بعد أزمة كلوب.. صلاح يصدم الأندية السعودية    ياسر عبدالرحمن العطا: يجب مواجهة طموحات دول الشر والمرتزقة العرب في الشتات – شاهد الفيديو    الإمارات وأوكرانيا تنجزان مفاوضات اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة    وزارة الخارجية القطرية: نعرب عن قلقنا البالغ من زيادة التصعيد في محيط مدينة الفاشر    حقائق كاشفة عن السلوك الإيراني!    المؤسس.. وقرار اكتشاف واستخراج الثروة المعدنية    البيان الختامي لملتقى البركل لتحالف حماية دارفور    الداخلية السودانية: سيذهب فريق مكون من المرور للنيجر لاستعادة هذه المسروقات    مدير شرطة ولاية النيل الأبيض يتفقد شرطة محلية كوستي والقسم الأوسط    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    تدرب على فترتين..المريخ يرفع من نسق تحضيراته بمعسكر الإسماعيلية    الزمالك يسحق دريمز في عقر داره ويصعد لنهائي الكونفيدرالية    سان جرمان بطلا للدوري الفرنسي.. وعينه على الثلاثية    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    شاهد بالفيديو.. سائق "حافلة" مواصلات سوداني في مصر يطرب مواطنيه الركاب بأحد شوارع القاهرة على أنغام أغنيات (الزنق والهجيج) السودانية ومتابعون: (كدة أوفر شديد والله)    السودان..توجيه للبرهان بشأن دول الجوار    شاهد بالصورة والفيديو.. طلاب كلية الطب بجامعة مأمون حميدة في تنزانيا يتخرجون على أنغام الإنشاد الترند (براؤون يا رسول الله)    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصور.. بالفستان الأحمر.. الحسناء السودانية تسابيح دياب تخطف الأضواء على مواقع التواصل بإطلالة مثيرة ومتابعون: (هندية في شكل سودانية وصبجة السرور)    جبريل إبراهيم يقود وفد السودان إلى السعودية    تجارة المعاداة للسامية    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    رئيس حزب الأمة السوداني يعلق على خطوة موسى هلال    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    بايدن منتقداً ترامب في خطاب عشاء مراسلي البيت الأبيض: «غير ناضج»    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    دبابيس ودالشريف    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    بمشاركة طبنحة و التوزة...المريخ يستأنف تحضيراته    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    سوق العبيد الرقمية!    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدكتور مامون محمد حسين في ذكرياته عن قرار إعدامه : غندور إتخذ موقفاً حقيراً بينما بكى فيصل أبوصالح
نشر في حريات يوم 25 - 04 - 2013


(حريات)
امتدادا لجهدها الدائم للتوثيق لتاريخ وانجازات وتضحيات الرموز الديمقراطية في السودان ، سعت (حريات) لمقابلة المناضل الجسور والنقابي المخضرم والطبيب المرموق والانسان النبيل الدكتور مأمون محمد حسين. وكان لا بد ل (حريات) من مقابلة الرجل الذي ابتعد عن الاضواء منذ فترة ليست بالقصيرة ، لكن لم تتغير قناعاته واهتماماته بالعمل النقابي ومتابعته ودعمه لضرورة تحقيق الحلم المنشود باستعادة الديمقراطية الضائعة قبل حوالي الربع قرن لا سيما مع مرور ذكرى انتفاضة أبريل التي كان مأمون واحدا من قياداتها النقابية البارزة.
والدكتور مأمون محمد حسين اخر نقيب شرعي ومنتخب للتجمع النقابي ولنقابة الاطباء ، وهو تاريخ ممتد من التضحيات في مجال العمل النقابي الجسور ، لفترة تمتد منذ ما قبل ثورة اكتوبر ثم أبريل والمقاومة الشرسة التي واجه بها التجمع النقابي برئاسته انقلاب الانقاذ ، ما أدى لتعرضه للاعتقال والتعذيب بل وصدور قرار باعدامه من قبل النظام لكنه نجا منه بأعجوبة سياسية بل ودرامية مؤثرة.
