لقد ظل الناس فى السودان لعقود خلت يمجدون الفن والغناء وذلك على مستوى قبائل السودان وقراها حيث ظل الغناء الشعبى ملاذا آمنا لخلق حالة من الفرح ونسيان الهموم والخروج من الحياة اليومية الرتيبة ، لم يكن الغناء الشعبى وحده فقط هو الحائز على اعجاب اهل السودان وانما التراتيل الغنائية لاهل الطرق الصوفية واهازيج المدائح النبوية واحدة من اهم ما يستمع اليه اهل الوسط والشمال وغرب السودان ، وقد نشأنا وترعرنا فى منطقة متاخمة لشاطى ابورؤف متاخمين ايضا لمنطقة القمائر (سكن شعبي سابقا ) كنا نستمع ونطرب لغناء ابناء النوبة لاهازيجهم وتراتيلهم فى الكنائس القريبة منا كنا نتصيد مواكبهم بملابسهم الزاهية الالوان وهم يجوبون الحى راجلين يحملون الدفوف ويملؤن الشوارع طربا وموسيقى كان الاطفال يجرون خلفهم مقلدين ويصطف الكبار على طول شاطئ البحر كما كان يحلو لاهل ابورؤف ان يطلقوا عليه ذلك عوضا عن كلمة النيل ،وتمتد الرحلة من القمائر والدباغة والكبجاب وابورف لتنتهى عند الكنيسة الاسقفية المتاخمة لمعهد القرش الصناعى بالملازمين فالغناء والرقص لايجعل الشخص يشعر بالتعب والانهاك وانما يقصر المسافة التى يخالها البعض بعيدة. . الآن اشعر بكثير من الحزن والغضب ، كما اشعر بغبن بعض اهلى من ابناء النوبة وهم يفتقدون تلك الروح واللوحة الفنية الرائعة التى تشكل وجدان الكثيرين والكثيرات منهم ، الحرية فى ان يغنوا ويرقصوا تلك الحرية التى تجعلهم يسيرون فى الشارع دون خوف او جل اوحتى نظرة استياء يبثها بعض المستنكرين على الناس حقوقهم الطبيعية . لغة الكراهية بغيضة تلك التى يبثها بعض الاسلاميين الذين يحاولون ارضاعها للاجيال القادمة الكراهية وهو اسلوب بعيد عن اسلام الشارع الذى يعرفه اهل السودان اسلام التسامح والمحبة ومذاق العشرة الطيبة ، وتحول هؤلاء الى اسلام مجردا يدعو اليه وعاظ ومعلمين اسلام خاليا من روح المحبة والتسامح ، فنشروا الكراهية وهى بالطبع لاحدود لها لانها تجعل من قلب صاحبها صخرة صلبة وتجعله ينشر سمومه فى صورة فتاوى او دعوات ملئية بالكراهية رافضة للاخر تلك التى تفتقد الرحمة وتنتقص من الحقوق وحريات الناس ، فحرية العقيدة التى يكفلها الدستور ليس فقط بان اكون مسيحى او مسلم اوبوذى وانما تعنى ان امارس عبادتى كما اشاء ووقتما اريد، تلك مسألة ينبغى ان لاتزايد عليها السلطة فيستغل البعض بعض النفوذ الذى تحتمى به اقلية شديدة الاذى فتسود الفرقة فى هذا البلد .