[email protected] يُخطئ النظام إذا إعتقد بأنه يستطيع حسم الحرب مع الجبهة الثورية بالقوة العسكرية، فنطاق الحرب بالوطن يزيد ولا ينقص، ومع كل شمس تشرق تزيد الرقعة التي تخرج عن سيطرة الدولة، وتزيد المساحة التي لا يستطيع رئيس الدولة نفسه أن يضع عليها رجله،هذه حقيقة ماثلة لا تقبل المجادلة. ومن يرى حالة الزهو التي يتحدث بها رموز النظام، يعتقد بأن الجيش – فعلاً – قد أخذ "أبوكرشولا" عنوة وإقتداراً بحسب التعبير الشائع للنظام، وأن الجيش قد قام فعلاً بسحق جيش الجبهة الثورية بحيث لا تقوم له قائمة كما قال بذلك "الخبير العسكري" اللواء يونس محمود الذي سمعته يقول كلام بهذه الصفة وهذا المعنى في برنامج بالتلفزيون القومي، والصحيح أن جيش النظام قد دخل منطقة "أبوكرشولا" بمنتهى الإطمئنان كما يدخل التلاميذ إلى حديقة النسيم في رحلة مدرسية، وقد تم ذلك بموجب عزومة وجهت لجيش النظام من الجبهة الثورية في خطاب مفتوح تم نشره بكل الوسائل المتاحة بعد يومين من الإنسحاب. أكبر خسارة خرج بها النظام من هذه الأحداث أنه كشف من نفسه لنفسه بأنه ليس لديه جيش مِلِك، وأن القوة التي يهرش بها خصومه هي قوة عارٌية ومؤجرة مفروش، فهو جيش يتألف من الضباط وحملة الرتب وبلا جنود، وقد تكون هناك أسباب منطقية وراء هذه الحقيقة، كالقول بضعف مرتبات الجنود بحسب قول وزير الدفاع للبرلمان، أو بسبب تسرب الجنود من الخدمة العسكرية والإنضمام لجيوش المنقبين عن الذهب كما ورد في تقارير صحفية، ولكن إفتقار الجيش للمقاتلين يبقى حقيقة لا مجرد زعم، وهي حقيقة كشفت عنها قيادة القوات المسلحة نفسها التي قامت بنشره فضيحتها ونقطة ضعفها على لافتات من القماش بشوارع العاصمة الخرطوم في الوقت الذي كانت تقول فيه أنها أكملت الإستعدادات دخول معركة إسترداد "أبوكرشولا" أعلنت فيها – لافتات القماش – عن حاجتها لإنضمام عسكريين سابقين للعمل في مناطق العمليات بنظام المقطوعية، لتدفع لهم رزق القتال شهراً بشهر بحسب نوع العمليات، فأجر القتال في أبوكرشولا – مثلاً – غير الذي يُدفع لعمليات منطقة بابنوسة أو الطينة .. الخ، هذه حقيقة لا مضحَكة فيها ولا إستهزاء. هذا جيش قوامه دراويش، تلاشت فيه التقاليد والأعراف التي ظلت تحافظ عليه أجياله المتعاقبة لأكثر من قرن، حتى فقد أبسط قواعد الإنضباط والصرامة، فالجندي لم يعد يرفع يده بالتحية لضابطه الأعلى، وإستحال فيه طابور الميدان إلى حلقة طرب وغناء يرقص فيها العميد ردفاً بردف مع الجندي والرقيب، جيش يقوده ولاة ومعتمدون وضباط صحة وبلدية. على النظام أن يفوق لنفسه، ويدرك حقيقة حجمه ويحسب قوة خصمه، ذلك أن قوات الجبهة الثورية موجودة ولم تبلعها الأرض، وسوف تُطل برأسها من جديد في مكان لم يحسب له النظام حساب، وسوف تكون كل معركة أصعب من سابقتها على النظام، ومن مصلحة الجميع أن تتوقف هذه الحرب والوصول لتسوية سلمية. لقد مضى الوقت الذي يستطيع فيه رموز النظام خداع الشعب بالموت نيابة عنهم، وقد سبق لنا القول بأن مشكلة الانقاذ أنها لا تُعدل حتى بين القتلى الذين يموتون في سبيلها، فلها من الشهداء "السوبر" الذين تتغنى بأسمائهم وتُطلقها على الشوارع والقاعات وتجعل أسرهم يعيشون كما لو كانوا أحياء مثل الزبير محمد صالح وابراهيم شمس الدين وعلي عبدالفتاح وعبيد ختم ..الخ ، في مقابل آخرين من شهداء (الترسو) الذين لا يُعرف لهم قبر ولا يُذكر لهم إسم وغاية ما يطال أهلهم زيارة عابرة من مسئول بصحبة جوال طحين وصفيحة زيت. إن قطار الوطن يسير – بلا سائق – نحو الهاوية، وليس هناك متسع من الوقت لإيقافه، وهناك عواقب وخيمة تنتظر الجميع إذا واصل الشعب في هذه الحالة من الصمت وعدم المبالاة، فقد جاء الوقت الذي أصبح فيه رفض الشعب لسياسة النظام فرض عين على كل مواطن، فهناك حريق قادم لن يكون معه وطن ولا مواطنين.