في هذا الحوار وضع الدكتور مأمون بخبرته المتراكمة خارطة طريق وتحليل عميق لكيفية خلق تجمع نقابي يتسق والظروف الحالية ولكيفية تجميع قوي الانتفاضة ، كما كشف عن الكثير من الحقائق التاريخية المثيرة خلال فترة الانتفاضة. فالي هذا الجزء الاول من هذا الحوار :
حريات: كيف كانت المرحلة الجامعية وتفتح الوعي النقابي والسياسي وأنت تترأس اتحاد طلاب جامعة الخرطوم في أول الستينات؟
الفترة الجامعية كانت من أغنى الفترات التي تشكل فيها وعيي السياسي والنقابي وكانت فترة غنية بالطموح والرغبة في استكمال الاستقلال السياسي للبلد بالاستقلال الاقتصادي وتحقيق الديمقراطية والحكم الرشيد في اطار التيار التحرري الذي كان يجتاح المنطقة والعالم بأسره في ذلك الحين. وأنا دخلت الجامعة في العام 1954م وحدث انقلاب عبود ونحن في الجامعة ووقفنا ضده واتخذنا مواقف ضده ، وفي العام 1960م أصبحت رئيسا للاتحاد وقمنا بجهود عديدة مستمرة لتنظيم المظاهرات الطلابية الرافضة للحكم العسكري، ومنذ وقت مبكر التقيت بالعديد من قيادات العمل الوطني من قيادات حزبية عديدة وعملنا سويا لتأسيس الجبهة الوطنية المناهضة لعبود من حزب الامة كان في السيد صديق المهدي ومحمد احمد محجوب والامير نقد الله ومن الاتحاديين الازهري ونصر الدين السيد وعبدالماجد أبوحسبو واحمد زين العابدين ومن الشيوعيين حسان محمد الامين والوسيلة وساهمنا في كل الخطوات منذ رفع أول مذكرة مناهضة لنظام عبود تطالبه بالتخلي عن السلطة. ووقعت عقب تلك المذكرة اعتقالات عديدة وسط السياسيين وأنا تم حرماني من منحة دراسية في الخارج وتم فصلي من العمل في العام 1962م بسبب نشاطي السياسي ، وتم السماح لي مؤخرا أن افتح عيادة خاصة من قبل جهاز الامن، وبعدها سافرت مضطرا تحت تلك الظروف الي تشيكوسلوفاكيا للدراسات العليا في مجال النساء والولادة.
حريات: وكيف استقبلت أخبار ثورة أكتوبر وأنت في الخارج؟
كان شعورا عجيبا وقويا وانفعالا مرتبطا باشياء كثيرة لانني كنت ابكي عندما تلقيت تلك الاخبار لأننا كنا مشاركين وبقوة في مقاومة نظام عبود ولم نستطع ان نحضر لحظة الانتصار في السودان ، ولذلك كان شعورنا عجيبا بذلك الانتصار ، وكيف ان الشعب السوداني استطاع بصورة غير مسبوقة في تاريخ المنطقة كلها ان يطيح بحكم دكتاتوري عسكري عبر ثورة شعبية وعمل مدني.
حريات: كان انتماؤك اليساري مبكرا ، لماذا ابتعدت عن الحزب الشيوعي في السبعينات؟
أنا انتميت للحزب الشيوعي منذ وقت مبكر منذ ان كنت طالبا ، وعملت في مكاتب سرية في الحزب ، ولذلك كنت مبتعدا قليلا عن العمل العلني والجماهيري لحد كبير، وكان رئيسي في ذلك العمل محمد أحمد سليمان قبل أن ينقسم عن الحزب وبعدها قاد المكتب عبدالخالق محجوب شخصيا. وبعد انقلاب مايو حدثت انقسامات كثيرة في الحزب الشيوعي ، ولم احضر تلك الفترة لأنني نقلت وقتها الي ملكال للعمل الطبي هناك. وبعد عودتي حدثت خلافات كثيرة معي أنا اعتبرها شخصية حول العديد من المواقف وانا بشوف انو في ناس كانوا قاصدني ، لانو نتيجة للخلاف في نقاش معين في شخص ما عايز اقول اسمو وهو توفي الان قال لي انت مفصول من الحزب وأنا انفعلت جدا وكتبت ليهو استقالتي من الحزب الشيوعي في ورقة سجائر. وانتهي الامر وانتهت علاقتي بالحزب الشيوعي بهذه الطريقة وكان ذلك في العام 1976م ، لكن هذا الامر أتاح لي فرصة التحلل من العمل السري والتزاماته الكثيرة وتفرغت للعمل النقابي واستمرت بعد ذلك تجربة طويلة جدا من العمل النقابي وتجاربه الثرة والغنية التي استفدت منها كثيرا وقدمت خلالها الكثير ايضا.
حريات: كيف بدأ التحضير للانتفاضة وكيف نجحت؟
في اخر دورة نقابية في أول الثمانينات في نقابة الاطباء كان الاخوان المسلمون او الجبهة الاسلامية وقتها بدات في السيطرة علي النقابات مدعومة من نظام نميري نفسه ، وأنا ترشحت لمنصب النقيب في الخرطوم أمام حسين ابوصالح ، وفاز أبوصالح لكنني دخلت اللجنة التنفيذية وقدنا صراع طويل في مواجهة الاخوان والمايويين وهم طبعا كانوا متحالفين مع بعض بصورة او باخري، لكن الحركة الجماهيرية والنقابية ظلت متصاعدة. ونظمنا اضراب الاطباء الشهير في العام 1984م الذي استمر لفترة طويلة وهز النظام بأكمله ، لكن ناس الجبهة كسروا الإضراب وعادوا للعمل بصورة مخزية.
والمهم انو بدأت الاحداث الأكثر أهمية والتي أشعلت الموقف في الانتفاضة كان في يوم الاربعاء اول أبريل عندما استشهدت الطفلة مشاعر برصاص أجهزة السلطة اثناء المظاهرات ، وهذا الامر أشعل الموقف وسط الاطباء وبدات القواعد تغلي وتدعو للاضراب ، ومشت مجموعة من اللجنة التنفيذية للخرطوم الي أبوصالح وهو رئيس نقابة الخرطوم فرفض وقال دي حركات بتاعت شيوعيين ساي ورفض ان يدعو لاجتماع وانا قلت ليهو ما تجي نحن بنعمل الاجتماع فوافق علي عقد الاجتماع.
