[email protected] في منتصف هذا الأسبوع وصلت إلى منطقة هجليج داخل السودان على حدوده مع دولة جنوب السودان الكميات الأولى من نفط الجنوب بعد توقف دام قرابة العام والنصف بسبب صراع انتحاري بين البلدين أثر تأثيراً كبيراً على اقتصاد البلدين ودفع ثمنه الشعبان في السودان وجنوب السودان معاناة وشظف عيش. الكميات التي وصلت إلى هجليج تم إنتاجها في حقول منطقة ثارجاث في ولاية الوحدة وستتم معالجتها في محطة المعالجة في هجليج قبل ضخها في الخط الناقل إلى بورسودان وقد يستغرق ملء الخط الفارغ ووصول النفط إلى بورسودان شهرا بحيث يتم تصدير أول شحنة بعد التوقف نهاية شهر يونيو القادم. ومن المتوقع أن تتنساب كميات أخرى من حقول منطقة جونقلي عبر الخط الثاني لنقل نفط الجنوب لتصل إلى محطة المعالجة الثانية بالقرب من منطقة الرنك وبذلك ينشط الخطان في نقل نفط الجنوب إلى موانئ التصدير ولكن الخبراء لا يتوقعون أن يعود الإنتاج إلى المستوى الذي كان عليه قبل أن يتوقف الضخ (ثلثمائة وخمسون ألف برميل في اليوم) إلا مطلع العام القادم بسبب طول فترة توقف الإنتاج؛ ولذلك فإن الكميات التي ستصدر خلال هذا العام ستكون أقل من المعتاد وبعائد أقل وعندما يعود الإنتاج إلى مستواه السابق فإن جملة عائداته السنوية ستبلغ ثلاثة عشر مليار دولار يذهب ما يقارب ثلثها إلى الشركات المنتجة التي تحصل على نصيبها في شكل نفط خام يعرف باسم (زيت الإنتاج) تتولى الشركات تصديره لحسابها وتدفع للسودان قيمة ترحيله عبر خطوط الأنابيب السودانية، بينما تبلغ حصيلة النفط تسعة مليارات دولار سنويا لحكومة الجنوب التي ستدفع منها للسودان سنويا وعلى مدى الثلاث سنوات القادمة مليارين من الدولارات كل عام مقابل نقل النفط عبر خط الأنابيب السوداني بواقع عشر دولارات للبرميل الواحد، إضافة إلى تقديم منحة مالية تعويضاً للسودان عن فقدانه لنفط الجنوب بواقع خمسة عشر دولارا للبرميل على مدى الثلاث سنوات القادمة. الحصيلة بالنسبة للسودان ستستقر بدءاً من العام القادم عند مبلغ سنوي في حدود الملياري دولار لكن حصيلة هذا العام ستكون قليلة قد لا تتجاوز الخمسمئة مليون دولار بحسب تقديرات صندوق النقد الدولي. وقد سارع الصندوق لينصح السودان بألا يهدر مليارات نفط الجنوب التي سيحصل عليها في الصرف الجاري بل يوظفها بكاملها في إعادة تأهيل القطاع الزراعي الذي يشكل الركيزة الأساسية للاقتصاد السوداني، ولكننا لا نتوقع استجابة من الحكومة لهذا المقترح ذلك أن هذه النصيحة قد قدمت للحكومة مراراً عندما كان السودان يحصل على كل العائد أو النصيب الأكبر من عائدات النفط في السنوات الماضية دون أن تجد النصيحة أذنا صاغية من المسؤولين!! لقد بدأ السودان تصدير نفطه منذ تسعينيات القرن الماضي وظل دخل البترول بكامله ينساب لخزينة الحكومة قبل توقيع اتفاقية السلام، بينما ظل عائد البترول الأكبر بيد الحكومة بعد توقيع الاتفاقية وتخصيص نصف عائدات نفط الجنوب لحكومة الجنوب، ولكن لا أحد يعرف أين ذهبت عشرات المليارات التي دخلت الخزينه طوال تلك السنوات؛ إذ إنها لم تنعكس تأهيلا للقطاعات الإنتاجية من زراعة أو صناعة ولا وظفت لتأهيل البنيات التحتية مثل السكك الحديدية والنقل النهري أو الجوي ولم توظف في ترقية الخدمات من صحة وتعليم، وفي غياب الشفافية والمساءلة والمحاسبة يظل أهل السودان يجهلون تماما أين ذهبت عشرات المليارات من عائدات النفط خلال السنوات الماضية، لكنهم يعلمون أن النصيب الأكبر من ميزانية الحكومة صرف على القطاع العسكري والأمني وفي تمويل حروب أهلية تغطي نصف مساحة السودان وعلى صرف سياسي باذخ. وإذا فشلت كل تلك المليارات في إحداث تغيير هيكلي للاقتصاد السوداني ولم توفر الخدمات المطلوبة ولا البنى التحتية الأساسية فماذا سيفعل مبلغ المليارين اللذين سيدخلان الخزينة العامة من جراء استئناف ضخ نفط جنوب السودان؟ كل الذي سيحدث أن المبلغ -على ضآلته- سيذهب بكامله في سد العجز في ميزانية الحكومة بل ولن يكون كافيا لسد ذلك العجز ولن يحدث أثرا في القطاعات الإنتاجية أو الخدمية وستظل معاناة المواطن مستمرة تحت هذه الظروف. لن ينصلح حال الاقتصاد السوداني ما لم تعالج الأزمة السياسية وتتوقف الحروب الأهلية وتتحقق مبادئ الحاكم الراشد المبرأ من الفساد وتتأسس قواعد الانضباط في التعامل مع المال العام ويترسخ مبدأ المساءلة والمحاسبة ومحاربة الفساد تحت ظل نظام ديمقراطي يشارك الناس فيه في صناعة القرار وفي مراقبة التنفيذ والأداء وفي سيادة حكم القانون الذي يساوي بين جميع المواطنين.