة الحكم التي يعاني منها السودان.