مقاطعة: تعني ان الجبهة الاسلامية كانت تعطل تصاعد الحراك؟
الجبهه كانت ضد الحراك كله ، ولم يكونوا ظاهرين بل كانوا يراقبو الموقف ويشوفوا ماشي لي وين وكان موقفهم سلبي لأنهم كانوا مع النظام وبعد ما انقلب عليهم النميري فاتوا الجميع في موقفهم ضد النظام، لكنهم كانوا رجل هنا وأخري هناك لانو الجزولي دفع الله زولهم هو ما معاهم عديل لكن قريب منهم وعضو سابق معاهم وابوصالح برضو ما زولهم عديل لكن قريب منهم.
المهم عملنا الاجتماع بدون حضور أبوصالح وقررنا ان نعلن الاضراب ومشينا بعدها لأبوصالح لأنو النقيب بتاع الخرطوم ووريناهو النتائج وعملنا لجنة اضراب ، وعندها ابوصالح وافق علي الاضراب. وقبلها عندما رفض ابوصالح الاجتماع أنا مشيت لي الجزولي دفع الله وكلمتو بالحاصل وقلت ليهم تعال أحضر أنت بدلو قال لي كويس لكن ما جا حتي الان ، وكان تهرب منو. المهم قررنا الاضراب وتحت ضغط قواعد الاطباء اضطر ابوصالح والجزولي للموافقه، ونفذنا الاضراب واعتقلونا كلنا ، وفي التوقيت دا نميري اعتقل كل الجبهجية وأدخلهم معانا في المعتقلات، وسجنونا في كوبر ومنها نقلونا لي منطقة دبك. ومكثنا في المعتقل حتي أعلن سوار الذهب انحياز الجيش للانتفاضة وعندها ظهرت قيادات من ناس الجبهة لأنهم كانوا منظمين شديد وأطلقوا سراحنا من المعتقل ووصلونا الي الخرطوم ، وأذكر انو في بعض المعتقلين من الشيوعيين رفضوا يركبوا معاهم لانهم بعتبروهم من أذيال المايويين.
حريات: وكيف كان تأسيس وعمل التجمع النقابي؟
أنا كنت في لجنة الخرطوم بتاعت الاطباء وبعدها تم تصعيدنا لقيادة نقابة الاطباء المركزية وسط اعتراضات من ناس الجبهة وبقايا المايويين. ونقابة الاطباء كان لها دور رائد وقيادي في التجمع النقابي ، ونحن كان ممثلينا في التجمع النقابي الجزولي دفع الله وأبوصالح ولذلك كانت مواقفهم غير معبره عن جموع وطموحات قواعد الاطباء، ولذلك كان دورهم ضعيفا ودا كان امتداد للخذلان العملوهو في اضراب الاطباء في 1984م. وبعدها دخلت الاحزاب لا سيما حزب الامة والاتحاديين علي الخط وحدثت المساومات الكبيرة حتي بدأ المجلس العسكري في الانفراد بالامور ، ونتج عن كل ذلك تكوين ضعيف للحكومة باعتبار ان قوي الانتفاضة الحقيقية ما عندها التمثيل المناسب في الحكومة الانتقالية بحسب وزنها.
حريات: من هو المسئول في نظرك عن هذا التراجع؟
مساومات الأحزاب كان لها دور ، وضعف الحركة الديمقراطية كان له دور أيضا ، لكن الجبهة الاسلامية لعبت الدور الابرز لانهم رفضوا ميثاق الدفاع عن الديمقراطية وكونوا كتلة مناهضة للتجمع الوطني الكنا فيهو نحن كتجمع نقابي واحزاب وكان فيه ممثل للجيش. وبدأت القوات المسلحة بقيادة سوار الذهب تخذل الناس وتنصب نفسها كوسيط بين التجمع وبين ناس الجبهة ودا كان بعني انها تراجعت عن كونها جزء اساسي من التجمع.
حريات: ماهي الادوار السلبية التي لعبتها الاحزاب وأين تكمن نقاط ضعف القوي الديمقراطية في وجهة نظرك كجزء من ذلك التاريخ؟
طبعا عندما أعلن سوارالذهب انحياز الجيش حدث انقسام في قوي الانتفاضة ، نحن كنا بنرى ان يستمر الاضراب الي حين السيطرة علي السلطة وكنا نرى ان هذا أمر ضروري وحيوي ، لكن الاحزاب استسلمت واندفعت للتشاور والتفاوض مع ناس الجيش ، وحدث انقسام كبير جدا داخل التجمع النقابي نفسه والجبهجية لعبوا فيهوا دور ايضا وفي النهاية تم رفع الاضراب ، ودي كانت اللحظة التاريخية الفارقة لانو الاحزاب اندفعت نحو السلطة وقسمة السلطة مع ناس الجيش، والقوي الديمقراطية لم تكن مرتبة جيدا لانو الاخوان والجبهجية كانوا لهم أغلبية في قيادة التجمع النقابي عن طريق عناصرهم المباشرة أو غير المباشرة ولذلك لم نستطيع الانتصار لخيار ان تستمر المظاهرات والاضراب الي حين الانتصار الكامل لقوي الانتفاضة ، وبي كدا بدأت الامور تتسرب من قبضة قوي الانتفاضة ، وتم رفع الاضراب ووقف المظاهرات وعندما بدأت الامور تهدأ قليلا سارع الجيش باعلان المجلس العسكري دون التشاور معانا ودي خطوة كان لها دلالتها القوية في انو من يقود البلد.
