[email protected] إذا كان قد لفت انتباهك خبر اعتزال المذيعة الأمريكية الأشهر باربارا وولترز للعمل التليفزيوني، وإذا كنت مثلي معجبا بأدائها الرائع خصوصا في الحلقات الخاصة من برنامج (20/ 20) الشهير والذي كانت قناة إم. بي. سي تحرص مشكورة على ترجمته وتقديمه لمشاهديها، وإذا كنت مهتما بالعمل الإعلامي والصحفي والإبداعي أيضا، فدعني أنصحك بأن تقرأ سيرتها الذاتية الممتعة التي ترجمتها نورما نابلسي لتصدر قبل ثلاثة أعوام بعنوان (تجربتي مع قادة ومشاهير العالم) عن دار الكتاب العربي في نحو 800 صفحة حافلة بالتفاصيل الموحية والملهمة والغريبة أيضا. يضيق المقام عن استعراض ما قدمته المذكرات من تفاصيل وحكايات، سأتوقف فقط عند ما يخصنا أكثر، وهو إعجابها البالغ بالرئيس أنور السادات الذي ربطته بباربارا علاقة قوية، لدرجة أنها عندما ذهبت إلى منزل السادات بعد أن شاركت في جنازته التي استغربت خلوها من المشيعين، عانقتها السيدة جيهان السادات وقالت لها «أتعلمين، أنت الوحيدة التي كنت أغار منها لأن أنور أحبك كثيرا». تروي باربارا كيف اقتحمها السادات بكل حميمية في أول لقاء معه عندما فوجئت به يقول لها عقب نهاية اللقاء «ما رأيك بعملك لقاء راتب المليون دولار؟، لابد أن أقول لك وبكل صراحة، أنت تعرفين قيمة راتبي، إنه اثنا عشر ألف دولار فقط وأنا أكدّ ليلا نهارا»، لتكتشف أنه يتابع أخبارها حيث كانت قد وقعت عقدا بمليون دولار قبلها بفترة، وكان ردها عليه أن ضحكت وقالت «ولكنك تعرف سيدي الرئيس أنه ليس من أجل المال يعمل الإنسان، إنما من أجل الحب». وهي تروي تفاصيل مغامرتها للذهاب إلى تل أبيب على متن طائرة السادات، تلاحظ باربارا كيف «كان ملفتا أن يحصل الإسرائيليون برغم ضيق الوقت على ذلك العدد الكبير من الأعلام المصرية، فضلا عن تمكن فرقة الموسيقى العسكرية الإسرائيلية من عزف موسيقى النشيد الوطني المصري»، لكنها لم تسأل أصدقاءها الإسرائيليين هل كانوا يعلمون عبر عيونهم في القاهرة أن تلك اللحظة قادمة قبل إعلانها بكثير ولذلك استعدوا لها جيدا. تحكي أيضا كيف حاولت إقناع السادات على متن الطائرة بإجراء لقاء مشترك مع مناحيم بيجن لكنه رفض وطلب أن يكون لقاؤه معها منفردا، ثم فوجئت ببيجن يقول لها إنه قال للسادات في المطار «ما رأيك أن نجري حوارا مشتركا من أجل صديقتنا الطيبة باربارا» فوافق السادات، لتُجري مع الاثنين داخل مبنى الكنيست أهم مقابلة في مسيرتها المهنية، سألت فيها السادات ما إذا كان ينوي أن يوجه دعوة لبيجن لزيارة القاهرة، فقال بابتسامة ماكرة إنه يفكر في دعوته لزيارة سيناء التي «كانت وقتها لا تزال تحت الاحتلال الإسرائيلي، فما كان من بيجن إلا أن رد عليه فورا: حسنا إذا كان الأمر كذلك فسأدعوك أنا لزيارتها الآن، ثم ضحكا معا». من بين التفاصيل الغريبة التي ترويها باربارا أنها عندما أقامت حفل تعارف في فندق ماديسون في واشنطن بعد أسابيع من عودتها إلى إسرائيل، دعت إليه سفيري مصر وإسرائيل في واشنطن وعددا من الشخصيات العامة كان من بينهم هاملتون جوردون المستشار المقرب من الرئيس كارتر والمرشح لمنصب كبير موظفي البيت الأبيض، وفي اليوم التالي أصابها الرعب «عندما قرأت تعليقا في صحيفة الواشنطن ستار على سلوك هاملتون جوردون الذي كان قد أفرط في الشرب، وقام بإهانة زوجة السفير المصري أشرف غربال عندما أخذ يحدق في تقويرة فستانها، ثم قال: لطالما أردت رؤية الأهرامات»، كادت باربارا يغمى عليها خوفا من حدوث أزمة دبلوماسية بسبب الخبر الذي تناقلته جميع الصحف فيما بعد، لكنها كما تعلق «ولحسن الحظ أن السفير غربال لم يُبدِ أي انزعاج». في موضع آخر تروي كيف طارت إلى القاهرة قادمة من إسرائيل عندما علمت من بيجن أن كارتر أخبره بنجاحه في إقناع السادات بالتوقيع على معاهدة كامب ديفيد، ووصلت إلى القاهرة في الحادية عشرة مساء لتذهب فورا إلى مقر إقامة السادات في الجيزة، وعندما فشلت في إقناع الحراس بلقائه تقول: «قمنا برمي الحصى على نوافذ السادات في محاولة لاسترعاء انتباهه ولا أعرف كيف لم يتم اعتقالنا، لكن حارسا آخر وافق على أن يوصل رسالتي إلى السادات، ولما عاد أخبرنا بأن السادات لن يقابلنا، ولكن سيكون من دواعي سروره رؤيتي عندما يأتي إلى واشنطن للتوقيع على المعاهدة» وكان ذلك خبرا ستنفرد به بين كل وسائل الإعلام التي كانت تشكك في توقيع المعاهدة. لعلك تسأل نفسك الآن ما الذي كان سيجري لو فكر صحفي مصري في أن يمر إلى جوار بيت السادات في وقت متأخر فضلا عن تحديف شباكه بالحصى، هذا إذا كنت قد سألت في نهاية الفقرة السابقة عما كان سيحدث لنفس الصحفي لو قال إنه يريد رؤية أهرامات زوجة أحد علية القوم. يبقى أن أقول لك إنني إلى جوار المتعة التي حصلت عليها عند قراءة المذكرات، خرجت أيضا بدروس مستفادة لا يتسع لها المقام عن كيفية التعامل مع مطبات المجالين الإعلامي والصحفي وخوازيق العاملين فيهما، وهي المطبات والخوازيق التي استعانت باربارا وولترز على مواجهتها باستعادة برقية جاءتها من الممثل الأسطوري جون وين في وقت كانت تشعر فيه باضطراب نفسي شديد، ورغم أنها لم تكن صديقة له لكنها فوجئت به يدعمها قائلا «لا تدعي أولاد السوء ينالون من عزيمتك»، أعجبتني العبارة فنقلتها في ملف أكتب فيه ما يعجبني من عبارات أقرؤها، لكنني أدخلت على العبارة تعديلا بسيطا يجعلها أكثر قربا إلى نفسي، وهو تعديل للأسف لا يصلح للنشر، ولذلك أتركه لخيالك الشعبى.