( معركة أبو كرشولا الدروس والعبر ) الأمر المؤكد أن جيش النظام السوداني ومليشياته قد دخلت مدينة أبو كرشولا دون قتالٍ أو مقاومة تذكر بعد أن أخلتها قوات الجبهة الثورية طوعاً قبل يومٍ كامل من وصولهم إليها وذلك بعد أن مكثت فيها لمدة تربو عن الشهر صدت خلالها ما تزيد عن خمس محاولات متكررة من جيش النظام لاسترداد المدينة تكبدت خلاها القوات الحكومية والمليشيات التابعة لها خسائر فادحة في الأرواح والعتاد ، تقدر أعداد القتلى والجرحى بالآلاف ( بكل أسف ) . والمؤكد أن نظام الخرطوم الفاشل قد قام بالاستعانة بقوات أجنبية من إيران وتشاد ورواندا وشتات الفارين من النيجر لأجل استرداد هذه المدينة وقد جلب مختلف أنواع الأسلحة بما فيها غاز الأعصاب الذي تم جلبه من إيران عبر طائرات خاصة رصدت هبوطها في مطار الأبيض خلال اليومين الماضيين . والمؤكد كذلك أن النظام السوداني لم يترك باباً للوساطة لأجل جلاء الثوار طوعاً من مدينة أبو كرشولا إلا سلكها ، حيث أوفد وزير خارجيته ورئيس استخباراته لتقديم الاسترحام لدى دولة جنوب السودان رجاء التدخل والطلب من ثوار الجبهة الثورية بالانسحاب من أبو كرشولا لإنقاذ ماء وجه النظام لدى أنصاره من المواطنين الذين انهارت معنوياتهم جراء فشل النظام في استرداد تلك المدينة ، وكذا جرت محاولات مع عديد من الدول الإفريقية بجانب الولاياتالمتحدةالأمريكية . وبعد كل هذا الانهيار والصراخ والعويل ، وبعد إخلاء ثوار الجبهة الثورية مدينة أبو كرشولا طوعاً كما أسلفنا ، يأتي الجنرال البشير ليتراقص طرباً بلا خجل في انتصارٍ مزعوم لا وجود له على أرض الواقع بل يعد فشلاً ذريعاً بكافة المقاييس العسكرية ( أن تبقى قوة قوامها عشرات من سيارات الدفع الرباعي ومجموعة من الثوار في العمق العسكري لميدان الجيش الحكومي لمدة شهرٍ كامل يعجز خلاله الجيش الحكومي عن إجلائهم منها ) . وكان حريٌ بالبشير إن كان يتمتع بشيء من المسئولية الأخلاقية وهو في حكم رئيس البلاد وقائد جيشه ، أن يراعي مشاعر الملايين من أفراد شعبه حيث المآتم في كل بيت والمستشفيات تكتظ بآلاف الجرحى ودماءهم لا تزال حارة وجراحهم غضة وفيهم من فقد أطرافه وعقله ! كان حريٌ بالجنرال البشير أن يراعي مشاعر كل هؤلاء بدلاً أن يتراقص كالبغل حينما يشبع من حشائش الخريف ؟! وكان الأجدى به ترك مهام الرقص لوزير دفاعه ( أبو جهل ) كونه غير مؤاخذ في قوله وفعله . لكنها أقدار الزمان أن يتولى زمام بلد مثل السودان أمثال هؤلاء الحمقى الجهلاء ( وهذا زمانك يا مهازل فامرحي ) . أما بالنسبة لقوات المقاومة فنحن نقدر صمودهم البطولي أمام جحافل جيش النظام الذين تم حشدهم من كل حدبٍ وصوب من بلاد العرب والعجم ، نقّدر هذا الصمود طيلة تلك المدة ، ونقّدر حساباتهم العسكرية التي دفعتهم لإخلاء مدينة أبو كرشولا ، أكانت إنسانية أو تم قصفهم بغاز الأعصاب ( لا نعلم حتى الآن ) . غير أننا لا يمكن أن نعفيهم من بعض الأخطاء التكتيكية غير المبررة ، ويتعلق ذلك بشكل أساسي في الجانب الإعلامي ، ففي الوقت الذي جنّد فيه النظام كافة أدواته الإعلامية من قنوات تلفزيونية وإذاعية لا حصر لها ، لأجل الكذب والتزييف والتضليل ، فلم تتوفر لدى قوى المقاومة قناة تلفزيونية واحدة توضح لجماهيرها حقيقة الأوضاع بالصوت والصورة والتحليل السياسي ؟! ففي عملية الانسحاب من أبو كرشولا لو كانت ثمة خطة إعلامية ذكية لتم تصوير عملية الانسحاب كاملة وإرسالها لقناة المعارضة لعرضها ، بل حتى لقنوات تلفزيونية دولية محايدة لعرضها واخراص أكاذيب النظام كما حدث عند انسحاب قوات حكومة جنوب السودان من هجليج حينما تم تصوير مشاهد الانسحاب ليلاً من قبل وسائل إعلام أجنبية وعرضها عبر شاشات التلفزة وتبيّن العالم حقيقة الأمر من خلالها . أما الدروس المستفادة من هذه العملية فكثيرة : أولها أنه قد تكشف مدى هشاشة هذا النظام والتآكل الذي يعانيه في داخله مما جعله يستعين بقوات أجنبية لحماية عرشه من السقوط . والحقيقة الثانية أنها قد تمايزت الصفوف واتضح العدو من الصديق والصادقين من المنافقين ( ففي يوم الفصل يبين الأصل ) ؟ فقد تكشف حقيقة رموز الأحزاب التقليدية وحلفهم السري المعقود مع هذا النظام ضد إرادة جماهير الشعب في التطلع نحو الخلاص من جور هذا النظام الاستبدادي وجبروته وتنسم الحرية والديمقراطية ، واعني تحديداً قيادات حزبي الأمة القومي والاتحادي الديمقراطي ، حيث اتضح مدى بعدهما عن تطلعات قواعدهم الذين باعوهم بثمنٍ بخس مناصب معدودة لأبنائهم في هرم السلطة وفتح خزائن الدولة لهم لنهب مواردها الشحيحة أصلاً ، ( وعلى القواعد أن يسفوا التراب ) !! بهذه الصراحة نتحدث لا نخشى في الحقيقة لومة لائم ولا مجاملة أو مهادنة في حق الوطن وإرادة الشعب . أما الحقيقة الثالثة والأخيرة فتتعلق بمدى القصور الإعلامي الذي يعانيه المقاومة السودانية في توضيح الحقائق لجماهيرها والعالم الخارجي ، تبيّن ذلك جلياً في غياب أخبار المعارك البطولية التي صدت خلالها قوات المقاومة الهجمات المتتالية لجيش النظام ومليشياته ، وكذلك العجز عن توضيح الحقائق للعالم الخارجي فيما يتعلق بوجود القوات الأجنبية في البلاد وقتالهم في صفوف جيش النظام وبخاصة القوات الإيرانية الذين حسب علمنا انه قد تم اسر عدد منهم في معارك أبو كرشولا وبكل أسف لم يتم تناول أخبارهم عبر أية وسيلة إعلامية ، فيما كان الأجدى تصويرهم وعرضهم عبر وسائل الإعلام الأجنبية ليعلم العالم حقيقة الصراع الدائر في السودان . وإذا كان ثمة منْ لا يزال يصغي إلينا في هذا الجانب حيث نضب يراعنا من الكتابة فيه !! فنوصي مجدداً بأهمية الإعلام وإلا ستظل انجازاتكم حبيسة أماكنها لا يعلمها سواكم ، بل يغطي عليها أباطيل النظام لتصبح الحقيقة باطلاً والعكس . أما بالنسبة للشعب السوداني فبعد كل هذا الذي رأينا خلال الأيام الماضية فلا ندري متى يستيقظ ويتحرك ، فقد تم تدجينه ليسير على هوى النظام أو ينتظر التغيير ليأتيه جاهزاً من الآخرين ؟! ( ومن لا يحب صعود الجبال عاش أبد الدهر بين الحفر ) ، وعلى الأرض السلام ، والسلام .