* مصادفة غريبة حدثت لي أول أمس.. تأملت وجوه الناس في الطريق ، افتقدت ملامح الضحك فيها.. بل ملامح الرضا.. رأيت كل الوجوه حزينة عابسة.. استدعيت كثيرا من المقولات.. ألم يقل أهلنا «الضحك بلا سبب قلة أدب»، إذن ليس هناك سبب واحد للضحك في حياة الإنسان السوداني. * ولكن كثيرا من الفلاسفة تحدثوا عن أهمية الضحك في حياة الإنسان.. فولتير قال: «إن لم تبق لنا ضحكاتنا لشنق الناس أنفسهم فويل للفلاسفة الذين لا يبسطون تجاعيدهم لأن العبوس في نظري مرض عضال». * تساءلت لكن من أين لنا بأسباب الضحك إلا ذاك الضحك الباكي «شر البلية ما يضحك» أو ضحك الذين فقدوا التمييز بين المشاعر الحزينة والمبهجة. * ظللت طوال اليوم أبحث عن أسباب غياب الضحكة الجزلة عن وجوه غالبية أهل السودان.. أو الابتسامة الحالمة.. ويطل العجب تماماً فقد عرفت السبب.. السبب كما رأيته هو ان الحكومة لا تكترث بالفقراء الذين اصبحوا يمثلون الغالبية الساحقة من أهل السودان. * وقفت عند هذه الجملة الصغيرة بعدد كلماتها الكبيرة في معناها.. وقفت كثيراً عند معنى عذابات هذا الكم الهائل من المجتمع السوداني.. نعم الكم الغالب من سكان السودان فقد أضحت الغالبية العظمى من السودانيين تحت خط الفقر. * وسياسة التحرير الاقتصادي غير المقدور على آثارها السلبية هي السبب، ونظرة عابرة للخارطة الاجتماعية تبرز هذه الحقيقة بوضوح ساطع أسطع من شمس الظهيرة في نهارات مايو الغائظة. * تلاشت طبقة كاملة خلال السنوات الماضية.. تلاشت الطبقة الوسطى.. طبقة الموظفين وصغار التجار والمعنيين والحرفيين، وقطاع كبير من المزارعين.. كل هؤلاء داست عليهم سياسة التحرير وسحقت آمالهم في العيش الكريم.. في التعليم وفي الدواء وفي الوضع الاجتماعي المتميز.. وضع الموظف والتاجر والمزارع.. واصبحوا كلهم تحت رحمة جرعة الدواء وظل سكن باهظ الايجار في أطراف المدن.. ووجبة واحدة مكونة من موية الفول «بوش» أو وجبتين على أحسن الفروض هذه حال الغالبية العظمى من أهل السودان قبل الزيادات الأخيرة وعليكم ان تتخيلوها هذه الأيام.. * وهناك طبقة أخرى طبقة الأقلية الممزقة التي تتمتع بكل شيء العلاج والسكن المريح والتعليم المتميز في الداخل والخارج والطعام الفاخر.. ولكنها أقلية.. أقلية وارثة او اقلية أثرت حديثا في ظل التحرير والاصلاح الاقتصادي، كما يدعون وما يتبعه من نشاط طفيلي يمتص من جسد الاقتصاد الوطني العافية لتذهب الى جيوب أقلية تعمل في التهريب والتهرب والاحتيال والغش. * صحيح ان الحكومة تتحدث عن انخفاض وتتحدث عن صناديق الدعم وعن مشروعات الزكاة وعن التأمين الصحي وعن.. وعن.. ولكنها لا تجدي ولا تغير الواقع المرير واقع الفقر الذي نعيشه حرماناً لا يجدي ولا تغيير الواقع المرير واقع الفقر الذي نعيشه حرماناً وقهراً وانكسارا وينذرنا بمستقبل مظلم عندما يشب هذا الجيل ضعيف البنية قليل الحظ.. جيل «البوش» والسخينة ومرقة ماجي.. * تذكرت مقالة قرأتها عام 1999م للدكتورت نادر فرجاني تتحدث عن برنامج الاصلاح الاقتصادي في مصر بعد سنوات الانفتاح والتحرير الاقتصادي.. تذكرتها واستدعيتها من بين قصاصاتي.. أواصل مع تحياتي وشكري..