حريات: لماذا لم تعترضوا كقوي ديمقراطية علي هذه الامور؟
زي ما قلت ليك نحن كتجمع نقابي انقسمنا علي انفسنا، وبعدين بعض قيادات الاحزاب خذلتنا وبدات تتوسط بيننا وبين المجلس العسكري ، والمجلس العسكري بدأ يمارس الدهاء السياسي ويقدم بعض الضمانات بأنو جزء من التجمع وانو هو سيسلم السلطة للشعب وهكذا ومع الخذلان المستمر كانت هذه هي النتائج فتم تشكيل ضعيف للحكومة الانتقالية ، وسيطر المجلس العسكري علي السلطة ، وبعدها بدأت المساومات الاخري المرتبطة بقانون الانتخابات واستمرت الامور في التسرب من بين ايدينا.
حريات: هل تري بناءا علي ماقلته ان الانتفاضة فشلت في تحقيق اهدافها؟
لا لا الانتفاضة لم تفشل في تحقيق اهدافها بهذا المعني الكامل لانها نجحت في ازاحة نظام نميري علي سبيل المثال لكنها فشلت في ازاحة كل تبعات النظام وفي الغاء قوانين سبتمبر وفي وضع حد للحرب مع الجنوب وفي تحقيق أسس واضحة للتحول الديمقراطي الكامل في البلاد. وانا بعد كل هذه الفترة لا يمكن أعزي مواطن الخلل في عدم وصول الانتفاضة لأهدافها لجهة أو سبب واحد. ضعف الحركة الديمقراطية والتجمع النقابي كان سبب ومساومات الاحزاب كانت سبب وسيطرة المجلس العسكري كانت سبب والاعيب الجبهة الاسلامية كانت سبب. وفشلنا بعد ذلك في معركة قانون الانتخابات ومسألة الدستور لاننا بالواضح فشلنا ايضا في فرض ارادتنا في قانون الانتخابات وضرورة تمثيل القوي الحديثة لانها جاءت ضعيفة جدا وتم سبكها بحيث انو ما يفوز بيها الا الاخوان المسلمين والجبهة الاسلامية. أعطيك مثالا علي الفشل الذي حدث كل ما قام به الصادق المهدي في ازالة اثار مايو هو ازالة الشعارات المتي ترمز لمايو في مجلس الشعب ولم يفعل شئ غير ذلك في مبدأ ازالة اثار مايو.
حريات: ورغم ذلك اصبح الفرز واضحا بين قوي الانتفاضة وبين القوي المعادية متمثلة في المجلس العسكري والجبهة الاسلامية؟
كانت هناك مؤامرات كثيرة ، الجبهة كان موقفها واضح لكن هنك الكثيرين من الاحزاب نفسها ممن تلاعبوا ولعبوا ادوارا لصالح الجبهة ، فنحن قلنا برضو ما مشكلة بعد كل هذه الاشياء وبعد هزيمتنا في معركة الدستور وقانون الانتخابات، فكان التحالف بتاع الانتخابات نحن في جانب كتجمع نقابي واحزاب ، والكتلة الثانية كانوا ناس الجبهة الاسلامية ، لكن بدأت الاحزاب في الانقسام الاتحادي انقسم والامة انقسم والصادق عبدالله عبدالماجد مشي مع الكوم البي هناك بعد ما كان معانا، وهكذا الي ان اكتسحت الجبهة الاسلامية دوائر الخريجين بعد ان صمم قانون الانتخابات لها خصيصا، والجبهة استطاعت ان تتلاعب بالامور وكان لها ناسها في الاحزاب نفسها. لكن رغم كل ذلك في النهاية فاز الصادق المهدي ونحن اعتبرنا دا في حد ذاتو انتصار لقوي الانتفاضة ، وكونا وفد من التجمع النقابي وقلنا نمشي نبارك ليهو ونؤكد انو انتصرت قوي الانتفاضة ، وانو نحن نتوقع ان يتم تشكيل الحكومة من كتلة حزب الامة وكتلة الاتحاديين وكتلة الجنوبيين ، ولكن اذا بنا نفاجأ بان الصادق قال لنا كلاما ادي لخذلان وخلاف وانقسام كبير، وقال لنا انو نحن كنا نتوقع أن يكون لنا أغلبية كاملة ولكن فوجئنا بان اغلبيتنا لن تسمح لنا بتكوين حكومة منفردين ، وبالتالي فالان توجد ثلاثة كتل هي كتلة الاتحادي ودي ممكن نتعاون معاها ، وكتلة الجنوبيين دي كتلة مواقفها متباينة وبرضو ممكن نتعامل معاها في نهاية المطاف ، وبالتالي قلنا نتفاوض مع كتلة الاخوان عشان نكون حكومة وحدة وطنية وهنا أسقط في يدنا واعترضنا وكانت تلك مفاجأة وخذلان كبير ، وانا عرفت ممن أثق فيهم في ذلك الوقت من قيادات في حزب الامة انو حدث ذات الخلاف حول اشراك ناس الجبهة في حكومة الانتفاضة الاولي داخل المكتب السياسي لحزب الامة وتم هزيمة هذا الاتجاه الذي كان يقوده الصادق ولذلك لم يستطع اشراكهم، وهكذا استمرت كل ملامح الفترة الديمقراطية بهذه الطريقة ( الملولوة).
