لم تنشأ العلاقات بين الدينكا والمسيريّة عشيّة أحداث أبييى الأخيرة ولا حتّى بعد بروتوكول أبيى ، ولن يُطوى ملف العلاقات والتعايش السلمى وتبادل المصالح بين القبيلتين، بإعلان نتيجة إستفتاء أبيى المُنتظر، بمثلما لم تكن تلك العلائق وليدة ترسيم أو إعادة ترسيم الحدود بين مُديريّات السودان، ولكنّها علاقات عميقة الجذور وضاربة القدم فى الأرض السودانيّة ، وهى علاقة جغرافيا وتاريخ ودم وملح وعيش مُشترك ، وتبادل منافع وخيرات ، وشراكة تاريخيّة ذكيّة فى خيرات المنطقة ، وطّدتها على مر العصور وشائج المُصاهرة وضرورات وحتميّة العيش والتعايش المُشترك بين القبيلتين ، أمّا إغتيال سلطان دينكا نقوق كوال دينق مجوك ، الذى نتج عن أحداث أبيى الأخيرة ، فهو بكل المقاييس المحليّة والوطنيّة والدوليّة ، جريمة نكراء، بحق رمز وزعيم قبلى كبير، لكونه يُمثّل معانى وقيم روحيّة ، فوق منصبه الإدارى ، ومثل هذا الحدث المُدان أخلاقيّاً وقانونيّاً ، لا بُدّ من النظر إليه بعين مآسى وجراحات الإحتراب والنزاع المُسلّح ومآلات العنف ، ونتائج محاولات الإستقطاب السياسى والدينى عبر إستخدام البُعد والمُكوّن القبلى فى الصراع السياسى ، ولهذا فإنّ الخروج من كُل هذا يكمن فى الإمساك بضرورة تحقيق السلام والحرص على إستدامته ، مهما كانت الصعوبات والتحدّيات . الواجب يُحتّم ، بل ، يفرض على حكومتى دولتى السودان وجنوب السودان ، تشكيل لجنة قضائيّة عالية المُستوى تُعهد رئاستها إلى قاضى على مُستوى عالى من الكفاءة والخبرة والنزاهة والإستقلال ، وينال قبول كُل الأطراف وإحترام وثقة الجميع ، ويقترح كاتب هذا المقال فى هذا المقام ، إسم فضيلة مولانا أبيل ألير لرئاسة هذه اللجنة القضائيّة المُشتركة، لتقوم بالتحقيق النزيه فى جريمة مقتل السلطان كوال، يعقب ذلك ، تقديم الجُناة إلى العدالة والمُساءلة الجنائيّة ، و فى ذات الوقت يتوجّب وضع القبيلتين وقياداتهم فى الصورة وتمليكهما الحقائق حول نتائج التحقيقات ، ثُمّ يُطلب تعاونهما وشراكتهما ومُشاركتهما فى إنشاء آليّات لفض النزاع ،ونزع فتيل العنف والإحتراب،ولسد الطريق أمام مُسلسل الثأرات وسفك الدماء ( الدينكا/ مسيريّة ) ، وحتماً، سيفتح مثل هذا التحقيق النزيه الشفّاف ، ( المسارات الجديدة ) للقبيلتين المُتجاورتين، التفكير العميق فى إعمال تقاليدهما المرعيّة فى فض النزاعات وإكمال المُصالحة وفق التقاليد المرعيّة للقبيلتين ، وهى آليّات مُجرّبة وذات تقاليد معلومة ومرعيّة ومُجرّبة. أصدق العزاء لدينكا نقوق فى فقدها الكبير السلطان كوال،ولكافّة أُسر الضحايا بين الطرفين وللأسرة الدوليّة فى كل الأرواح التى زُهقت ، دينكا ومسيريّة وغيرهم . وتبقى – من قبل ومن بعد – الحكمة دينكسيريّة .