(الحلقة الثانية من الحوار)
حريات: كان لكم دور كبير في التجمع النقابي في محاولات ايقاف الحرب بين الشمال والجنوب واحلال السلام واجراء الاتصالات مع الحركة الشعبية بقيادة جون قرنق. كيف كانت تلك التجربة؟
بالفعل قمنا كتجمع نقابي باتصالات مكوكية مع الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة جون قرنق وكنا مكلفين أنا والدكتور تيسير محمد علي من اساتذة الجامعات ومختار عثمان من المهندسين. وبعد حركة مكوكية بين الخرطوم واديس ابابا ولقاءات عديدة بيننا ووفد من الحركة الشعبية وضعنا عددا من المبادئ التي يمكن الاتفاق عليها قلنا نجمع الناس كلها. وفي الاثناء كان في اجتماع مهم في نظري ، وهو انو كان في مؤتمر قمة افريقي في أديس والصادق حاضروا كرئيس وزراء للسودان ونحن قمنا بتنظيم لقاء بين الصادق وجون قرنق علي هامش المؤتمر ، وبالفعل نجحنا أنا وتيسير ومختار في تنظيم اللقاء. ودار نقاش طويل في هذا الاجتماع بين الصادق وقرنق ، وأهم شئ في هذا اللقاء انو قرنق قال لي الصادق كلام مهم وخطير جدا ، قال ليهو ( انا وانت لو اتفقنا هنا بترجع السودان تقول لغيت قوانين سبتمبر وانا برجع السودان برضو وانت عندك أغلبية في الشمال وانا عندو أغلبية في الجنوب) ، وسكت قرنق علي كدا. بتفهم شنو في من الكلام دا ، يعني الغي قوانين سبتمبر يا الصادق وممكن نوقف الحرب ونحقق السلام ونحكم كل السودان بشماله وجنوبه أنا وانت.
مقاطعة: هذا الكلام ذكره د. تيسير ايضا في حوار سابق و ....
لا قرنق بالفعل ذكر هذا الكلام في هذا الاجتماع ، بل ان الصادق ذكر في ذلك الاجتماع بعضمة لسانه ان دستور السودان يجب أن يكون غير ديني لكن يجب وضع اعتبارية خاصة لمسألة الشريعة ، وقام قرنق قال ليهو تمام دستور الدستور غير ديني وقوانين الشريعة تكون قوانين محلية وكل ولاية تحدد القوانين التي تناسبها ، وهنا اختلفوا في هذه النقطة ، وبعد نقاش طويل اقترحنا ليهم انو الاجتماع وصل لنقاط ايجابية وافضل انو الرئيسين يدخلوا في اجتماع مغلق وبالفعل اجتمعوا براهم ، وكنا نتوقع أن يوقعوا علي الاقل علي نقاط أولية أو مبادئ لكن طلعوا ولم يحصل أي شئ. المهم بعدها استمرينا في الاتصالات حتي اتفقنا علي كوكادام والصادق بدأ يتراجع من بعض النقاط رغم انو بشير عمر وزير المالية قرأ للصادق بالتلفون كل البنود واحدا تلو الاخر، المهم تم توقيع كوكادام وكانت خطوة ايجابية جدا لكن الاتحاديين لم يشاركوا فيها بل ورفضوها في النهاية. وبعدها جات حكاية المفاوضات بين الميرغني وقرنق ، وانا وقتها مشيت لي سيداحمد الحسين القيادي في الحزب الاتحادي وقلت ليهو يا سيدأحمد انت ما شين تفاوضوا قرنق ، وجون قرنق في اثناء الكلام حيعرض ليكم بطريقة مباشرة انو نحكم السودان سوا يا السيد محمد عثمان الميرغني علي أساس انو انتو لو في انتخابات حيكون عندكم أغلبية في الشمال وانا حيكون عندي أغلبية في الجنوب ونحكم سوا علي قاعدة وقف الحرب والسلام ، ووريتو انو قرنق عرض الطرح دا علي الصادق والصادق رفضوا ، فاذا طرحوا ليكم ما ترفضوهو أقبلوهو ، ودا ممكن يحقق اتفاق ولو انتقالي وكدا ، وفي النهاية مشوا ورجعوا باتفاقية الميرغني قرنق للسلام.
مقاطعة: يعني الميرغني وافق علي عرض قرنق؟
فيما يبدو ذلك ، ورغم انو اتفاقية الميرغني قرنق لم تختلف كثيرا في مضامينها الاساسية عن كوكادام عدا أمور بسيطة لكنها عملت حراك سياسي ايجابي. وفي ذلك الوقت حاولنا كتجمع نقابي أن نلتقي بالميرغني مرارا وتكرارا عشان نؤكد دعمنا للاتفاق وندفع الامور للأمام وفشلنا تماما ودي كانت حاجة مريبة من الناس الكانو محيطين بيهو ، وفي النهاية التقينا بيهو في منزل سيدأحمد الحسين وبادرنا للحديث معه وطلبنا لقاء بيننا و,اكدنا ليهو انو نحن ممكن نشتغل مع الحزب الاتحادي لو عمل الاتفاقية دي ومشي فيها لي قدام وأوقف الحرب ووضع أسس للسلام وكدا لكن اللقاء المرتقب بيننا والميرغني لم يتم حتي الان. وبعدها استمرت المؤامرات والمماحكات بين الحزبين الكبيرين ، والصادق جاب الجبهة الاسلامية واشركهم في الحكومة وبعدها حصلت خلافات بين الصادق والجبهة ، المهم حدثت بعد ذلك مذكرة الجيش ، ورغم مؤامرات كثيرة حصلت في النهاية اتفق الجميع علي عقد المؤتمر الدستوري ، ولكن الجبهة لأنها كانت هي من تقف ضد الديمقراطية طول الوقت لعبت علي خلافات ومزايدات الاحزاب الكبيرة وعلي ضعف التجمع النقابي والقوي الديمقراطية ، ولما اتفقت كل الاطراف علي المؤتمر الدستوري انقضوا علي الوضع الديمقراطي ونفذوا انقلابهم.
حريات: كيف استقلبتم الانقلاب ، ولماذا لم ينفذ الاضراب السياسي وقتها بحسب وثيقة الدفاع عن الديمقراطية التي وقعت عليها كل الاطراف؟
لم ينفذ الاضراب لاسباب عديدة انو الناس كانوا محبطين من الفترة الديمقراطية ومن مزايدات الاحزاب ، ونحن في التجمع النقابي كنا نشعر بانو نحن بنناضل ونقدم التضحيات ولما تجي الديمقراطية تجي الاحزاب تركب فوقنا وتسيطر وتتلاعب علي الامور ، وبالتالي الميثاق كان يؤكد علي انو نقوم بالعصيان المدني نحن والجيش في حال اي انقلاب ولم يقوم الجيش باي خطوة وكذلك نحن لم نقم باي خطوة. الامر الثاني الذي أدي لعدم قيام الاضراب السياسي أو العصيان المدني انو في ناس في البداية خدعوا في الانقلاب وناس قوي الانتفاضة كان في بعضهم يقول ليك ديل ناسنا وكدا ، وهنا طبعا الخدعة بتاعت الترابي بتاعت القصر رئيسا والسجن حبيسا افلحت في خداع البعض. وانا قلت لقيادات التجمع النقابي نحن يجب ان نتريث والانقلاب دا شكلوا حق ناس الجبهة والخطاب فيهو كلمات توحي بانو البيان الاول كاتبوا الترابي شخصيا، وايا كان فالانقلابيين اعلنوا حل النقابات ودا سلوك غير ديمقراطي لكن ايا كان نحن يجب انو ما نحل نفسنا.
حريات: كيف تم الترتيب للاضراب السياسي واعتقالكم جميعا بعد ذلك؟
بعد الانقلاب طبعا بدأت الامور تتكشف وظهر انو دا انقلاب الجبهة وبدأنا نحن نعد عملنا كتجمع نقابي وصغنا ميثاق لقوي التجمع ووصلناهو لقيادات الاحزاب في السجن واطلعوا عليهوا وجرت عليه كافة التعديلات حتي وصلنا للصيغة النهائية باتفاق كل الأحزاب الامة واالاتحادي والشيوعي وكلهم.
مقاطعة: متي تمت الدعوة للاضراب؟
كان الميثاق عبارة عن خطة كاملة للاطاحة بالنظام واستعادة الديمقراطية وكدا ، وبالفعل طبعنا الميثاق واتفقنا علي توزيعه لجماهيرنا لاستنهاض قواعد النقابات والاحزاب، وفي الوقت دا كانت الاعتقالات مستمرة ، وكان عندنا اخطاء انو في بعض الناس كانوا مستعجلين النتائج والدعوة للاضراب وانا قلت ليهم اجمعوا توقيعات وحضروا بشكل جيد عشان نعمل اجتماع وندعوا من خلاله للاضراب ، وانا كنت بشعر انو الخطوات دي مستعجلة ، وحصلت خلافات بيننا حول مسألة كيفية الاعداد للاضراب ، وفي النهاية كان الاعداد ضعيف وجينا في الاجتماع الفيهو ممثلين كل النقابات وظهر انو الناس ما جاهزين كويس وممثلي النقابات المختلفة ظهر انو ما حاشدين ومجهزين قواعدهم بشكل جيد ولذلك الاضراب كان مولود ضعيف ، لكن رغم كدا الحكومة كانت مرعوبة وكانت تراقب كل خطواتنا وقامت في النهاية باعتقال كل الناس ، وانا لاقيت القيادات النقابية في كوبر كلهم وقلت ليهم شفتو الحصل انا قلت ليكم نتريث ونعد لي حاجة قوية مش متعجلة ساي مع نظام شرس وعنيف زي دا.
حريات: وكيف كان بعد ذلك الاعتقال ، وتعرضك للتعذيب الوحشي وصدور قرار اعدامك؟
كانت بالفعل ايام عجيبة وصعبة ولحظات فارقة في حياة الواحد مننا، وبالفعل تم اعتقالي وتعرضت للكثير من التعذيب في المعتقلات وبيوت الاشباح قبل ان ننقل الي كوبر ويصدر قرار الاعدام في شأني أنا. وفي قصة عجيبة انو في واحد من تلاميذي دون ذكر اسمه ، الكثير من المعتقلين قالوا لي انو الشخص دا هو من قام بتعذيبك واشرف عليهو وانا طبعا كنت معصوب العينين وما أقدر أحكم علي المسألة دي بشكل جيد ، وهذا الشخص بعد ان تم اطلاق سراحي جاني في مكتبي وقالي لي انا في ناس متهمني بانو أنا قمت بتعذيبك انت مصدق الكلام دا فيني ، وانا من ما سمعت الكلام دا ما مرتاح ومتمني انك ما تكون صدقت الكلام دا لانو أنا ما ممكن أعمل كدا ، والمهم انا قلت ليهو انا ما بقدر احكم علي القصة دي بشكل قاطع لأني كنت معصوب العينين لكن انا ما بتخيل انك تعذبني بعد ان كنت تلميذي وانا رغم الخلاف السياسي بيني وبينك شايف انك كانسان زول كويس وانا ما عندي مشكلة شخصية معاك ، وفي النهاية شكرني ومشي وما لاقيتو تاني لحدي الان.
كيف كان شعورك واستقبالك لقرار الاعدام؟
اصدقك القول عند صدور قرار الاعدام نزلت علي سكينة وايمانيات غريبة وبيني وبينك أتمني أن تعود الي الان تلك الروح والايمان القوي، المهم ان تلك الروح جعلتني متماسك تماما بشهادة كل زملائي في السجن ، بل انني كنت اساعدهم علي التماسك اثناء اللقاءات القصيرة التي تحدث بيننا واصبرهم علي وحشة السجن وكدا، وكنت مقتنعا تماما بان من يحدد متي واين وكيف يموت الانسان هو الله سبحانه وتعالي وليس اي شخص مهما علا شأنه ، وقد صدق حدسي وأثبت للجبهجية كما ظللت مقتنع دائما بانني أكثر ايمانا ويقينا منهم.
وبدأت اسمع بالفعل خلال تلك الفترة عن ضغوط دولية واقليمية عديدة تطالب بعدم اعدامي هذا غير قواعد الاطباء والعاملين وجميع الشرفاء من ابناء الشعب السوداني الذين كانوا ينظمون الوقفات والاحتجاجات أمام سجن كوبر لدرجة أخافت النظام بحدوث غليان كبير في حالة اعدامي. وطبعا منظمات حقوق الانسان والامم المتحدة ومنظمة العمل الدولية واتحاد العمال العالمي واتحاد الاطباء العرب وغيرهم كان لهم دور كبير في تلك الضغوط ، وكذلك رؤساء عدد من الدول العربية مثل مصر والمغرب واليمن والسعودية وعدد كبير من وزراء الخارجية الافارقة والعرب ، والمهم الحكومة وجدت نفسها في ضغوط كبيرة بشأن موضوع اعدامي وفي النهاية وبعد أن ضمنوا السيطرة علي الامور في الخارج قاموا باطلاق سراحي.
وفي خلال هذه الفترة زارني العشرات من الاشخاص والوفود وبعض الاصدقاء ، لكن اهم الزيارات كانت واحدة منها تلك التي قام بها وفد اتحاد العمال الذي عينه النظام وكان رئيس الوفد هو ابرهيم غندور الذي حاول ابتزازي بشكل حقير ، اذ انه قال لي نحن عايزين نعمل جهود لايقاف موضوع اعدامك واطلاق سراحك ، انت رأيك شنو ؟ ورديت عليهو بشدة بانو اولا الذي يميت والذي يحيي الناس هو الله وليس أحد وثانيا انا مختلف معاكم ومؤمن بعدالة قضيتي التي سجنت من أجلها وبالتالي ما خايف من الموت ، وأنا أشكر اي زول عايز يعمل أي جهود من اي شكل للتخفيف علي ، لكن العايز يعمل جهود ما بجي يقول أنا عايز أعمل جهود.
والزيارة الثانية كانت من فيصل أبوصالح عضو مجلس قيادة الثورة ووزير الداخلية وقتها ، ودا جاني وسألني واستحلفني بالله أن اصدقه القول بانو هل بالفعل تم تعذيبي فقلت ليهو نعم وقال لي وريني اثار التعذيب وأنا رفضت في البداية وبعد اصرار منه وريتو اثار التعذيب ، فانهار باكيا وهو يكرر بصوت أجش من البكاء أعفي لينا يا مأمون.
حريات: حسنا دكتور ، كيف تنظر لافاق العمل النقابي حاليا وهل مايزال خيار الاضراب السياسي قائما بالفعل لاسقاط النظام بحسب خبراتك؟
هذا موضوع كبير لانه يحتاج ان نعود للأمور من البداية ، فالاسلاميين ظلوا يخططون للانقضاض علي السلطة منذ عشرات السنين واستفادوا من كل شئ درسوا تكتيكات الحزب الشيوعي حول كيفية بناء الحزب وحمايته وتأمينه وكيفية البناء القاعدي في العمل بين الجماهير رغم اختلاف انهم استعملوا الخطاب الديني في ذلك ، ولانهم براغماتيين تماما فقد اندمجوا مع نظام نميري وعملوا من تحت للسيطرة علي النقابات في نهاية السبعينات عندما بدأت العزلة الجماهيرية تضرب أطنابها حول الاتحاد الاشتراكي وأقنعوا نميري بفتح البنوك الاسلامية واثروا من وراء ذلك ثراءا شديدا واستخدموا علاقاتهم مع الاسلاميين في الدول الخليجية والعربية والاسلامية الاسيوية في مراكمة ثرواتهم وثروات التنظيم عن طريق تحالفات التنظيم الاسلامي العالمي والترابي لعب دورا كبيرا وخبيثا فهو داهية كبير جدا في هذه الامور كلها، وبكل ذلك استطاعوا ان يركبوا الانتفاضة عندما استقووا علي نميري وتلاعبوا علي الحزبين الكبيرين ولعبوا بالديمقراطية واضعفوها بشكل مقصود بكل الاساليب سواء عن طريق دق طبول الحرب أو الدسائس بين الحزبين الكبيرين أو الفساد أو التظاهرات ورفض ميثاق الدفاع عن الديمقراطية والمزايدة عن طريق استخدام شعار الشريعة وفي النهاية هيأوا المناخ لقبول بعض الناس للانقلاب في البداية ، ولعلمهم وتخوفهم من ضعف قاعدتهم الاجتماعية في ذلك الوقت خدعوا الناس في البداية وأخفوا هوية الانقلاب وكانت تلك خطة الترابي حتي يحدث ربكة وسط قوي الانتفاضة وفي المعارضة يستطيعون من خلالها كسب الوقت لتقوية النظام وتوجية ضربات أمنية قوية وتحت الحزام لكافة القوي المناهضة لمشروعهم. ومن خلال كل ما ذكرت لك استمرت الجبهة بشكل متعمد في سياسة التمكين القائمة علي افقار الناس والهائهم بلقمة العيش وقتل افاق العمل النقابي وتشريد كل العاملين وحل النقابات وتدمير الطبقة الوسطي التي تمثل القاعدة الاجتماعية للنقابات نفسها ، وسن القوانين التي تساعد في ذلك مثل نقابة المنشأة التي تجعل العمل نقابي غامض جدا ، وتكملة ذلك بالهاء الناس بالدين الزائف وبذلك سادت لهم الامور، واستطاعوا قتل اافاق العمل النقابي.
مقاطعة: اذن بحكم خبرتك هل تري ان افاق التغيير قريبة في السودان؟
افاق التغيير تظل مفتوحة طالما ان هناك قوي مؤمنة بالديمقراطية موجودة في البلد ، لكن الافاق ستظل بعيدة ، مالم يتمسك الناس باشياء محددة ، اولا وحدة المعارضة ، وثانيا الاستعداد للتضحيات والصبر علي العمل القاعدي وسط الجماهير وتنظيمها دون عجلة ، وثالثا:الادراك الجيد للتغييرات الكثيرة التي حدثت في المجتمع السوداني ،ورابعا تطوير الوعي النقابي بصورة مختلفة. وخامسا: توحيد الجهود وخلق قيادات تفرز من خلال العمل الشبابي المعارض الحالي. رغم ذلك فأنا اري ان ان هناك أجيالا جديدة تقوم بالكثير من التضحيات فقط محتاجة للتنظيم والثقة بنفسها أكثر.
مقاطعة: هل تري ان الافاق متوافرة حاليا لوحدة نقابية تقوم علي اسس جديدة؟
الافاق ليست معدومة اطلاقا، المطلوب فقط الوعي بالتغييرات، فالانقاذ دمرت العمل النقابي بالصورة التقليدية القديمة ، لانها شردت الناس ودمرت القاعدة الاجتماعية للنقابات ، لكن في المقابل فانها خلقت الملايين من المشردين ومن المظالم والفقر ، وبالتالي فان المطلوب هو أن نفهم كيف نطور العمل النقابي من نقابات غير تقليدية وجديدة قوامها ليس من المهنيين فقط ، اذ يجب ان يكون بجانبهم جيوش العطالي واصحاب الركشات وستات الشاي وبائعات الاطعمة والمهن الهامشية وغيرهم ، وهؤلاء اعدادهم بالملايين، فقط يجب أن نعرف كيف نصل اليهم وننظمهم بشكل جيد ، لان الدوافع لديهم موجودة وشعورهم بالظلم والرفض لما يحدث كبير جدا. والانقاذ بجسب طبيعتها الطفيلية الجشعة تخلق يوميا الالاف من المتضررين من سياساتها. ولقد اصبحت لدي القوي الشبابية اساليب اتصال جديدة عبر الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي عبر الانترنت وهذه ساعدت في ربط الثوار في دول الربيع العربي علي سبيل المثال، وصحيح ان الامور قد تختلف قليلا في السودان علي هذا المستوي بحسب طبيعة القوي صاحبة المصلحة في التغيير ومدي تداولها لهذه الوسائل لكنها ايضا تظل احدى الادوات التي يمكن أن تلعب دورا حيويا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.